فلسطين المحتلة - قدس الإخبارية: مع تنصيب "دونالد ترامب"، الرئيس الخامس والأربعين للولايات المتحدة، سوف تتضح طبيعة وحدود التغييرات في السياسة الأميركية حيال الصراع الفلسطيني الإسرائيلي، في وقت تتعزز فيه آمال الحكومة الإسرائيلية بوجود إدارة أميركية جديدة تتبنى توجهات تقترب من مواقف اليمين المتطرف المندفع إلى تعميق الاحتلال والاستيطان والعنصرية، وبضمن ذلك تنفيذ وعد ترامب بنقل السفارة الأميركية إلى القدس.
ويرى الفلسطينيون أن الإقدام على نقل السفارة وفق أي من السيناريوهات المتوقعة يعكس تطورًا خطيرًا يمس بمكانة القدس بالمعنى السياسي، كما القانوني، الأمر الذي ولّد ردود أفعال غاضبة، لا سيما مع تسريبات حول نية ترامب الشروع في إجراءات نقل السفارة يوم تنصيبه، أو في الأيام التالية، لكن هذه الردود ما تزال تنحصر في نطاق التهديد باتخاذ بعض الخطوات دون أن تندرج ضمن سياسة فلسطينية واضحة وفعّالة إزاء كيفية التعامل مع مجمل التغييرات المحتملة في سياسة الإدارة الأميركية الجديدة.
سيناريوهات نقل السفارة
تمثل قضية القدس بأبعادها المختلفة أحد المكونات الجوهرية للصراع العربي الإسرائيلي، وقد قامت "إسرائيل" منذ احتلالها للمدينة المقدسة في العام 1967، بإجراء تغييرات في الوضع الديمغرافي للمدينة، إضافة إلى إعلان القدس عاصمة لها في العام 1980 بموجب قانون أساس سنّه الكنيست الإسرائيلي.
وبالرغم من مخالفة هذه الإجراءات للقانون الدولي والقانون الدولي الإنساني وعدم الاعتراف الدولي بهذا الإجراء، إلا أن محاولات دولة الاحتلال ومؤيديها في الولايات المتحدة استمرت لشرعنة هذه الإجراءات من خلال وسائل متنوعة، من بينها الضغط لنقل السفارة الأميركية إلى القدس، تنفيذًا لقرار الكونغرس الأميركي الصادر في العام 1990، ولقانون نقل السفارة الأميركية المقر من الأخير في العام 1995، بعد أربعة أسابيع فقط من توقيع اتفاق أوسلو 2 (طابا) في البيت الأبيض، الذي ينصّ على نقل السفارة حتى العام 1999، أو متى يحين الوقت لذلك.
ومنذ صدور قانون نقل السفارة أرجأ رؤساء الولايات المتحدة المتعاقبون نقل السفارة إلى القدس المحتلة، بموجب القانون الذي يعطي الرئيس صلاحية التأجيل لمدة ستة أشهر، رغم أن بعضهم قطع وعودًا في حملاتهم الانتخابية بتنفيذ هذه الخطوة. غير أن وعود ترامب وبعض مستشاريه خلال الحملة الانتخابية تبدو جدية هذه المرة.
نقلت وسائل الإعلام الإسرائيلية أنباء عن تلقي رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، ورئيس جهاز الموساد يوسي كوهين، تأكيدات من مستشاري ترامب حول عزمه على نقل السفارة، فضلًا عن اعتراف إدارته بالقدس عاصمة أبدية لإسرائيل.
السؤال المطروح: هل ينفذ ترامب وعده بنقل السفارة أم لا؟ يمكن الإشارة في هذا السياق إلى سيناريوهين رئيسيين يحكمان هذا الأمر على النحو الآتي:
السيناريو الأول: عدم نقل السفارة
يستند هذا السيناريو إلى السوابق الانتخابية الأميركية، حيث كان هذا التهديد شعارًا مرفوعًا في الحملات الانتخاباية، وسرعان ما يتم التراجع عنه، وتأجيل خطوة النقل بقرار من الرئيس حرصًا على الأمن القومي والمصالح الأميركية، وانسجامًا مع مواقف الولايات المتحدة المعلنة بأن وضع القدس "الشرقية" النهائي يتحدد من خلال التسوية النهائية.
