في هذه الجبال وعلى طرفي "واد الشاعر"، امتدادًا للعين في خربة قيس بين جبال رام الله وسلفيت في الخامس عشر من شهر اب في العام 2005، دارت معركة راقبتها عيون فتية من على ظهر مسجدهم في قرية مقابلة.
طائرة أباتشي، وقوات خاصة، وضباط مخابرات، وقادة مناطق وألوية، وآليات مدرعة، في مقابل سامر دواهقة، ومحمد عياش ومحمد الراعي، مقاتلين من كتائب القسام لم يتعبوا من الحياة في الكهوف، لسنوات ظلّوا ينصبون الكمائن، ويعبثون بترتيبات ضباط "بيت ايل" ومهندسي خارطة الطريق، كل ذلك كفعل يوميّ، ومستمرّ.
يتوقف الزمن في عيون الثلاثة شهداء، والزمن محكوم بإرادة الشهداء أصلًا، وتحت "سروات" مغروسة في أرض صلبة، ربما كانوا يصنعون الشاي أو يخططون لاشتباك جديد، قبل أن تنهمر عليهم صواريخ ورشقات من سلاح أوتوماتيكيّ، فاستشهد محمد مرعي على الفور، ولم يتأخر محمد عياش عن اللحاق به، حيث تم تصفيته من قبل قوات الاحتلال داخل سيارة الإسعاف.
قرب عين عادل في قريته خربة قيس، فتح سامر دواهقة جبهة قتال لوحده بعد استشهاد رفيقيه، من الثالثة ظهرًا إلى الثامنة مساءً، طلقات من سلاح رشاش يقابلها صاروخ أو قذيفة، ثم يصمت الجسد المثخن بالجراح لحظات، ثم يعود الاشتباك حتى فرغت مخازن الرصاص، واستشهد سامر دون أن يبقي رصاصةً تعاتبه، ولا شيء يفسّر أنواره التي اندلقت هنا، سوى أنّك يا سامر بحجم زمن من قيامة.
في خلفية المشهد وفي العام 2004 في عيد الفطر، بينما كان سامر ينزل من بيت شقيقته، داهمته قوة من "المستعربين". لحظات وكانت القوة بين جريح وقتيل... انسحب بكل سكون كما اعتاد أن يفعل في كلِّ كمين، يترك لرشاشه القرار وبقع من الدم تملأ الأرض والأفق.
بعد استشهاد سامر؛ أحضرت قوة الاحتلال والده للتعرُّف عليه، فوجدوه مُطرّزًا بالرصاص، وقد تحوّل لحقل من الشظايا، ولكنّه لم يُسقط السلاح، ظل يحتضنه حتى آخر نفس.
"من لا يتجوَّلُ في بلاده فلا عقل لديه في قدميه"، بتعبير الأستاذ إسماعيل أبو شميس، وهذه البلاد لها اسمان أو رسمان أو روايتان، ومن تحت ظلِّ هذه الجبال، كانت تُرسم رواياتٌ أريد لها أن تُنسى.
سامر، ومحمد، وعيّاش، وكلّ فرسان القافلة على امتداد القلب، لا أحد مثلكم ولا أفول لشمسكم.