القدس – خاص قدس الإخبارية: خلفه مباشرة أصبحا بعد أن لاحقاه بهدوء في إحدى أزقة بلدة القدس القديمة، نكزا بعضهما، عدا للثلاثة وهجما لينفذا عمليتهما الفدائية، ثم بذات الحذر انسحبا من المكان.
مساء ٣٠ كانون ثاني ٢٠١٦، التقط منذر أبو ميالة (١٦ عاما)، ومحمد طه (١٥ عاما)، الصورة الأخيرة على درجات باب العامود، قبل أن ينفذا عملية طعن فدائية نجحا بعدها بالعودة إلى منازليهما، لتبدأ قوات الاحتلال بالبحث عنهما ونشر صورتهما كمطلوبين.
"سريعا انتشر الخبر، وبدأت مخابرات الاحتلال بالاتصال علينا وتهديدنا بضرورة تسليم منذر ما أن يصل المنزل"، تقول ريهام والدة الأسير منذر أبو ميالة لـ "
قدس الإخبارية".
ساعات قليلة مرت ثقيلة على ريهام وهي تنتظر عودة منذر للمنزل الكائن في مخيم شعفاط، ليطرق منذر الباب ويركض لحضنها، "كان وجهه أصفرًا، ولم ينطق بأي كلمة (..) وتحت تهديدات مخابرات الاحتلال ذهب زوجي لتسليمه لشرطة الاحتلال، إلا أنهم نصبوا له كمينًا بالطريق واعتقلوه فورا".
فيما مرت ساعات طويلة على حنان طه، وطفلها محمد (١٥ عاما) لم يعد للمنزل بعد، فغابت الشمس، وشرقت مجددا ومحمد خائف من العودة إلى المنزل والوقوع في فخ قوات الاحتلال، "صباح اليوم التالي جاء محمد إلى البيت، ركض صوبي وبدأ بتقبيلي وطلب مني مسامحته، جلسنا معه قليلا(..) فيما اتصالات الاحتلال لم تتوقف مُطالبنا بتسليمه"، تقول حنان لـ "
قدس الإخبارية".
إلى حاجز الاحتلال القريب من مخيم شعفاط توجهت حنان لتسليم طفلها، "سحبوه من بين يدي بالقوة، وأخبرني فيما بعد أنهم انهالوا عليه بالضرب المبرح حتى وصل مركز التحقيق".
وتؤكد حنان على أن نجلها محمد تعرض لتحقيق قاس تخلله ضرب وتعذيب، "يرفض محمد إخباري بتفاصيل ما تعرض له، وقال لي أنني لن أتحمل ما سيقوله"، فيما علمت حنان أن باحثة اجتماعية من إحدى المؤسسات الإسرائيلية زارت محمد وجمعت أقواله عما تعرض له، دون أن تكشف للعائلة أية معلومات.
في السابع من تشرين ثاني، أصدرت محاكم الاحتلال حكما بالسجن ١١ عاما ودفع غرامة مالية بقيمة ٥٠ ألف شيقل بحق الفتيين محمد طه ومنذر أبو ميالة، وقد أدانهما الاحتلال بتنفيذ عملية طعن فدائية.
"كان دائما يضحك منذر عندما نلتقي في قاعة المحكمة، إلا أنه في جلسة النطق بالحكم كان متفاجئ جدا ومصدوم، ووجه مصفر.. لم يكن على طبيعته أبدا ولم يع ما يدور حوله"، تقول ريهام والتي منحها الاحتلال تصريح لزيارة نجلها، ثم عاود وسحبه منها ومنعها من زيارته.
فيما تقول والدة محمد لـ "
قدس الإخبارية"، "توقعت إذا المحكمة أصرت على إصدار حكم، فلن يتجاوز الحكم 6 سنوات، إلا أن حكمهم ١١ عاما كان كارثة (..) الحكم جائر وظالم على قاصرين وأطفال"، فيما خرج محمد وهو يصرخ من المحكمة ويقول، "الله أكبر.. الله أكبر".
محمد آخر العنقود في أسرته، وسكرها كما توصفه العائلة، اتجه للتعليم الصناعي في إحدى مدارس القدس، وما أن اشتدت الانتفاضة حتى قررت والدته نقله إلى مدرسة المخيم مرة أخرى، خوفا عليه.
فيما كان منذر سندا لعائلته وخاصة أنه الأكبر بين أشقائه، فبعد مدرسته يتوجه إلى العمل في ملحمة قريبة ليساعد والده المريض الذي حرمه الاحتلال من الضامن الطبي والاجتماعي بعد تنفيذ نجله العملية، كعقاب على العائلة، وخاصة أن الاحتلال يلاحق العائلة ويطلبها بدفع غرامة مالية قيمتها ٢٠٠ ألف شيقل، بحجة البناء دون ترخيص.
محبوبا، اجتماعيا، مسؤولا كان منذر، تقول والدته لـ "
قدس الإخبارية"، "الكل يعرف منذر ويحبه، له أصدقاء كثر لا يتوقفون عن الاتصال والسؤال عنه"، لتمر الأيام وأم منذر وأشقائه لم يعتادوا غيابه بعد. "أشعر بالوحدة لبعده عني، كان الأقرب لقلبي.. كان كل شيء في حياتي، بعده عني يؤلمني كثيرا" تقول والدة منذر.
أما أم محمد، فتكتم ألم الاشتياق لطفلها في صدرها، لكويها ويتحول إلى آلام وأمراض، كيف لا وكان محمد يدها اليمنى، يؤدي عنها كافة المهام، يساعدها بكل شيء، ويلبي نداءاتها، "من القهر عليه، أمرض كثيرا كل عدة أيام حتى يصل بي الحال أن أدخل المشفى".
وتضيف لـ "
قدس الإخبارية"، "ما أن حاولت التأقلم مع اعتقال محمد وبعده عني، حتى صدر الحكم بحقه وكسر ظهري (..) لا أعلم كيف ستمر علي هذه السنوات، هل سأبقى على قيد الحياة وأراه قد تحرر أم سأموت قبل ذلك؟"
فيما تعلق والدة منذر، "أصعب يوم مر علينا، كان يوم العيد، ما عدنا نشعر بأي فرحة، وكيف أشعر بفرحة وأنا فقدت ابني (..) استفقده في كل لحظة تمر علي، البيت فارغ بدونه"، مبينة أنها ما زالت تشتري له كلما اشترت شيء لأشقائه وإن لم تستطع إدخالها إليه.
دمعة أم محمد لا تجف على طفلها الذي لم تتوقع يوما أن يبعد من أمام ناظريها، "استفقده في كل لحظة، كلما ذهبت لأنام ولا أطمئن عليه وهو في غرفته.. عندما نأكل وعندما نشرب وفي كل لحظة تمر علينا.. نشتاق محمد ونشعر بغيابه".
قبل اعتقال نجلها، كانت تحضر حنان للذهاب إلى مكة المكرمة برفقة طفلها، "اتفقنا أن نذهب ونؤدي العمرة سويا، إلا أنه اعتقل قبل أن نسافر معا كما خططنا".
منذر ومحمد ما إن كانا يسمعان باقتحام قوات الاحتلال للمخيم حتى يخرجا ليتصديا وشبان المخيم بحجارتهم، فيما كان استشهاد صديقهم محمد علي في ١٠ تشرين ثاني ٢٠١٥بعد تنفيذ عملية طعن فدائية جرح بها ثلاثة جنود من جيش الاحتلال.