شبكة قدس الإخبارية

فيديو| حين ودّعت نابلس 4 قادة غيّروا مجرى الانتفاضة

هيئة التحرير

فلسطين المحتلة- قُدس الإخبارية: يصادف اليوم الذكرى الخامسة عشر لاستشهاد القائد القسامي يوسف السركجي، الذي عُدّ في حينها القائد السري للكتائب، اثر اغتياله مع رفاقه الثلاثة، "نسيم أبو الروس" و"جاسر سمارو" و"كريم مفارجة"، في شقة سكنية في نابلس، جرى حصارهم عشر دبابات وناقلات جند من جهتين وتتخذ مواقع لها في محيط البناية، وإمطارهم بالرصاص حتى ارتقوا شهداء.

الميلاد والنشأة القائد، يوسف السركجي، من مواليد نابلس جبل النار في العام 1961 لغائلة محافظة معروفة بهدوئها واخلاقها الكريمة، متزوج وله من الأولاد اثنين البكر طارق ومعاذ، وكلاهما في طلاب في المدرسة الاسلامية بالمدينة بالاضافة لكريماته "شهد وصفاء"

مسيرته التعليمية تلقى علومه الاساسية والثانوية في مدارس نابلس ثم نال شهادة البكالوريس في الشريعة من الجامعة الاردنية بعمان وتتلمذ على ايدي علماء وقادة اسلاميين بارزين منهم الشهيد الدكتور عبد الله عزام رحمه الله والدكاترة الاساتذة احمد نوفل وفضل عباس ومحمد عويضة وآخرون ولكن اخرت المخابرات الاردنية تسليمه شهادته الجامعية عقوبة له على نشاطه في العمل الاسلامي في الجامعة وصويلح كما نال درجة الماجستير في الشريعة من جامعة النجاح الوطنية.

الاعتقال والابعاد اعتقل مرات عديدة في سجون الاحتلال الظالم ومن ثم ابعدته سلطات البغي الصهيوني مع 417 من قادة وكوادر حماس والجهاد الى لبنان عام 1992 فيما اعتقل بعد الابعاد في العام 1995 لدى الصهاينة في سجن عسقلان وعانى من المرض اثناء التحقيق ووصل لدرجة اقرب من الفشل الكلوي ما دعاها لاطلاق سراحه وابعاده الى غزة وبعد توسط لدى المحتلين من السلطة اعيد الى نابلس بعد عدة ايام وادخل الى المستشفى وتم استئصال احدى كليتيه.

كما اعتقل لدى سلطة الحكم الذاتي اكثر من مرة على خلفية اعترافات من الشهيدين نسيم ابو الروس وجاسر سمارو اللذين كانوا مسؤولين عن معمل للمواد المتفجرة بحي وادي التفاح بنابلس، ولقد عانى بشدة من التحقيق اثناء وجوده في مسالخ التحقيق لدى السلطة وتدهورت صحته حتى كاد ان يموت من التعذيب كما ذكرت عائلته ونشرت الصحف الفلسطينية تقارير عن وضعه آنذاك.

كما وأعيد للتحقيق اكثر من مرة لدى الامن الوقائي في اريحا بعد نقله من سجن جنيد بنابلس وكان كلما اعتقل عنصرا من كتائب القسام اعادوا الشيخ ابو طارق للتحقيق في اريحا ونابلس ووجهت له تهم بالمسؤولية عن كتائب القسام في الضفة اثناء التحقيق، وأخيرا اختفى عن الأنظار عقب ‘طلاق سراحه مع قادة وكوادر حماس والجهاد من سجن جنيد قبل عام اثر قصف الصهاينة الشهير لغزة ورام الله.

غير مجرى الانتفاضة

سيذكرك سوق محني يهودا وشارع بن يهودا في القدس وان ترسل إليهما قوافل الاستشهاديين في أيلول من العام 1997 ، وستذكرك خلية شهداء من أجل الأسرى وهي تلحق بالعدو العار تلو العا ، وسيذكرك محمود أبو هنود وقد لازمته منذ وخططت معه جميع مراحل جهاده وانطلقتما غير عابئين بالجيش الذي لا يقهر.

