شبكة قدس الإخبارية

حينما باحت وفاء إدريس بسرها الأخير في القدس

هيئة التحرير

القدس المحتلة- قدس الإخبارية: حاضرة في الأذهان ما زالت صورة الشهيدة وفاء إدريس أول استشهادية في الانتفاضة الثانية "انتفاضة الأقصى"، حينما أعلنت كتائب شهداء الأقصى الذراع العسكري لحركة التحرير الوطني "فتح" مسؤوليتها عن عملية القدس الفدائية، قبل ١٧ عاما.

 العملية الفدائية التي نفذتها الاستشهادية وفاء إدريس لاقت استغرابا فلسطينيا، حيث أنها العملية الاستشهادية الأولى التي تنفذها فتاة خلال الانتفاضة الثانية، لتبدأ بعدها الفدائيات بتنفيذ سلسلة من العمليات الاستشهادية.

ففي ٢٨ كانون ثاني عام ٢٠٠٠، خرجت وفاء من عملها الهلال الأحمر الفلسطيني من سكان مخيم الأمعري في رام الله، لتنفذ عملية استشهادية وسط مدينة القدس، قتل خلالها اسرائيلي وأصيب ٩٠ آخرا بجروح، حسبما كشفت بيانات الاحتلال.

وفاء: فدائية مع سبق الإصرار

وفاء ادريس (٢٧عاما)، هاجر أهلها من مدينة الرملة المحتلة عام 1948، ليستقر بهم المطاف في مخيم الأمعري بالقرب من رام الله، حيث عاشت وفاء وأشقائها الثلاثة (خليل وخالد وسلطان) في بيت متواضع من الطوب ومصفح بألواح الإسبست.

إلا أن الاحتلال استمر بملاحقته للعائلة المهجرة، فشقيق وفاء، خليل اعتقل ثماني سنوات في سجون الاحتلال، ليضطر شقيقه خالد إلى ترك الدراسة من الصف الثامن لإعالة أسرته، بعد وفاة والدهم، فيما انضم شقيقها الأصغر سلطان إلى شقيقه في العمل لمساعدته.

أما وفاء فالتحقت بدورة طبية وأصبحت تعمل في جمعية الهلال الأحمر، وتطوعت في الانتفاضة لعلاج الجرحى المصابين، فكانت تحرص على عملها خصوصا في أيام الجمعة حيث تزداد وتيرة المظاهرات والاشتباكات مع جنود الاحتلال بعد صلاة الجمعة.

وفي أحد الأيام، ودعت وفاء عائلتها وكانت تقول "الوضع صعب وربما يستشهد الإنسان في أية لحظة"، فشعر شقيقها خليل، أن ساعة الحسم بالنسبة لوفاء قد اقتربت.

وبالفعل، في هذه المرة تأخرت وفاء ولم يكن من عادتها، حيث حل الليل ولم تحضر، وبدأ أهلها بالبحث عنها وسألوا بعض صديقاتها، فقلن إنها ودعتهم وكانت تطلب منهم الدعاء وهي تقول لهن سأقوم بعمل يرفع رؤوسكن دون أن تفصح عن هذا العمل، وبقيت الأسرة تترقب، حتى وصلها خبر تنفيذ وفاء عملية استشهادية في شارع يافا بالقدس المحتلة، ولم تستطع التأكد حتى أصدرت كتائب شهداء الأقصى بيانا تزف فيه خبر استشهاد وفاء في عملية بطولية أسفرت عن مقتل وإصابة العشرات من الإسرائيليين.

لحظة التنفيذ

لبست حزامها الناسف، وأرادت أن تعيد لنا صفحة من صفحات الفدائيات، فودعت القريب والبعيد، وخطبت على منبر الحياة، خطبةٌ لا دموع فيها ولا خوف، ولا تلعثم في سطورها ولا تردد، عازمة على الشهادة، ومشتاقة إلى جنة ربها، قادمة بقوة، وبدأت الدنيا كلها تنظر إليها، العالم كله يترقب أمرها، هدوء ملأ الكون، والليل اختنق، النهار يفرك عينيه، والشمس خجلت، التاريخ وقف أمامها، يتأمل مشيها، يحفظ درسها، ينقل تاريخها، يسطر أفعالها  يروي أمرها ويلقي كلماتها

تسمع تكبيرا من بعيد، وعجوزا جاوزت الثمانين تتمتم بالدعاء لها، وطفلا يجري خلفها وهو يبكي ويصيح، يقول "وفاء وفاء وفاء ينصر دينك".

كيف كان شكلها والحزام الناسف يزين خصرها، بالتأكيد كانت تسير بخطوات واثقة، يا الله، وفاء بقي على هدفها دقائق، فكم من حاجز قد عبرت، وكم من تفتيش قد أعمى الله عليهم، فعبرت الصعاب، وتجاوزت المصاعب، ونسفت النكبات.

وفاء تسير، خطوة، خطوة، خطواتها الأخيرة على هذه الأرض قد اقتربت، أنفاس الدنيا أصبحت تضيق أمام ناظريها، تركت الدنيا لأهلها، فأرادت أن تذهب إلى وطنها الحقيقي، وقفت وفاء وصيدها أمام عينيها، تنظر إليه وهي في فرحة كبيرة، وسعادة غامرة، وبسالت شديدة.