شبكة قدس الإخبارية

الدم ينهي سُكر السياسة

رولا حسنين
لماذا يا سيدي باغتني في الرحيل، ولم تودّع قلبي الباكي عليك، لماذا هنتُ عليكَ ورحلتَ كما رحل سادتي الشهداء من قبلك، كنتُ أسمع صوتكَ عالياً الى أن خبى، ولم أكن من الساقطين الذين قلت فيهم يوماً "صوت الشهداء لا يسمعه الساقطون" وكلنا ندرك ماذا كنتَ تعني. لا أنعاكَ يا أخي، برغم صغر عمري وعظيم شأنك اليوم، ولا عزاء في موتك ما دامت الرصاصة التي اغتالتك وأنت تقاوم كانت تعرف أنها غادرة، ورغم ذلك قتلتك، فالغدر يا أخي الشهيد، هي صفة الاحتلال وكلنا نعلم، ولكن ماذا عن صفات آخرين من شعبي، قرروا العيش كالنعام والخراف، تحت وطأة المقاومة السلمية، ورنين الشعارات وتحت طاولة المفاوضات. ارحل كما يرحل العظماء، ودعنا نكمل عنك ما بدأت، فوالله ما هنتَ وما هان دمك، وما هان الشهيد الذي سبقكك، ارحل ودع عنك خطابات السياسيين الثورجية، والتي يختتمونها باستحضار النصر كمطلب أسياسي، بعد أن يعظّموا الشهداء، ظناً منهم أنهم الأوفياء وما دروا أنهم "لا يسمعون صوت الشهداء". شقيقي أحمد، أتدري أن الذين ولّيناهم أمرنا هم أكثر غدراً من عدوّنا، أجل، فما معنى أن يمارس السياسييون مقامراتهم السياسية وهم محرومين من أسس الانسانية، أسس لو امتلكوها لكانوا اليوم مودعين لكَ معنا، وليسوا مدججين بسُكْرِ السياسة التي لم يمتلكوا يوماً زمام قوتها رغم عدالة القضية، بل فهموا منها "فاوض ثم فاوض ثم فاوض، وإن لم تُعِد لكَ المفاوضات أرضاً، يكفيك أنها وسدتكَ منصباً". شقيقي الشهيد، رحلت مدافعاً عن عرين أسد الأقصى، الشهيد مصباح أبو صبيح، فالشهيد يا أخي، يثأر للشهيد، وكذا الموكب في بلادي يسير، وواهمُ مَن ظن أن مقامر السياسة سيثأر للشهيد. سادتي الشهداء، قد كان الثوب الذي زيّنكم يوم رحيلكم، وتلك الابتسامة الخالدة على شفاهكم، والصمت الذي ساد وداعكم الا من صوت أمهاتكم وهنّ يقلن لكم "النصر ليس مجاناً، ولكن القلب أضعف من أن يدفع كل هذا الثمن" ما هو الا صوت الوطن الذي يلهو به مَن هُم في السياسة "سُكُر". أيها السياسي الذي تفاوض، اليك رسالة أم شهيد أضناها فراق ولدها "لا تفاوض"، ورسالة أم الجريح التي أشقاها رؤية ابنها يتأوه ألماً كل يوم "لا تفاوض"، ورسالة أم أسير سرق الاحتلال نبض بيتها مكبلاً إياه خلف القضبان، لا فرحة تجمعهم ولا بسمة "لا تفاوض"، ورسالة لاجئة أشقاها اللجوء "لا تفاوض"، ورسالة شهيد أوصاك عبر كتاباته السابقة "لا عاشَ بعزّ مَن على الوطن فاوض". أيها المفاوض، لا تفاوض على دمي ولا أرضي ولا مفتاح بيتي ولا حلم عودتي، ولا صلاتي في محراب قدسي، ولا مخيم لا يعترف بمعاهدات سلامكم، اذا فاوضتَ وسالت قطرة دم شهيد، فاعلم أن الدم ينهي "سُكر السياسة"، ولن تقربوا الشهادة وأنتم سُكُر، إنما يقربها مَن آمن بالمقاومة كحق في استرداد أرضٍ له سُلبت، فلا سُكر السياسة يعيد لنا وطناً مغتصباً، ولا حق شهيد قضى عن الأرض مدافعاً.