شبكة قدس الإخبارية

بــاب البَلـد .. باب السجن

عرفات البرغوثي

منذ عام 2000، أغلق الاحتلال بالحواجز الترابية والاسمنتية مداخل القرى والمناطق الفلسطينية التي تمر بمحاذاة المستوطنات وفي الطرق التي يسلكها مستوطنوه.

بعد سنوات، وعندما بدأت الانتفاضة تخبو وتتراجع حدتها وبعد أن بدأ ما يسمى بمبادرات "حسن النية " أزيلت أكوام الأتربة عن المداخل وأعيد السماح للفلسطينيين بالمرور من الطرق الأولى، ولكن بعض تلك المداخل أقيم عليها بوابات حديدة لتسهيل إغلاقها وفتحها ضمن سياسة العصا والجزرة.

"البوابة فاتحة ولا مسكرة؟" هو السؤال الذي يطرح كل يوم قبل الخروج من قرى بيت ريما والنبي صالح وديرغسانة وقراوة وكفرعين، وكذلك يعاد ذات السؤال عند رحلة العودة لتلك القرى بعد يوم عمل طويل.

البوابة كابوس، فاغلاقها يعني البحث عن طريق آخر أكثر إرهاقًا وطولاً بمسافته ووقته الذي يستغرقه، عدا عن أجرته وتكاليفه الزائدة نسبيًا عن الطريق الأصلي

بوابة البلد ليست كبوابات عكا والقدس ودمشق القديمة وليست مغلقة أو مفتوحة بقرار حراسها، فهي لا حراس عليها، وليس بقرار أو فرمان الوالي، وليست كالطبيعي من البوابات للحماية من متسلل يحيك شرًا بمن يسكن خلفها، كما أن بوابة البلد ليست كبيرة أيضًا ولا مرتفعة ولا حصينة فهي مجرد مكعبين من الاسمنت بينهما فاصل حديدي يقطع الشارع وبالقرب منها برج مراقبة يقطنه جندي أو اثنين فقط.

وفي كثير من الأيام مهجور إلا من كاميرات المراقبة، البوابة ليست حديثة الكترونية وليس عليها قفل متين فيكفيها "دفشة" باليد لتغلق أو تفتح. ولكن كلا الأمرين يحتاج لقرار، فقرار إغلاقها يأخذه جندي يتمتع بأعلى صفات السادية ونزعات الكره لمن خلفها، قد لا يكون ضابط برتبة عالية ولكنه يجهد ليرضي نزوعه لاثبات الذات المريضة المتلذذة بعذاب من يحتاجون للعبور.

أما قرار فتحها فهو بيده أيضًا، يفتحها "ليسمح" بعبورها ، ولكن بعد أن يمارس مباشرة حقده على المارة عندما يضع لهم حاجز تفتيش لا يتعدى هدفه إلا الاذلال والتنكيل والاستفزاز. قد يشطح البعض ويقول "لماذا لا نفتحها نحن؟"، فيتهكم عليه المارة قبل غيرهم ويأخذون كلامه ضربًا من العبث، لأنهم يعلمون أن فتحها رغم إرادة مغلقها سيكون رهانًا على الحياة، ولأن الجندي المراقب في البرج له "الحق" أن يطلق النار على من يقترب منها.

البوابة لا يمر منها المسؤولون في "الدولة العتيدة" ولا يعرفونها أصلًا. فليس منهم من يسكن خلفها وسكانها لا يملكون بطاقات الامتيازات الخاصة بعبور المناطق المحرمة على شعب فلسطين. فلو وجد منهم أحد لربما فاوض الجندي لفتحها.

سكان ما خلف البوابة كغيرهم من شعبهم، يكدحون طوال نهارهم ليعودوا آخر اليوم لبيوتهم منهكين بالتفكير بلقمة عيشهم وإن فكر أحدهم "بمغامرة فردية" جاء الجواب المعتاد "حط راسك بين الروس وقول يا قطاع الروس"، فالمبادرة بهكذا "مغامرة" قد يكون ثمنها الاعتقال إن لم يكن القتل عندها سيقول البعض، "شو استفاد هالمجنون؟" ، ضيّع حاله بالسجن عشان يفتح البوابة كم دقيقة وهيهم الجيش رجعوا سكروها. وهو بالسجن أو مات عشان شغلة فاضية، بهدل حاله وبهدل أولاده عشان لحظة جنون بدون فايدة"، في انهزامية لا تليق بفلسطيني لا يقبل الذل.

البوابة اذن كابوس لا تزيله كل التعويذات ولا كل الأدعية بكل ديانات أهل الارض لأنها مجربة مسبقًا ولم تعط نتيجة. فهي حلقة صغيرة من سلسلة دموية تحيط رقاب شعب كامل وتشدّه نحو الخضوع والاستسلام لجلاده. البوابة هي السجن الذي يعاقب به المحتل الخارج عن قانونه ويكافئ بفتحه للخاضع المستسلم.

"هي العصا والجزرة، فان رضيتم به احتلالًا دون مقاومة؛ فتحت لكم وإن خرج منكم من يتمرد أقمعوه بأنفسكم أو تعاقبون جميعًا"، هي منظومة كبرى تسمى "الاحتلال"، إزالتها بحاجة فقط لحرب، وقبل الحرب بحاجة لارادة وقرار واستعداد بالتضحية بعيدًا عن الأنانية والرضى بذل الأمر الواقع.