سيذكرك القائد عادل عوض الله وأنتما تسهران الليل لتبنيا أسسا قسامية لا يمكن ان تجتثث بعد ان آتى الزرع آكله ،لقد عرفه أهالي عصيرة الشمالية خطيبا مفوها وعرفته نابلس إماما لمسجد السلام يطرب بعذب كلامه القلوب، ويغسل عنها ادرانها، عرفه الناس ضحوكا مبتسما يمازح الآخرين دائمًا حتى وأن لم يكن يعرفهم فانطبعت صورته في القلوب واحبه الناس بشغف.

لقد جمع بين حنكة جعلته في قمة الهرم الحمساوي وشدة أضحى من خلالها راس الهرم القسامي وبساطة جعلته محبوبا بين الناس ، لقد بدء عطاءه منذ بداية شبابه في الأردن وهو يدرس العلوم الإسلامية في الجامعة الأردنية ويتتلمذ على يد أستاذه الشيخ الشهيد عبد الله عزام ، فكان أحد ابرز رموز الدعوة هناك مما جعله ملاحقا من قبل الأجهزة الأمنية الأردنية لعلاقته بجماعة الإخوان المسلمين إلا ان شيئا ما لم يفتت من عضده.

إذ ما لبث أن عاد إلى فلسطين ليشهد نمو المارد الإسلامي فيها ويلحظ هذا الغرس وهو يكبر ويكبر حتى استأصل على الاقتلاع، وما أن تطمأن على الغرس الحمساوي حتى بدء يربي بالغرس القسامي ، وبالتالي فليس غريبا أن تتباهى (إسرائيل) بعملية الاغتيال قائلة أنها دمرت هيئة أركان حماس" إلا أنها أغفلت أن هذا الرجل ورفاقه لم يكونوا سوى أساتذة لهم عشرات التلاميذ ممن يضرون أنفسهم الآن للثار لدماء الأستاذ.

لقد عرفت المخابرات الصهيونية السيخ يوسف عن قرب، فلقد تعرض للإبعاد الى مرج الزهور عام 1992 مع 417 من إخوانه وتعرض للاعتقال مرارا وتكرارا على يديها، إلا أنها لم تستطع مرة واحدة أن تنتزع منه كلمة أو اعترافًا يدينه أو أحدا من اخوته، فكان سدًا منيعا يحجب عن العدو مبغاه مما عرضه للتنكيل في أقبية التحقيق والتي كان آخرها صيف عام 1995 عندما فقد إحدى كليتيه من شدة التعذيب.

إلا ان هذا الفصل من المعاناة على يد المحتل الغاصب لم يكن الوحيد في معاناة هذا الشيخ القائد، فقد كان للسلطة الفلسطينية نصيب كبير في معاناته فقد عرفته سجونها واحدا تلو الآخر منذ العام 1997 أي بعد عمليات سوق محني يهودا واتهم خلالها بالمسئولية عن تلك العمليات، وبقي بعدها وطوال ثلاثة أعوام ونصف في سجن جنيد في نابلس يتعرض للتحقيق المتواصل على يد جهاز الأمن الوقائي، فكلما كشفت خلية عسكرية لحماس أو حدث هجوم ما أعيد الشيخ الى التحقيق ،ولعل سبب استشهاده في تلك المنطقة تحديدا "المعاجين" هو بسبب هروبه من أعين السلطة الفلسطينية التي نشطت في ملاحقته في الفترة الأخيرة.

القائد والرفاق

في لبنان، مع أربعمائة من إخوانه وكانت هذه الفترة من أصعب الفترات على المبعدين الذين تعرضوا إلى البرد القارص والشتاء ولكنه تميز الشهيد بأسلوبه الذي يخفف من معاناة إخوانه أثناء الإبعاد وكان يمزح ويضحك معهم ويطهو لهم الأطباق النابلسية الشهيرة ذات المذاق الطيب والمتقن من أيدي الشهيد وهناك تعرف على أبرز القادة السياسيين لحركة حماس وخاصة الدكتور "محمود الزهار" و"عبد العزيز الرنتيسي" وغيرهم.

أعيد من مرج الزهور إلى الضفة الغربية وفي العام ألف وتسعمائة وخمسة وتسعين تعرض للاعتقال من قبل الاحتلال، وفي هذا الاعتقال تعرض للضرب والتعذيب الشديد على أيدي قوات الاحتلال، ما أدى إلى إصابته بفشل كلوي، وأطلق سراحه بعد شهر واحد من اعتقاله وتم الإفراج عنه من السجن وإبعاده إلى غزة.

