شبكة قدس الإخبارية

"زقاق الموت".. يوم انتصرت الخليل على "إسرائيل" بثلاثة مقاومين

هيئة التحرير

الخليل - قدس الإخبارية: لا يزال كل فلسطيني عاش في مثل هذا اليوم من العام 2002 يتذكر المعركة التي استدرج فيها 3 مقاومين من سرايا القدس الذراع المسلح لحركة الجهاد الإسلامي في الخليل جيش الاحتلال إلى ما يعرف بـ"زقاق اليهود" حيث دفن المجرم "باروخ غولدشتاين" ويستخدمه المستوطنون للوصول إلى القبر، وخرجوا منه بين قتيل وجريح.

خاض الأبطال الثلاثة ذياب المحتسب، وولاء سرور، وأكرم الهني، معركة شرسة أطلقوا خلالها العشرات من مخازن الرصاص على جنود الاحتلال والمستوطنين الذين كانوا يمرون في الزقاق، وأوقعوهم بين قتيل وجريح، في حين حضرت قوات كبيرة من جيش الاحتلال للمكان وحاصر الأبطال الثلاثة واشتبكت معهم لعدة ساعات دون أن يستسلموا.

جنود الاحتلال على الرغم من أن أعدادهم كانت بالعشرات إلا أن التسجيلات الصوتية التي بثتها القناة العاشرة الإسرائيلي في تقرير لها العام الماضي والتي كانت تبث الاتصالات التي جرت بين الجنود وقيادة جيش الاحتلال خلال المعركة وكان الجنود يشتكون من قلة العدد وعدم مقدرتهم على إحكام الخناق على المقاومين الثلاثة الذين كانوا يذيقونهم النار من فوق رؤوسهم.

كان رئيس حكومة الاحتلال حينها المجرم "أريئيل شارون" يعقد اجتماعا مع كبار قادة جيش الاحتلال وأجهزته الاستخبارية لمناقشة مجريات العملية التي مضت عليها 3 ساعات ولم تتوقف، ما نشر حالة من الهلع لدى المستوطنين الذين يقيمون في كل منطقة الخليل، وبدأ بعضهم بالرحيل من المنطقة المحيطة بالعملية لظنهم أن جيشا من المسلحين يحكمون السيطرة على المكان ولن يسلم من رصاصهم أحد.

فرحة وهلع

في الوقت الذي كان فيه الفلسطينيون يتشوقون بلهفة لمعرفة حقيقة ما يدور، كان الإسرائيليون أشد مضاضة على معرفة خبايا المعركة التي كان يتكتم قادة جيش الاحتلال على إبراز المعلومات عنها، وفي ظل دوران عجلة الوقت ومع توفر المعلومات الشحيحة عن واقع معركة خليل الرحمن، كان يطل ببريق الحقيقة وعن منبر الجزيرة رجل فتح آفاق الحقيقة على ما كان يدور بوادي النصارى في الخليل.

فكان الذهول, وكانت حقيقة المعركة تنتاب شعور الفلسطينيين بالفرحة العارمة، وتنتاب الإسرائيليين حالة من الخوف والحزن، حين قال الأمين العام لحركة الجهاد الإسلامي رمضان عبد الله شلح، "إن مقاتلو سرايا القدس ينفذون عملية استشهادية ضخمة"، فأوقفت تلك الكلمات المختصرة كل الكلام عن ثلاث ساعات من المعركة خاضها المقاتلون، فاعتصر الفلسطينيون الشوق وهم يستمعون لذاك الرجل الصنديد، وتوقف نبض الحياة لدى الإسرائيليين، فوقف شارون صامتاً أمام عظمة التخطيط وأسطورة التنفيذ وقوة المفاجأة بنقل المواجهة من شمال الضفة إلي جنوبها.

كان الفلسطينيون يتابعون في بث حي ومباشر وجها لوجه الجنود الإسرائيليين وهم يتساقطون واحد تلو الآخر بين قتيل وجريح، والإسرائيليون لا يعلمون ما يجري مع جنودهم، كان رصاص أبطال سرايا القدس يجندلون الجنود واستمروا في معركتهم دون كلل أو تعب، لإيقانهم أنهم أمام معركة مصيرية فيها عزهم وعز وطنهم، فما برح جيش الاحتلال حتى استدعت قيادته نصف قواتها المنتشرة في مناطق مختلفة من الخليل، مدعومة بالطائرات والمدرعات، وأمطرت المكان ولأكثر من ساعة بالقذائف الصاروخية ورصاص الرشاشات الثقيلة، في حين لازال الأبطال الثلاثة مستمرون في إطلاق النار القاتل.

معلومات سرية

جاءت هذه العملية بعد سلسلة من العمليات الاستشهادية المتلاحقة نفذها أبطال المقاومة الفلسطينية في المدن الفلسطينية المحتلة عام 1948 أوقعت العشرات من الإسرائيليين، ما أعطاها صدى أكبر لدى أجهزة الاحتلال الأمنية، فأيقنت قوات الاحتلال أنها أمام سلسلة من العمليات التي خططت لها سرايا القدس خروجا من الضفة الغربية، وصولا لكل منطقة يتواجد فيها الإسرائيليون في فلسطين المحتلة، وتوجت عملية زقاق الموت تلك المرحلة.