ولعل ما يعزز هذا السيناريو ما صرح به وزير الدفاع الأميركي الجديد الجنرال المتقاعد جيمس ماتيس، الذي اعتبر أن "عاصمة إسرائيل" هي تل أبيب، سب قوله، إضافة الى أن وزير الخارجية الجديد ريكس تيلرسون لم يؤيد أو يعارض الموضوع. كما بررت بريطانيا عدم توقعيها على بيان مؤتمر باريس الأخير، بحجة أن ترامب وعدها ببحث كل الخطوات التي ينوي القيام بها معها قبل الإقدام عليها.
يبقى هذا السيناريو مرهونًا بعوامل تتعلق بمدى فعالية ردود الأفعال الفلسطينية والعربية والإسلامية، ومواقف دول الاتحاد الأوروبي وروسيا والصين وغيرها، إضافة إلى الأصوات داخل الولايات المتحدة ذاتها، التي تحذر من مخاطر الإقدام على مثل هذه الخطوة.
السيناريو الثاني: النقل الفوري أو التدريجي للسفارة
يستند هذا السيناريو إلى احتمال تنفيذ ترامب تعهده بنقل السفارة في انقلاب واضح على السياسية الخارجية التقليدية للإدارات الأميركية المتعاقبة، سواء كانت جمهورية أم ديمقراطية. وهذا السيناريو هو الأكثر ترجيحًا استنادًا للمؤشرات الآتية:
· تصريحات ترامب نفسه قبل يوم واحد من تنصيبه لصحيفة "إسرائيل اليوم" في 19 كانون الثاني/يناير، حيث قال فيها: "لم أنسَ تعهدي بنقل السفارة الأميركية من تل أبيب إلى القدس. بالتأكيد أنا أتذكر ما قلته حيال القدس، فأنا شخص معروف بأنني لا أخل بتعهداتي"، إضافة إلى تصريحاته السابقة المؤيدة لإسرائيل والمناهضة للمسلمين والعرب والفلسطينيين، وتأكيده لنتنياهو خلال اجتماعه في نيويورك خلال شهر أيلول 2016، عزمه على تننفيذ وعده بنقل السفارة.
· ترشيحات ترامب لكبار مساعديه وموظفي البيت الأبيض والإدارة الجديدة والأمم المتحدة من التيارات اليمينية المؤيدة لإسرائيل، واختياره للمحامي اليهودي ديفيد فريدمان، الذي يعد من أكبر أصدقاء إسرائيل ليكون سفيرًا للولايات المتحدة في "إسرائيل".
· إدانة ترامب بعد فوزه في الانتخابات تراجع الرؤساء الأميركيين السابقين عن وعودهم خوفًا من المسلمين أو إرضاءً للرأي العام العربي، ودعوته إلى حجب مساهمة واشنطن فى ميزانية الأمم المتحدة، وتهديده بعد قرار مجلس الأمن رقم 2334، الذي أدان الاستيطان، بأن الأمور ستتغير بعد 20 يناير/ كانون الثاني.
· إعلان السيناتور الجمهوري عن ولاية تكساس تيد كروز، عزمه تقديم مشروع قانون للكونغرس بشأن الاعتراف بالقدس الموحدة "عاصمة أبدية" لإسرائيل. ويتضمن المشروع نصًا يقضي بتأجيل إقرار موازنة وزارة الخارجية الأميركية من قبل الكونغرس، إلى حين القيام بخطوة نقل السفارة.
· إرسال ترامب فريقًا للتعرف إلى المناطق الأنسب بمدينة القدس المحتلة التي يمكن أن تصبح مقرًّا للسفارة، إضافة إلى إشارات صدرت عن مقربين منه بأن القنصلية الأميركية فى القدس ستكون مقرًا للسفارة بشكل مؤقت إلى حين بناء مقر جديد للسفارة.
