شبكة قدس الإخبارية

أم حسن تبحث عن أبنائها بالسجون ومقابر الأرقام

ساري جرادات

الخليل - خاص قدس الإخبارية: تشكل عائلة أبو حسن القواسمة من مدينة الخليل المحتلة، منظومة دفاعية فلسطينية ضد جرائم الاحتلال الإسرائيلي بحق شعبها الفلسطيني، راضية بما قسم الله لها في حياتها رغم تعدد ويلاتها وآلامها، من فراق ووداع وحسرات ألمت بها، وتمضي بصبر وعزم وهامات مرفوعة لم يستطع الاحتلال وأدواته النيل منها.

بوابات السجون ومقابر الأرقام وآلات القمع الاحتلالية تعرف هذه العائلة، التي لم تجتمع تحت سقف واحد منذ ما يزيد على 27 عاماً، فبين الاستشهاد والاعتقال والإبعاد، تدور أحداث مقاومة العائلة للاحتلال، مؤمنة بقضاء الله ونصره، ومعتبرين بأن الطريق نحو القدس يمر بفوهة بندقية الشهداء وتحرير الأسرى وعودة مبعدي ولاجئي القضية.

حياة الأسر

تقول الحاجة أم حسن لـ"قدس الإخبارية": "نحب الحياة ما استطعنا إليها سبيلاً في إرضاء وجه الله، والنقطة الفاصلة في حياة أبنائي كانت بعد مجزرة المسجد الإبراهيمي، فكان ابني الشهيد مراد ينقل الشهداء والجرحى بين ذراعيه، وشهد بنفسه الإجرام الصهيوني بحق شعبنا الفلسطيني ومقدساته".

وأضافت الحاجة أم حسن لمراسلنا، "ارتوت ملابس ابني الشهيد مراد من دماء شهداء وجرحى مجزرة الإبراهيمي، وطلب من سيدة تسكن بالمنطقة القريبة من المستشفى الأهلي في مدينة الخليل ملابس لتغييرها، لتكون تلك اللحظات نقطة فاصله في حياته، وولدت في نفسه عهد ووعد الانتقام من القتلة والإرهابيين".

حسن (47 عاما) الابن البكر للحاجة صبحية (65 عاماً)، ويعمل في قطاع التجارة، تعتقله قوات الاحتلال حين يكون هناك مطاردة لأشقائه، كوسيلة ضغط عليهم لتسليم أنفسهم، حيث أمضى قرابة العام في سجونها.

أما حسام (46 عاما)، فقد أمضى من حياته 10 أعوام سابقة في سجون الاحتلال، وأصيب برصاصة دمدم بيده في هبة النفق، لا زالت شظاياها موجودة في جسمه، وتسبب له التهابات حادة في فصل الشتاء، وترك خلفه طفله عبد الرزاق وقد كان عمره ست شهور.

وأعاد الاحتلال اعتقال حسام وحكمت عليه بالسجن 3 مؤبدات، بتهمة مسؤوليته عن عملية خطف وقتل الجنود الثلاثة من مجمع مستوطنات "غوش عتصيون" بتاريخ 6/ 12/2014، وعثر عليهم مقتولين في أرضه الواقعة شمال الخليل، وهدم الاحتلال منزله بعد العملية التي أربكت شتى حسابات أجهزة مخابراته.

 

ويقبع عبد الرزاق (24 عاماً) طالب الهندسة في جامعة بولتكنك فلسطين، والابن الأكبر للأسير لحسين في الاعتقال الإداري، وجددت له سلطات الاحتلال تمديد اعتقاله الإداري ست شهور إضافية للمرة الثالثة، ويقبع في سجن "عوفر" بينما يرزخ والده في سجن "ريمون"، ويرفض الاحتلال جمع الابن وأبيه بسجن واحد.

وأعاد الاحتلال اعتقال حسين (45 عاماً) بتاريخ 25/8/2011، بعد أن أمضى 12 عاما سابقة في سجونها، بتهمة مشاركته في عملية فدائية في القدس، حكم على إثرها مؤبدا و30 عاما، وبعد رفضه الامتثال لأمر قاضي محكمة الاحتلال بالوقوف أمامه، تم رفع حكمه ثلاثين عاما إضافية ليصبح مؤبدا و60 عاماً.

زياد (44 عاما)، اعتقل عام 2002 بتهمة ضلوعه في التخطيط والمشاركة بعملية فدائية في مدينة ديمونا جنوب فلسطين المحتلة، وتمت محاكمته ب 13 عاماً، وقبل ذلك كان قد أمضى عامين في سجونها، ورزق أثناء وجوده بالسجن بتوأمه يوسف وعمر، عبر النطف المهربة من سجون الاحتلال قبل الإفراج عنه بثلاث سنوات.

وأثناء وجود زياد في الأسر حفظ القران الكريم، وحصل على شهادة البكالوريوس في التاريخ والسياسة من جامعة الأقصى، واللغة العبرية من الجامعة العبرية المفتوحة.

المقاومة والاستشهاد

ولد الشهيد مراد بتاريخ (20/6/1979 )، وكان يواظب على أداء الصلاة في مسجد أهل الخير القريب من منزله، توجه للعمل في تمديد كهرباء المنازل، لعدم تمكنه من إكمال تعليمه الجامعي، وتزوج في العام 2000 ورزق بطفل أسماه أحمد تيمناً بشقيقه الشهيد أحمد.

