شبكة قدس الإخبارية

محمد صالح.. صاحب الشهادة الأعلى في زفّة التخرج

ناصر خصيب

رام الله- خاص قُدس الإخبارية: "مثل الجبل الشامخ، مثل الزيتونة الصامدة" رددت هذه الكلمات أم محمد وهي تحبس دموعها محاولةً إخفاءها، قائلة "ما في أم ما بتشتاق لابنها، ما في أم ما بتحنّ، ولو مرّ العمر على غيابو بضل قطعة منها مش ممكن تنسى"

لم يكن صباحًا عاديًا أبدًا يوم ودّعته، جهّز محمد نفسه بينما كانت والدته تعدّ له الافطار صباح الثلاثاء 17 من تشرين الثاني 2015، تحضّر للذهاب إلى عمله وكان فرحًا مبتسمًا كما عادته بالرغم من أنه يحمل أعباء الحياة على ظهره، حاله حال سائر شباب هذا الوطن.

84

عن الشهيد الغيور المبتسم

الشهيد محمد منير صالح (25 عامًا)، من قرية عارورة شمال رام الله، درس في مدارسها إلى أن أنهى الثانوية العامة 2010، والتحق بجامعة القدس المفتوحة، شمال القدس المحتلة، إلى أن ارتقى كما أحب وتمنّى.

عُرف محمد بين أهله وأصدقائه وأهل بلده، بحسن سيرته فكان شابًا خدومًا وعلى خلق ودين، يقول أحد أصدقائه "محمد كان يحب أن يقدم العون لكل من يحتاج المساعدة بكل الطرق التي تكون بين يديه، كما كان دائما يبادل الجميع النكت ويطلق الفكاهات الجميلة الطيبة، بشوش الوجه ومبتسم دومًا"

بينما قال صديق آخر، "لم أرَ في حياتي رجلًا مثله، كان صاحب مبدأ، وصاحب عزيمة، يحب وطنه كثيرًا، وحنون القلب فقد كان يتأثر كثيرًا عندما يرتقي شهيد"، وهو ما أكدته والدته أيضًا بقولها إنه كان يغار على أخواته المسلمات وكان يتأثر جدًا في حال ارتقاء شهيد أو شهيدة.

يوم استشهاده

"جاهز الفطور يما"، قالت والدته حتى جاء ليجلس بجوارها على المائدة، تنظر إليه وتطيل، ثم تقول "هيييه زي العريس يمّا طالع"، "كان تلك اللحظات يظهر كعريس بالفعل، فقد استحم ولبس أجمل ثيابه وأحبها إلى قلبه، وكأنه سيأتي بالعروس في هذه الليلة إلى أمه"، ودّعها ذاهبًا إلى عمله، وإلى الأبد.

وقرابة الساعة السابعة مساءً، كان محمد وصديقيه يستقلون سيارة، مرّت بالقرب من قرية ترمسعيا شمال رام الله، حتى تفاجأوا بنصب قوات الاحتلال حاجزًا هناك، أوقف جنود الاحتلال السيارة وطالبوهم بالخروج منها، وما هي إلا دقائق حتى اخترقت أسلحة الاحتلال جسد محمد بوابل من الرصاصات.

ارتقى محمد شهيدًا بعدما منعت قوات الاحتلال سيارات الاسعاف من الوصول إلى المكان وانقاذه، إضافة إلى اعتقال الشابين الآخرين الذي كانا برفقته

ما هي إلا لحظات قليلة، حتى وصل الخبر إلى عائلته وأهل بلدته في قرية عارورة، كما انطلقت مسيرة عفويّة في البلدة خرج فيها شبانها ورجالها إلى بيت الشهيد، ثم تلتها مسيرة أخرى شارك فيها أهالي القرى المجاورة وصولًا إلى منزل الشهيد ومباركة أهله وأمه التي قالت حينها "كنت حاسة إنه صار لمحمد ابني اشي، قلبي لا يخيبني بابن قلبي"

85

احتجازه وتشييعه

احتجز جثمان الشهيد ما يقارب 47 يومًا، في ثلاجات الاحتلال بجوار عدد من الجثامين التي أفرجت عنها الاحتلال وجثمانه في الأول من يناير العام الحالي، في اليوم ذاته سلّمت قوات الاحتلال جثماني الشهيد أنس حماد ومحمد عياد من سلواد، والشقيقين شادي وفادي خصيب من عارورة أيضًا.

شيّع أهالي قرية عارورة، جثماني الشهيدين خصيب، قبل تسليم الاحتلال لجثمان محمد بساعات قليلة، حيث نُقل في البداية لمجمع فلسطين الطبي برام الله ثم إلى الطب العدلي بجامعة القدس لتشريح جثمانه الذي كان كقطعة جليد كبيرة.

في الثالث من يناير، تحقق حلم محمد، زفوه خريجًا من جامعته التي احتضنته لسنوات، تخرّج منها وهو يحمل شهادة لا تضاهيها شهادة، حيث انتقل جثمانه بعد استكمال تشريحه إلى جامعة القدس المفتوحة ويرفع فيها على الأكتاف بشهادته الغالية، فهو من زفوه وحده في حفل تخرجٍ كان هو البطل الأول فيه وصاحب الشهادة العليا.

شيّع ألاف من الأهالي جثمان محمد، في مسقط رأسه قرية عارورة، بعد أن ألقوا عليه نظرة الوداع في بيته الذي كان يجهزه، وقد حملته والدته على أكتافها طوال مدة التشيع، في مشهدٍ يجسد أغلى معاني الوطنية والصبر والتضحية.

شقيق الشهيد أوضح لاحقًا، بأن نتائج التشريح بيّنت "أن رصاصات الاحتلال اخترقت معظم جسد محمد" مضيفًا "لقد قتلوا أحلامه بالزواج والسفر والعلم، رصاصات الاحتلال أوقفت لحظات الحلم لتحقيق أمنية أبدية".