· ورود معلومات حول نية ترامب نقل السفارة حال توليه الرئاسة، حسب ما صرح به وزير القدس في السلطة الفلسطينية عدنان الحسيني، وما أكدته مستشارة الأمن القومي الأميركية، سوزان رايس، لمستشاري الرئيس عباس، بأنه يجب أخذ تصريحات ترامب بمنتهى الجدية. إضافة إلى تأكيد جيسون ميلر، المتحدث باسم ترامب، التزام ترامب بشدة بنقل السفارة، لكنه قال: إنه "من المبكر" إعلان جدول زمني لمثل هذه الخطوة.
يأخذ هذا السيناريو بعين الاعتبار إمكانية اللجوء الفوري إلى نقل السفارة وطاقمها بالكامل إلى القدس، أو تفادي ردود الأفعال الغاضبة، من خلال الإقدام على خطوات تموّه نوايا النقل الحقيقية أو خطوات تدريجية على طريق نقل السفارة وطاقمها بالكامل في محاولة للتخفيف من ردود الأفعال. ويشمل ذلك إمكانية إبقاء موقع السفارة في تل أبيب، مع نقل عمل السفير إلى غربي القدس، انطلاقًا من وجود إقرار دولي وعربي، وفلسطيني إلى حد بعيد، بسيادة دولة الاحتلال على الشطر الغربي من المدينة، أو نقل عمل السفير إلى مقر القنصلية القائم على الخط الفاصل بين شطري المدينة الشرقي والغربي، أو ربما الإعلان عن الشروع في بناء مبنى جديد للسفارة بالقدس، بحيث يتم إرجاء النقل إلى حين الانتهاء من هذه العملية.
وقد يشمل هذا السيناريو إمكانية نقل السفارة دون إعلان الاعتراف رسميًا بالقدس عاصمة موحدة لـ"إسرائيل"، أو العكس، مع إعلان الالتزام بنقل السفارة في الوقت المناسب، لا سيما أن بعض المصادر الإسرائيلية تشير إلى احتمال إرجاء قرار النقل إلى حزيران/يونيو القادم كهدية لإسرائيل بالتزامن مع احتفالاتها بمرور 50 عامًا على احتلال "توحيد" المدينة.
في نهاية المطاف، يعني أي من هذه الاحتمالات نقل السفارة فورًا، أو على مراحل تدريجية، بما يبقي ملف النقل مفتوحًا على كل الاحتمالات. ويبدو سيناريو النقل الفوري أو المموّه والتدريجي هو الأكثر ترجيحًا، وهذا ما ينبغي التنبه إليه والعمل على مواجهته.
تداعيات نقل السفارة
بناء على ما سبق، يمكن تلخيص تداعيات نقل السفارة بما يأتي:
· تُشكّل هذه الخطوة حال إتمامها خرقًا فاضحًا لمبادئ الشرعية الدولية والقانون الدولي الإنساني ولكافة القرارات الدولية ذات الصلة بالقضية الفلسطينية منذ نشأتها، وخاصة قرارات مجلس الأمن والجمعية العمومية بشأن مدينة القدس، واعترافًا من أميركا بسيادة دولة الاحتلال على المدينة المقدسة بشطريها؛ مما سينسف حل الدولتين، ويزيد من قلق أوساط عربية ودولية من تزايد التطرف في المنطقة. وهذا يعني أيضًا أن الولايات المتحدة لم يعد بمقدورها القيام بدور الراعي والوسيط في عملية التفاوض، وهو ما سيقود حتمًا إلى إغلاق باب التسوية والتفاوض، والذهاب إلى البديل الآخر وهو المواجهة والعنف.
· تعزيز موقف نتنياهو وحكومته المتطرفة المتعنت تجاه حقوق الفلسطينيين، وتمكينه من مواصلة الادعاء بأن استمرار الاحتلال وتوسيع المستوطنات لا يشكل عائقًا أمام استئناف المفاوضات وتحقيق إنجازات سياسية، إضافة إلى مساعدة الاحتلال على إقناع دول أخرى على الاعتراف بالمدينة كعاصمة لدولة الاحتلال، ونقل سفاراتها إلى القدس، ومحاولة شرعنة مخططات وانتهاكات الاحتلال في المدينة.