اعتقلت قوات الاحتلال مراد بتاريخ (15/5/2003) وأخضعته لتحقيق قاس، بتهمة تشكيل خلايا عسكرية قسامية وإطلاق النار ضد أهدافها، وبعد فشل ضباط "الشاباك" بانتزاع اعتراف منه، حكمت عليه أجهزتها العسكرية بالسجن لمدة عام ونصف، ليتحرر بعزيمة وإصرار على انتزاع الحق من مخالب الاحتلال اللعين.

واصل الشهيد مراد عمله العسكري دون أن يشعر به أحد من عائلته أو تظهر عليه علامات العمل في المقاومة، وبعد خمس شهور من تحرره من السجون الظالم أهلها أصبح أحد أبرز المطاردين لقوات الاحتلال الإسرائيلي، وبات اسمه معلقا على كل حاجز ونقطة تفتيش مقامة على مخارج ومداخل مدينة الخليل.

وجهز الشهيد مراد الاستشهاديين نسيم الجعبري وأحمد القواسمة، رداً على جريمة اغتيال الشهيدين الشيخ أحمد ياسين والدكتور عبد العزيز الرنتيسي، وفجرا جسديهما الطاهرين في عمليتين منفصلتين في حافلتين تقل جنودا للاحتلال في مدينة بئر السبع بتاريخ31/8/2004، لتسفر عن مقتل 17 منهم، وإصابة العشرات، حسب إعلام العدو.

الإبعاد

وشدد الاحتلال من خناقه على عائلة الشهيد مراد، وقبل اغتياله بعشر أيام، اعتقل الاحتلال أشقاءه الستة ووالده، وحاصر الاحتلال بتاريخ (25/11/2004) المنزل الذي يتخفى فيه الشهيدان مراد وعمر الهيموني، وأطلقت الرصاص والقذائف تجاههم، وبعد اشتباكات امتدت لساعات، استشهدا مقبلين، ومزقت 25 رصاصة جسد الشهيد مراد.

أما المبعد محمود ( 37 عاماً) كان له علاقة بعملية بئر السبع مع شقيقه الشهيد مراد، فحوكم 22 سنة، قضى منها ثمان سنوات، ثم أفرج عنه في صفقة وفاء الأحرار، وتم إبعاده لقطاع غزة، ويعيش مع زوجته وأطفاله بعد تمكنهم من السفر والوصول إليه في قطاع غزة.

وأمضى حجازي (36 عاماً) في سجون الاحتلال، حوالي ست سنوات، ثلاث سنوات منها في الاعتقال الإداري، بينما أمضى محمد (34 عاماً) في سجون الاحتلال، عامين منها في الاعتقال الإداري، وتفرض سلطات الاحتلال على جميع أفراد العائلة بالإضافة للوالدين منعا من السفر.

بينما الابن الأصغر للعائلة فراس (29 عاما)، أنهى تعليمه الثانوي ويتلقى تعليمه الجامعي في ماليزيا، ولم يعد لفلسطين منذ 9 سنوات خشية إقدام الاحتلال على اعتقاله أو منعه من السفر، مما يعني حرمانه من إكمال تعليمه.

أطلقت قوات الاحتلال نيرانها تجاه المتظاهرين في مدينة الخليل إبان الانتفاضة الثانية بتاريخ 11/12/2000، ليصاب أحمد (16 عاماً) برصاصة في القدم، فقام جندي بجيش الاحتلال بوضع قدمه على عنق الشهيد، وأطلق رصاصة الإعدام على مقدمة رأسه وتركه ينزف حتى عانقت روحه عنان السماء.

حروب الهدم

لم يكتفِ الاحتلال باعتقال جميع أبناء أم حسن، وبعد الحصار الشامل الذي تعرضت له الخليل والعثور على الجنود المقتولين قام بعد أيام باعتقالها والتحقيق معها لمدة يوم واحد، وقال لها ضابط المخابرات: "يا خسارة تربيتك، فردت عليه "الحمد لله على هيك تربية".

ولفتت الحاجة أم حسن لنسف قوات الاحتلال لمنزل ابنها حسن المكون من ثماني طوابق ويحوي عشرين شقة سكنية في الانتفاضة الثانية، فوق رؤوس الشهيدين القساميين عز الدين مسك وأحمد بدر، فطالبت النسوة التي كانت تنظر لها بعين الرأفة والحزن بالفرح لأنها ضمنت منزلتها في الآخرة في جنان الله.

ويبرع أبناء الأسير حسام في حفظ القران وتلاوته، والإنشاد الفني والوطني الملتزم، ويطمح طفله راضي أن يصبح طبيبا ليداوي جدته ووالده الأسير المصاب بمرض السكري، وينوي محمد دراسة الهندسة، فيما علي يحلم بأن يصبح منشدا يجوب بصوته أنحاء العالم معرفاً بقضية شعبه.

وأنهى الأطفال حديثهم لـ"قدس الإخبارية" بضحكات ملؤها البراءة والعفوية بالقول: "في جنود من الاحتلال مأسورين بقطاع غزة، مش رايحين يروحوا إلا لمن يروح أبوي وأخوي وعمامي وكل أسرانا، وعمر الظلم ما بدوم".