شبكة قدس الإخبارية

الخروج من غزة.. خبث أم طيب؟!

محمد أبو شعبان

عشت ما يقارب الربع قرن من عمري خارج غزة، ثم عدت إليها ما يقارب ٤ سنوات، عايشت فيها حربين و تعرفت على ثقافة الناس و طريقة تفكيرهم و تفاعلهم مع قضاياهم الداخلية و الخارجية، فأستطيع أن أعبر نوعا بدقة أكثر من أغلب من يتحدثون عن ظاهرة خروج الشباب من غزة، و سأذكر هنا رأيي على شكل نقاط قليلة مقتضبة.

أولا: لكل إنسان منا خياراته التي يختارها، منا من يختصر تفكيره في خيارين لا ثالث لهما، ومنا من يمكن أن تصل خياراته للعشرات يوازن بينها ويدرس ميزات هذه وسلبيات تلك، حتى يصل للخيار الأفضل له ولمستقبله من منظوره و رأيه هو، فلا يحق وقتها لمن هب و دب أن يهاجم خياره و قراره لأنه لم يناسب مزاجه و هواه أو حتى مشروعه الخاص أو العام.

ثانيا: غزة، هي من أحب بقاع الله إلى قلبي، و أفتخر بانتمائي لها ومكانتها عندي كبيرة جدا بكل ما فيها، و لكنها في الوقت ذاته منطقة جغرافية محاصرة ومغلقة، يشعر أغلب الناس فيها وخاصة الشباب أنه منعزل عن العالم ولا يستطيع التنقل والخروج و التمتع و التعلم و التعرف عن قرب على ما يراه يوميا عبر عالم الانترنت من فرص علمية و ثقافية و عملية و تجارية و غيرها، يعلم يقينا أنها ستعود بالنفع عليه و على أهله و وطنه و مستقبله، فتفكيره بالخروج حتما ليس له أي صلة بالتخلي عن الوطن و الأهل و القضية.

ثالثا: أغلب من أعرف من الشباب الذين خرجوا، شباب مميز جدا و له حضوره في المجتمع، و بعضهم وضعهم الاقتصادي أفضل بكثير من غيرهم بل قد يعتبر جيدا جدا مقارنة بمن حولهم، و لكنهم وجدوا في الخروج لسنوات معدودة تكوينا للعلاقات و توسيعا للآفاق و زيادة في العلم و تحسينا للدخل، و كثير منهم يضع نصب عينيه خدمة وطنه في غربته و خدمة وطنه بالخبرة و العلم الذي سيعود به إليه. وفي نفس الوقت هناك من يرى أن بقاءه هو الأفضل له ولمستقبله و يجد أن فرصه في غزة مميزة و الفرص الخارجية ليست بمستوى الأولى فيختار البقاء، و يربط البعض أيضا معاني الصمود والثبات و خدمة وطنه و أمته فيختار البقاء أيضا، و هو حق لهم كم هو حق لأولئك.

رابعا: بنظرة سريعة جدا على كثير من أساتذة الجامعات و على كثير من الأطباء والمهندسين المميزين في غزة، سنجد أن أغلبهم عاشوا فترة جيدة خارجها منهم بقصد الدراسة و منهم بقصد العمل و بناء الخبرة العملية، و أغلبهم ساهم في بناء الكثير من المؤسسات و الشركات المميزة في قطاع غزة التي لها أكبر الأثر الآن في المجتمع الغزي.

خامسا: نموذج بسيط و سريع لأمر بسيط أعرف الكثيرين يقومون به ممن خرجوا، بتوفير فرص عمل عن بعد لشركات و أفراد في مجالات العمل عن بعد، و ببساطة توظيف موظف واحد يعني أنك فعليا ساعدت أسرة في عيش حياة كريمة و مريحة و مساهمة حقيقية في دعم الاقتصاد المحلي.

مختصر القول، لا أرى في هذه الظاهرة إلا أن غزة أخرجت للعالم من أطيب أبنائها ليعودوا لها أطيب !