· تراجع علاقات الولايات المتحدة مع بعض الدول العربية والإسلامية، وبخاصة الأردن ومصر، اللتين ترتبطان بمعاهدات سلام مع دولة الاحتلال، وإضعاف الدور الأميركي في الأمم المتحدة، وقدرتها على استئناف العملية السياسية، إضافة إلى إضعاف الجهود الدولية لمحاربة الإرهاب بسبب إصرار الولايات المتحدة على اتباع المعايير المزدوجة في حل النزاعات في العالم.
· مخاطر إثارة الغضب الشعبي والعنف في العالمين العربي والإسلامي المعارض لنقل السفارة، وربما تهديد المصالح الأميركية، وهذا ما حذرت منه مجلة "فورين بوليسي" الأميركية واصفة تلك الفكرة بأنها مروعة لإسرائيل وفلسطين وللشرق الأوسط، وتشكل خطأ هائلًا، ليس فقط للفلسطينيين، ولكن لسمعة أميركا وموقفها الديبلوماسي، وأيضًا للأمن القومي الإسرائيلي. ردود الأفعال الراهنة والمتوقّعة
في خطوة استباقية، وجّه الرئيس محمود عباس رسالة إلى ترامب حذّر فيها من مخاطر نقل السفارة على عملية السلام، وخيار "حل الدولتين"، وأمن واستقرار المنطقة، مطالبًا إياه بعدم نقل السفارة. كما بعث الرئيس رسائل عدة إلى رؤساء الدول والمنظمات الدولية، دعا فيها إلى العمل على منع هذه الخطوة.
أما صائب عريقات، رئيس دائرة شؤون المفاوضات، فقد صرح بأنه سيقدم استقالته على الفور من منصبه، إضافة إلى التلويح بسحب الاعتراف بإسرائيل، فيما لوّح سفير فلسطين لدى الأمم المتحدة رياض منصور، بتفعيل كل الأسلحة القانونية والديبلوماسية، مثل تقديم طلب للحصول على العضوية الكاملة في الأمم المتحدة، وعقد جلسات طارئة لمجلس الأمن، وتفعيل قرار محكمة العدل الدولية بشأن الجدار الفاصل والمستوطنات.
وركزت ردود أفعال القوى السياسية الفلسطينية على الإدانة واعتبار القدس خطًا أحمر، والتحذير من أن نقل السفارة بمثابة إعلان حرب، مطالبة الدول العربية والإسلامية بطرد كافة السفراء الأميركيين. كما طالب العديد من القوى باتخاذ خطوات سياسية ضد "إسرائيل"، كإنهاء التنسيق الأمني، والتراجع عن الاعتراف بإسرائيل، أو حل السلطة والعودة إلى المقاومة بكل صورها.
وعلى مستوى الدول العربية والإسلامية، حذّر الأمين العام لجامعة الدول العربية أحمد أبو الغيط من خطورة نقل السفارة إلى القدس، وما يمكن أن تؤدي إليه تلك الخطوة من تأثيرات سلبية على مستقبل التسوية للقضية الفلسطينية، وما قد تستدعيه من تعزيز لخطاب الإرهاب والتطرف والعنف. وكذلك فعل أمين عام منظمة التعاون الإسلامي يوسف بن أحمد العثيمين، الذي عبر عن قلق من توجه ترامب لنقل سفارة، وأكد أن ذلك يتناقض مع مبادئ القانون الدولي وقرارات مجلس الأمن الدولي، محذرًا من تبعات هذه الخطوة وتداعياتها الخطيرة على المستويات كافة.