أول معتقل يبعد إلى غزة وكان الشهيد يوسف هو أول معتقل يبعد إلى غزة من الضفة الغربية ونزل الشهيد في غزة في منزل الدكتور الزهار ليقيم فيه حتى يتسنى له المحاولة أن يرجع إلى نابلس وبعد الاتصالات والمحاولات أعيد الشهيد إلى نابلس بعد إبعاده إلى غزة لمدة يومين، وبدأ المرض يشتد بالشيخ الشهيد، حيث نقل إلى المستشفى وقام الأطباء بأجراء عدة عمليات جراحية لاستئصال كليته اليسرى وكان الشهيد "أبو هنود" هو الذي يحرس الشهيد أثناء تواجده في المستشفى ويقوم على رعايته والاعتناء به.

استطاع أن يسترد عافيته من جديد وقضاء بضعة أشهر مع عائلته التي كانت تتوق شوقا وحنينا إليه وفي أواخر شهر أيلول من العام سبعة وتسعين اعتقل من قبل السلطة الفلسطينية وقضى أربع سنوات بداخل معتقلات السلطة في سجن أريحا والجنيد في نابلس، وقد تعرض الشهيد يوسف السركجي إلى أبشع أساليب التعذيب والتنكيل والشبح لفترات طويلة من قبل السجانين خاصة في سجن أريحا المركزي، حيث أصيب بعدة أمراض نتيجة التعذيب والاعتقال في سجون السلطة وأثناء تواجده في الاعتقال خرج من السجن إلى المستشفى لإجراء عملية الزائدة، وكان العديد من الحراس من السلطة يحرسونه خوفا من هربوه منهم، ولكن كان يقابل هذا العمل بإطعامهم من طعامه حتى أن زوجة الشهيد أم طارق كانت تقول له أنهم سجانين كيف تطعمهم الطعام وكان يردد لا بأس ولا عليك. وأطلق سراحه في نيسان من العام 2004 بعد سبعة أشهر من انطلاق انتفاضة الأقصى.

بداية المطاردة من هذا التاريخ أصبح الشهيد مطاردا من قبل الاحتلال وكانت الحكومة الصهيونية تتحدث انه رجل عسكري مهم في كتائب عز الدين القسام وبشهادة السياسيين والعسكريين أن الشهيد يوسف السركجي استطاع أن يغير من مجرى الانتفاضة وتخاذها سيرا أخر غير رشق الاحتلال بالحجارة وتعتبر فترة مطاردة الشهيد يوسف له من قبل الاحتلال بالفترة التي شهدت العديد من العمليات الاستشهادية الضخمة في الكيان الصهيوني والتي تكبد العدو الصهيوني فيها خسائر فادحة في الأرواح.

إرادة كالصخر كانوا يعيشون أياما في العراء وتحت البرد القارس لا يجدون ما يلتحفونه أو يقتاتونه، ومع هذا لم تفت هذه المعاناة القاسية من عضده ولم تجد طريقا لتنال من عزمه، فقد كان صاحب يقين عال، وثقة بقضاء الله وقدره وإرادته التي تهيمن على كل أمر، فكان في أيام المطاردة إذا لاقاه إخوانه مصادفة في مكان ما يتعرفون عليه بشدة ويذكرونه انه ما كان ينبغي أن يتواجد في ذاك المكان خوفا على حياته، فكان يرد عليهم"وما أدراكم فقد تسبقوني بالشهادة وقد يكتب لي من بعدكم الحياة"

وهذا ما كان فقد ودّع الكثير من أحبابه وأصدقاء دربه، فودع الجمالين وأبو هنود وأبو النور والكثيرين غيرهم، اعتقل احد الأشخاص لدى الاحتلال وفي أثناء التحقيق معه اخبروه أن السلطات تنوي قتل أو اعتقال الشيخ يوسف السركجي، ولما بلغ الخبر للشيخ كان رده: "إن نهاية حياته بيد الله ولا يملك أحد من الناس أن يضع لها حدا، لذلك لا يخيفني هذا الكلام"، وكان بدروسه ومواعظه وأحاديثه يشحن إخوانه ويشحن هممهم وينتقل بينهم ليرفع من معنوياتهم ويبقيهم دائما على أهبة الاستعداد.

