نابلس- قُدس الإخبارية: فسحة الأمل الوحيدة والمفر الأخير للقاء الحبيب خلف قضبان المحتل الإسرائيلي، هو الذي تتشبث به أمهات الأسرى المحكومين بالمؤبدات والأحكام العالية. تزور ابنها أو قريبها لتراه، وتحاكيه وتطمئن عليه، ثم تعود أدراجها محاولة إخفاء دمعتها عن حبيبها الذي أبعده ظلم السجان عن حضنها.
الحاجة مهدية نصار، تبلغ من العمر 67 عاما، من قرية مادما، جنوب مدينة نابلس، شمالي الضفة الغربية المحتلة، تعاني بعد حكم المؤبد على ابنها البكر حسين، أو كما تحب أن تسميه "أبو هداية"، وأمضى من سنوات حكمه أربعة عشر عاما. تقول نصار لـ"العربي الجديد": "توجهت لزيارة أبو هداية. خرجت من المنزل عند الخامسة صباحا، وانطلقت بنا الحافلة إلى سجن ريمون، حيث يقبع حسين، ومنذ نزولي من الحافلة، لاقاني أحد الجنود الذين أراهم دائما، وقال لي: شو جيتي تغني لابنك؟ لم أجبه وتوجهت لرؤية ابني". وتضيف: "جلست مع ابني وتحدثت معه ورأيته مدة 45 دقيقة، وقلت له: ما تفوت ع السجن خليك بغرفة الزيارة". وبعد أن أنهى بقية الأسرى لقاءهم القصير مع أهلهم، غنّت والدة الأسير حسين بطريقتها الشعبية قائلة: "يا باب السجن ريتك خرابة... يللي فرقت بيني وبين حبابي.. الله يا ابو هداية ريتك تطلع وتخلع البوابة... وأروح لأمي الحنونة". حينها صفق جميع الأسرى الذين كانوا حاضرين في غرفة الزيارة، وشجعوا والدة الأسير حسين. وكان الجندي الذي قابلها لحظة وصولها، ووصفته بالأسمر القصير، يرقب المشهد من بعيد ويلوح بإشارات توحي بعقاب أم حسين، إلا أنها واصلت غناءها وأهازيجها الشعبية وإطلاق تحياتها للأسرى، لترفع من معنوياتهم، بحسب ما وصفته لـ"العربي الجديد".
وتتابع "تدخل الجندي وأبعدني من غرفة الزيارة، وعند الوصول إلى الباب، رفض إعطائي الهوية وتصريح الزيارة، حاولت النساء الموجودات لزيارة أبنائهن أن يختلقن قصة عن مرضي وبأني أعاني من مشاكل نفسية، من أجل إقناع الجندي الإسرائيلي بتسليمي الهوية، فقلت بأن هذا غير صحيح، أنا غنيت لابني وللأسرى عشان أقهر هالجندي وأفرّح الأسرى اللي جوا السجن".
أبلغها الجندي الذي يتكلم العربية بطلاقة بأنها ستدخل السجن، كونها قالت في إحدى الأهازيج التي غنتها: "يا ريتك يا أبو هداية تخلع بوابة السجن"، مع إشارته لقضية الهروب من السجن.
أهالي الأسرى رفضوا الخروج إلى الحافلة قبل تسليم هوية الحاجة أم حسين وتصريحها، وهذا ما حدث. وعند صعودهم في الحافلة، جاء الجندي ومعه آخر، وسألوا عن والدة حسين، وطلبوا منها التوقيع على عدم زيارة ابنها مرة أخرى، فرفضت ذلك وقالت له: "فشرت"، فأبلغها شفهيا بعدم السماح لها بالزيارة مدة عام كامل.
تمنت حينها بصوت مرتفع أن يتحرر ابنها من الأسر خلال هذا العام، وانفعل معها جميع ركاب الحافلة، وطلبوا من الجنديين تركها وعدم الحديث معها. ونزل الجنود وتحركت الحافلة في طريق العودة إلى الضفة المحتلة.
تزور الحاجة أم حسين ابنها مرة واحدة شهرياً، وتكون هداية ورغد ابنتا الأسير حسين معها. كانت الحاجة تملك تصريحا دائما للزيارة، إلا أنه سُحب منها منذ أن صارت تغني لابنها في السجن قبل نحو عام، وأصبحت تملك تصريحا آخر يتجدد بين فترة وأخرى.
لا تدري والدة الأسير حسين إن كان هذا القرار الشفهي الذي أبلغها به الجندي سيمنعها من رؤية ابنها عاما كاملا أم لا، إلا أنها ستذهب الشهر المقبل لزيارته، ولن تتردد في أن تغني لابنها في سبيل إسعاده والتخفيف عنه.
المصدر : العربي الجديد