أما فيما يتعلق بموقف الاتحاد الأوروبي، فقد أشار وزير الخارجية الفرنسي في كلمته الافتتاحية لمؤتمر باريس للسلام، بتاريخ 15 كانون الثاني/يناير، إلى أن "مقترح الرئيس الأميركي ترامب لنقل السفارة الأميركية إلى القدس استفزازي وله عواقب جدية". وهذا ما أكده وزراء خارجية دول الاتحاد الأوروبي، في اجتماعهم الأخير في بركسل، فحذّروا من مغبة تصعيد التوترات مع العالم العربي. فيما وصف جون كيري، وزير الخارجية في إدارة أوباما، قرار نقل السفارة بأنها فكرة "غير بنّاءة"، ويمكن أن تعرض حياة العديد من الأميركيين العاملين خارج البلاد للأذى، كما حذرت الاستخبارات الأميركية من اندلاع موجة انتفاضية ضد الولايات المتحدة وإسرائيل.
خلاصة القول: تشير ردود الأفعال الراهنة إلى وجود إجماع فلسطيني وعربي وعالمي معارض لخطوة النقل ومحذر من تداعياتها، مع أن الصورة قد تبدو على المستوى العملي المتوقع حال تنفيذ قرار النقل محبطة، خصوصًا من بعض الدول العربية والإسلامية التي قد لا تلجأ في الغالب إلى أي إجراء عملي إذا تم نقل السفارة، لسبب جوهري هو أن تلك الدول تبدو حريصة على استرضاء الرئيس الجديد إلى حين اتضاح معالم سياسته الخارجية، ناهيك عن تراجع مكانة القضية الفلسطينية عربيًا، وانشغال الأنظمة العربية بمشكلاتها الداخلية، إضافة إلى تهديدات ترامب بفرض مزيد من الأعباء المالية على دول الخليج مقابل دور الولايات المتحدة في حمايتها والدفاع عنها.
من جهة أخرى، قد تختلف الصورة على المستوى الشعبي الفلسطيني، لا سيما أن محاولة المساس بالقدس والمقدسات كانت المحرك للانتفاضتين الأولى والثانية، وللموجة الانتفاضية الأخيرة، ومن شأن تطور أشكال الرفض والحراك الشعبي الفلسطيني دفاعًا عن القدس ورفضًا للسياستين الإسرائيلية والأميركية أن يؤثر على طبيعة ردود الأفعال ومستويات التضامن على المستويات الشعبية في العديد من البلدان العربية والإسلامية، بما تنطوي عليه من تهديد للمصالح الأميركية.
ويضاف إلى ما سبق، الموقف المسيحي والفاتيكاني القاضي برفض السيطرة الإسرائيلية على القدس وكنائسها، وتنامي تأييد الرأي العام العالمي للحق الفلسطيني، في ظل استمرار تعنت إسرائيل وتطرفها وعنصريتها، وكذلك وجود أصوات وقوى معارضة حتى داخل الولايات المتحدة نفسها. وبالتالي، فإن الطريق أمام ترامب ليست سالكة، تبعًا لحجم وتأثير الردود المحتملة التي يمكن لتناميها واتساعها أن تفرض عليه التراجع ولو إلى حين.
توصيات
أيًا تكن السيناريوهات المحتملة في حالة اتخاذ ترامب قرارًا بنقل السفارة بشكل كامل فوري أو بالتدريج، فإن على الفلسطينيين الاستعداد لمواجهة أوضاع جديدة نابعة من تغييرات جدية في سياسة الإدارة الأميركية الجديدة حيال مكانة القدس والاستيطان وأسس العملية السياسية وحل الصراع. وربما يكون تنفيذ قرار نقل السفارة الخطوة الأولى والأكثر دراماتيكية في مسار هذه التغييرات، الأمر الذي يحتم تكاتف الجهود والرهان أولًا على الشعب الفلسطيني وقواه المختلفة، وعدم الاكتفاء بالتصريحات النارية والتهديدات الجوفاء، وقيادة تحرك وطني وإقليمي ودولي لمنع نقل السفارة، أو للرد العملي في حال نقلها باستخدام كل الأدوات المتاحة، بما يشمل:
· إعادة تشكيل اللجنة الوطنية لمواجهة نقل السفارة، بحيث تكون مرجعيتها منظمة التحرير، وتضم مختلف الأطياف من الوطن والشتات، على أن تضع خطة عمل على مختلف المستويات، وبما يشمل ليس فقط موضوع الاعتراف بالقدس عاصمة لدولة الاحتلال ونقل السفارة، بل مواجهة أي تغيير سلبي آخر في السياسة الأميركية، مثل التغطية على الاستيطان، أو الضغط لاستئناف المفاوضات المباشرة.
