بعد انقضاء موسم الانتخابات الطلابية في الضفة الغربية؛لا شكّ أن الكتلة الإسلامية ستكون بحاجة لتقييم الأوضاع السابقة وتجربتها في مرحلة ما بعد الحظر، مراجعة وتصويبا، مع دراسة للعوامل الذاتية والموضوعية التي أفرزت النتائج الأخيرة.
هناك من تصوّر أن الكتلة الإسلامية بمجرد عودتها إلى ميدان العمل الطلابي بعد سنوات من التغييب والإقصاء سيكون بإمكانها أن تحرز الفوز أو أن تبدأ من النقطة التي كانت قد انتهت عندها، والتي سبقتها مراحل مشرقة للغاية كانت فيها الكتلة الإسلامية صاحبة الريادة داخل الجامعات، إن على صعيد بصمات العمل والإنجاز، أو على صعيد أثر مقاومة شبابها على بقاء منسوب شعبيتها مرتفعاً ومتقدّما.
غير أن الواقع الجامعي في ظلّ غياب الكتلة من جهة، وواقع الضفة بشكل عام وقد تبخّرت منها أو كادت ثقافة المقاومة مع تجلياتها المعنوية المختلفة؛ هذان الواقعان ينبغي وضعهما بعين الاعتبار عند النظر في النتائج الأخيرة. وليس لأحد أن يتوقع أن يظلّ الإرث العظيم للكتلة الإسلامية حاضراً في أذهان الطلبة في ظل غيابها أو إقصائها، ولا أن يؤدي استهداف الاحتلال لعناصرها إلى جلب تأييد معنوي كبير لها في وقت تراجعت فيه قيمة التضحية داخلالمجتمع، وغابت إفرازات المقاومة على الوعي العام.
من جهة أخرى، من الطبيعي أن تكون توقّعات تقدّم الكتلة متواضعة عندما يغيب تنظيم حماس في الضفة، والمظاهر الميدانية من حين لآخر التي تشي بحضور الحركة لا تقول كلّ الحقيقة، لأن الحضور الحالي في الميدان إنما يعتمد على وجود حماس كتيار متجذّر له امتدادت شعبية، وليس على وجودها كتنظيم، فمنذ عام 2006 والاحتلال يجتهد فيالملاحقة المباشرة والفورية لكل بوادر تشكيل أي جسد تنظيمي لحماس في الضفة، تماماً كما أن السلطة والأجهزة الأمنية ما زالت عملياً تعامل حماس كتنظيممحظور، بدليل أنها تبادر لتجفيف جميع منابعها وخصوصاًالمالية، حتى لو كانت مخصصات للأسرى أو عائلاتالشهداء.. أما الحرية النسبية التي تتمتع بها الكتلة داخل الجامعات فمردّها سلسلة الاعتصامات الجماعية المفتوحة التي نفّذها طلاب الكتلة في جامعتي بيرزيت والخليل وغيرهما إلى أن انتزعوا تعهّدا بوقف الملاحقة على خلفية النشاطات النقابية داخل الجامعات.
بمعنى أن الكتلة الإسلامية لا تستند في عملها إلى تنظيم حماس (غير الموجود) ولا تحظى بدعمه، بل يتركّز عملها على مبادرة من شبابها داخل الجامعات، وفي كثير من الأحيان يجري تمويل بعض الأنشطة من جيوبهم الخاصة وتبرّعات مناصريهم! وهو ما يغاير واقع كتلة طلابية كحركة الشبيبة يتجنّد لدعمها تنظيم فتح على مستوى الضفة إضافة إلى الأجهزة الأمنية.
ورغم صعوبة هذا الواقع إلا أنه ينبغي ألّا يُحيل الكتلة الإسلامية عن ضرورة أن تظل حاضرة في الميدان؛ تعمل وتنافس وتخدم الطالب وتريه صورة مشرقة عن نفسها،ليتعرف الطالب عليها عن قرب بعيداً عن التشويه، وليلمس بصماتها في مختلف الميادين، وهنا لا بدّ من الإشارة إلىأن ما يلزم في هذه المرحلة الكثير من العمل النقابي والنشاط الوطني العام، والقليل من التنظير السياسي، ولا ينبغي أن يظلّ الخلاف السياسي غالباً على النفَس الطلابي داخل الجامعات، كما أن هناك ضرورة لأن تقدم الكتلة الإسلامية رؤية وحدوية، تبين أن جميع الكتل ورغم كل التباينات تستطيع التوافق والتوحد على قاعدة القضايا المجمع عليها والتي ينبغي أن يكون الشباب أصحاب الريادة فيها مثل الأسرى والقدس والاستيطان ونحو ذلك،لأن هذه المرحلة تتطلب جهودا شبابية موحدة للارتقاء بواقع العمل الجامعي للحركة الطلابية بشكل عام، والعمل الميداني المشترك يقرب بين الجميع ويخفف من التوتر والتباينات التي تظهر بحدّة بالغة في مواسم الانتخابات،فليس مطلوباً من جمهور الطلبة أن يكونوا ناطقين باسمفصائلهم، بل أن يلتفتوا أولاً لما هو مطلوب منهم كحركة طلابية إن على صعيد العمل النقابي، أو النشاط الوطني العام.
وبالنسبة للكتلة الإسلامية؛ فحين يظهر قدر تمايزها من خلال نشاطها، ستبدأ بحصد الإنجازات، حتى وإن كان الواقع في غير صالحها، وحتى مع الترهيب الأمني وملاحقة الاحتلال، أما الغياب والجمود واختلال الأولويات،في ظل واقع محارِب لها، فلا يمكن أن يكون لصالحها،حتى وإن كانت حماس كحركة تحقّق إنجازات ملموسة على صعيد المقاومة، كصفقة وفاء الأحرار وحرب حجارة السجيل!