-بدور حسن
*حين كتبتُ رسالة الحبِّ الأولى، لم أجدْ أبلغَ من أغنية “مرسال لحبيبتي” كي أستهلَّ بها اعترافي المتعثّر، وحين أخبرني صديقي في مخيم اليرموك أنّ الطيران الحربي يمطرُ حارته بالقذائف، جمّد الخدر أصابعي وتراكمت الدُّموع على زجاج عينيَّ. لم يكنْ بوسعي سوى أن أكتب له: “اشبعوا ساعة الوداع واحضنوا الحاجة بضمير / ده اللي فاضل مش كتير”.
هاتان الأغنيتان من بين أغانٍ كثيرةٍ رافقت حبَّنا ومخاوفنا، وسعاداتنا العابرة ومعاركنا الخاسرة وانكساراتنا وانتصاراتنا، ولأنّ موسيقاكم احتضنت أملنا وعجزنا، وحملت قلوبنا إلى شوارع مصر، دون الحاجة لجواز سفرٍ أو تصريحٍ أو تأشيرة، ولأنّنا لا نريد لنشاز التّطبيع أو التّصفيق المفلس وصخب النُّخب أن يشوّه هذه الموسيقا وأن يصادر ذكرياتِنا المرتبطةَ بها، نطلب منكم إلغاء أمسيتكم المقرّرة في مدينة رام الله المحتلة، ونرجوكم أن لا تساهموا في تحويل الاحتلال إلى مهرجان، يروّج لأسطورة استقلال واستقرار الضفّة الغربية، ويسوّق دعاية السِّيادة المزعومة للسلطة الفلسطينيّة عليها.
لو كنّا نعيش في ظروفٍ “طبيعيّة” لكانت هذه الأمسية فرصةً ننتظرها بفارغ الصَّبر، فرصةً قد لا تتسنّى لنا مجدداً، فمصر عصيّة على الكثير منا، ولكنّنا لا نعيش في ظروف طبيعيّة، ورام الله لم تتحرّر من سطوة الاحتلال المطلقة، وتحكّمه بكلِّ ما يدخل إليها ويخرج منها.
الحصول على تأشيرة لزيارتها يتطلّب موافقة الاحتلال والمرور بحواجزه ومقابلة جنوده، ومحبّوكم في غزة وهم كثر لن يتمكنوا من الحضور، لأنّ سكان غزة المحاصرين محرومون من دخول الشّطر الآخر من وطنهم المحتّل، وعشّاقكم من فلسطينيي الشّتات لن يتمكنوا من الحضور، لأنّ الاحتلال يحرّم بلادهم عليهم.
كثيرة هي المسارات التي يمكنكم سلوكها للتّواصل معنا، وموسيقاكم مهّدتها وكلمات أغانيكم عبّدتها، أما مجيئكم إلى فلسطين فليس مساراً إجبارياً، ومن المفترض أن لا يُطرَح من الأصل.
نقدّر عالياً رغبتكم بالغناء أمام محبّيكم في فلسطين ولن نقول أنّها ترف، فالموسيقا والاستمتاع بها ليسا ترفاً ولكن في الوقت الذي يُمنَع فيه المرضى والجرحى في غزة من دخول رام الله والقدس لتلقي العلاج، وفي الوقت الذي يُمنَع الموسيقيون الفلسطينيون في مخيمات اللجوء من العودة إلى فلسطين ومن الغناء والعزف في مسارحها وشوارعها، نتوقّع من الموسيقيين العرب، ومنكم تحديداً، أن ترفضوا “الامتياز” الذي أتاحه لكم الاحتلال بدخول فلسطين بمباركته. لا يُعقل أن يُحرَمَ الفلسطينيون من حقّهم في العودة، بينما يوافق الفنانون العرب على إقامة الأمسيات في بلادٍ فتحها الاحتلال لهم وأوصدها أمام أهلها.
نتطلَّع إلى استقبالكم والاحتفاء بموسيقاكم في وطنٍ حرٍّ ومستقلٍّ يوماً ما، وحتّى ذلك اليوم، ستظل قلوبنا مفتوحة لكم، أوليس هذا تواصلاً أيضاً؟!