كذلك من صفاته التي تميز بها انه كان مستجاب الدعوة موصول بالله، فقد تعرض ذات مرة لظلم شديد في سجنه الانفرادي حيث منع من حقوقه ومن الخروج من زنزانته فدعا على سجانه بان يقع عليه مثل ما يعانيه الشيخ فما لبث حتى استجاب الله دعوته وبات ذلك السجان من ليلته تلك سجين الفراش بغرفة العناية المكثفة بعد أن أصابته جلطة حادة، ومنع حتى أقرب أقربائه من زيارته، فما كان من بقية سجانيه إلا أن تحاشوا تحديه حتى لا يعرضوا أنفسهم لدعواته، لكنه لم يستخدم سلاحه هذا إلا ضد أعداء الله، أما إخوانه وبقية من عامله فما وجدوا منه إلا سماحة وطيبة ولينا ندر أن يوجد مثلها.

كان من صفاته انه شديد الصبر، لا يشكو الألم، يعمل بصمت، شفوق على أهله وأسرته وإخوانه المجاهدين، ويؤثرهم ويقدم لهم أفضل ما يملك، أتاه أحد إخوانه المطاردين ذات يوم يطلب ما يلتحف به، إذ كان ينام بالعراء، فما تردد لحظة بأن يحمله فراشه الذي ينام عليه وكان أفضل ما لديه، وقد جاء فقيرا ذات يوم لم يطعم اللحم منذ مدة فتقاسم معه كل ما لديه في الثلاجة مناصفة، وكان رده دائما على من احتج على سلوكه هذا بترديده قوله تعالى:"لن تنالوا البر حتى تنفقوا مما تحبون".

على أعتاب الشهادة

ولقد كان مدركا انه ذات يوم سينال الشهادة التي حلم بها طيلة عمره وأحس بقربها منه منذ أن نالها أحباؤه أبو النور والجمالان وزاد إحساسه بدنوها منه منذ أن استشهد أبو هنود، لذا كان دائما يوصي أهله ويذكرهم بالصبر وتحمل ما هم مقبلون عليه من أمر استشهاده ولكنه كان أيضا مدركا بأن الله سبحانه وتعالى الذي أكرمه بهذا التكريم لن يضيع أهله ولن يضيع أبناءه وسيتولاهم برحمته ورعايته.

في نحو الثالثة من فجر الثاني والعشرين من كانون الثاني عام 2002 كانت نابلس على موعد مع مجزرة رهيبة أخرى تضاف إلى سلسلة جرائم العدو.

مجموعة من الوحدات الخاصة تتسلل إلى المدينة من جهة الشمال وتطوق شقة سكنية تقع في الدور الأرضي من بناية مؤلفة من تسع طبقات في شارع عصيرة في الجبل الشمالي يتواجد بداخلها أربعة من قادة كتائب الشهيد عز الدين القسام هم الشهيد القائد " يوسف السركجي" و"نسيم أبو الروس" و"جاسر سمارو" و"كريم مفارجة"، وتتبعها بعد ذلك نحو عشر دبابات وناقلات جند من جهتين وتتخذ مواقع لها في محيط البناية.

وبدأ جنود الاحتلال بإطلاق القذائف الحارقة داخل الشقة قبل أن يقتحموها، ثم بدؤوا بإطلاق النار على رؤوس الأربعة بعد الاقتحام، بغرض التأكد من قتلهم، فارتقى الأربعة إلى بارئهم شهداء بدم بارد ليشهدوا على إجرام الاحتلال.

وبعد انسحاب قوات الاحتلال سارع الناس إلى مسرح الجريمة ليجدوا أربعة أجساد محترقة وقد مُثّل بها وأطلق الرصاص على رؤوسهم من مسافة قصيرة، وتعالت أصوات التكبير المنددة بالجريمة وخرج الآلاف في مسيرة غاضبة تجوب شوارع المدينة مطالبة بالثأر العاجل فيما أصدرت حركة حماس بيانا مقتضبا نعت فيه الشهيد القائد وإخوانه الشهداء وتعهدت فيه بالنيل من الاحتلال.

رحل أبو طارق، ورفاقه ولمّا ترتوِ من فيض جهاده الجماهير، رحل وودع الدنيا إلى غير رجعة، وسلّم الراية من بعده إلى رجال تربوا على يديه الطاهرتين، فلم يطل ثأرهم لدمائه، وكانت عمليات الثأر التي وعدت بها المقاومة وزغردت لها تل الربيع والقدس وأم خالد ودفع الصهاينة ثمن ما اقترفت أيديهم.