· تفعيل الرد الشعبي والمقاومة ضد خطوة نقل السفارة من خلال المظاهرات الواسعة في كافة الأراضي الفلسطينية، والمواجهات على الحواجز، والتلويح بإمكانية اندلاع انتفاضة جديدة، بما يساعد على توليد ردود فعل عربية ودولية واسعة يمكن أن تجبر الحكومة الإسرائيلية ذاتها على أن تنصح ترامب بالتراجع عن تنفيذ الفكرة أو تأجيلها.
· وقف مسار المفاوضات تحت رعاية أميركية، وإنهاء التنسيق الأمني، وسحب الاعتراف بدولة الاحتلال، الأمر الذي يتطلب إعادة النظر بشكل تدريجي في الاتفاقات والالتزامات السياسية والاقتصادية والأمنية مع إسرائيل، فكيف يمكن سحب الاعتراف وبقاء الالتزام بالاتفاقات الموقعة، إضافة إلى توقيع المزيد منها مثل اتفاقية المياه الأخيرة، واستمرار وتعميق التنسيق الأمني، وهو ما ينسجم مع قرارات المجلس المركزي بشأن إعادة تحديد العلاقة مع دولة الاحتلال، فضلًا عن وضع خطة لدعم صمود أهالي ومؤسسات القدس وتشكيل مرجعية وطنية موحدة في المدينة.
· تفعيل خيار الآليات الدولية، بما يشمل تفعيل القرارات الدولية ذات الصلة والعمل على دعم مشروع قرار جديد لمجلس الأمن لإظهار عزلة الموقف الأميركي، أو الجمعية العامة، حيث يمكن الحصول على قرار بإدانة نقل السفارة باعتباره مخالفًا لكافة قرارات الشرعية الدولية والقانون الدولي الإنساني، والعمل على إصدار قرار بمقاطعة إسرائيل لعدم التزامها بقرارات الأمم المتحدة، لا سيما القرار الأخير المطالب بوقف الاستيطان، إضافة إلى تعميق تدويل الصراع مع الاحتلال ضمن إستراتيجية سياسية ونضالية شاملة.
· قيادة تحركات دولية وعربية سياسية وديبلوماسية وقانونية لمنع هذا التوجه ومواجهته، بما يشمل دعوة جامعة الدول العربية ومنظمة المؤتمر الإسلامي لاجتماعات عاجلة واستثنائية لبلورة موقف عربي موحد بشأن التغييرات المحتملة في السياسة الخارجية الأميركية حيال قضايا المنطقة، وفي قلبها القضية الفلسطينية.
· تنسيق المواقف مع كل من روسيا والصين والاتحاد الأوروبي ودول أميركا اللاتينية والدول العربية والأفريقية والإسلامية لمنع تنفيذ قرار نقل السفارة، والاتفاق على خطوات عملية للرد الفعال في حال اتخاد القرار.
· تفعيل دور الشتات في الفعاليات والتحركات المناهضة لأي تغيير سلبي جديد في السياسة الأميركية، بما في ذلك حشد التأييد ضد قرار نقل السفارة، وتوسيع حملة المقاطعة، وتفعيل دور حركات التضامن ومنظمات المجتمع المدني في العالم لضمان ممارسة الضغط على حكوماتها لإثناء الإدارة الأميركية الجديدة عن توجهاتها المنحازة للاحتلال، وخاصة نقل السفارة، إضافة إلى منع دول أخرى من نقل سفاراتها إلى القدس.
· إنهاء الانقسام، وتشكيل حكومة وحدة وطنية، وإعادة توحيد وبناء مؤسسات النظام السياسي، وتفعيل مؤسسات منظمة التحرير، والاتفاق على خطة سياسية لمواجهة التحديات.