وعن العملية، قال قيادي بسرايا القدس: "إن التحضيرات للعملية بدأت قبل أكثر من شهرين من تنفيذ العملية، وأن إعدادها كان شاق ومحفوف بالمخاطر، حيث أجري المجاهدين الثلاثة الذين نفذوا العملية جولات استطلاع مباشر لمكان الهجوم وحجم الوحدات العسكرية المرافقة للمستوطنين على الطريق الممتد بين بوابة مستوطنة كريات أربع وبين الطريق الذي يطلق عليه الصهاينة اسم "شارع المصلين". وقد اضطروا أحياناً إلى التخفي والدخول بين جموع المستوطنين من أجل تحديد أدق لمواقع الحراسة وعددها وطبيعتها ومدى فاعليتها ونقاط ضعفها والأماكن المشرفة عليها، والطريقة التي يتم فيها تنفيذ أسلوب الحراسة المتسلسلة "التتابع" بحيث أن كل قوة حراسة على امتداد الطريق إلى المسجد الإبراهيمي في الخليل تتسلم حراسة المستوطنين في منطقة محددة وترافقهم فيها لتسلمهم إلى حرس المنطقة التالية، فضلاً عن الحراسة الجوالة المكونة من حرس الحدود بمساعدة وحدات من القوات النظامية، وهذه غالباً ما يرافقها عدد من سيارات الجيب العسكرية المحملة بالجنود".

تمام الساعة السابعة وثلاث عشرة دقيقة، يفتح المجاهدون الثلاثة النار على الأهداف، فتصعق كثافة النيران وعنصر المباغتة جنود العدو في سيارتي الجيب والموقع العسكري أو الكمين الثابت الذي نصبه جنود الاحتلال في حقل زيتون أسفل الطريق.

ويسقط على الفور عدد من القتلى والجرحى في صفوف الجنود في إحدى الدوريات الراجلة وفي الموقع ـ الكمين على الطريق.

وتعترف المصادر الصهيونية أن جنود الكمين الثابت تلقوا الضربة الأشد، وتشير إلى احتمال سقوطهم في اللحظة التي نهضوا فيها من الكمين مع نهاية عملية الحراسة، حيث وقّت المجاهدون فتح النار في هذه اللحظات.

وبعد ساعة متواصلة من القصف المركز، هدأت نيران المقاومين لعدة دقائف، فاطمأن جنود الاحتلال ظنا منهم أن قواتهم استطاعت القضاء على المسلحين في المكان، ولم تلبث فرحتهم سوى دقائق معدودة حتى أعاد الأبطال الثلاثة النيران على دوريات الاحتلال المرابطة في المكان فأصابت منهم الكثير، واوقعت 4 من كبار ضباط جيش الاحتلال في منطقة الخليل قتلى داخل دوريتهم العسكرية.

ووصفت قيادة العمليات في جيش الاحتلال ما جرى بـ"معركة من طرف واحد"، حيث يقول أحد ضباط جيش الاحتلال: "كان الجنود القتلى على أطراف الكمين بجانب الطريق.. آخرون جرحى يصرخون.. عدد آخر من الجنود انبطحوا أرضاً وراحوا يصرخون طالبين النجدة.. هرج وفوضى في نهاية الشارع، وإحدى السيارات الجيب انحرفت عن الطريق وقفز منها جنديان فجرح أحدهما وانبطح الآخر أرضا".

وتحت وقع سيل النيران والرصاص والقنابل اليدوية، تعم الفوضى في صفوف دوريات العدو وجنوده.. وتنتقل المواجهة إلى الزقاق الخلفي المظلم على بعد أمتار من الشارع حيث يتحول الزقاق إلى كوة من اللهب تصرع كل من يقترب منها، ذلك أن مجاهدي سرايا القدس أعادوا تموضعهم في المكان ليسيطروا على امتداد الزقاق ومخارجه.

وإذ تحاول قوات جيش الاحتلال أن تدرك حقيقة ما يدور، فإنها تبدأ بمحاولة اقتحام الزقاق.. يقترب جيب حرس الحدود من طرف الزقاق ثم ينعطف فجأة ليدخل فيه. وفي هذه اللحظة وطبقاً لأقوال شهود العيان الصهاينة من الجنود، يظهر أحد المجاهدين خارجاً من منزل في الزقاق ويندفع نحو الجيب فيفتح الباب الخلفي ويرشق الجنود فيه بوابل متواصل من الرصاص على بعد متر واحد أو من النقطة صفر كما تصف المصادر الصهيونية، فيقتل جنود الجيب جميعاً.

بعد ذلك، وفي محاولة أخرى لاقتحام الزقاق، وصلت سيارة جيب ثانية وفيها ضابط عمليات حرس الحدود في المنطقة الرائد سميح سويدان ومعه جندي آخر، وما أن أصبحا في ثغر الزقاق حتى صرعهما رصاص مجاهدي "سرايا القدس".

مصيدة الجنرالات

في تلك المرحلة، كانت المنطقة قد تحولت إلى ساحة حرب حقيقية في ظل تواصل قدوم التعزيزات العسكرية الصهيونية، لكن ضباط الصهاينة ظلوا غير قادرين على تقدير الموقف. وتضاربت تصوراتهم عن حقيقة ما يجري، فكان الاعتقاد أولاً أن المجاهدين دخلوا إلى مستوطنة كريات أربع وأطلقوا النار على المستوطنين القادمين من الصلاة ولاذوا بالفرار. وسرعان ما تبدد هذا الاحتمال تحت وقع الحدث وتواصله، ثم تحدث ناطق عسكري صهيوني عن قيام المجاهدين الفلسطينيين باحتلال موقع عسكري إسرائيلي، كما أخفقت التقارير الصهيونية التي اعتبرت خلال المعركة أن المجاهدين يدافعون في زقاق ضيق في مواجهة الجيش، فالمجاهدون كانوا يقومون بتحركات هجومية كثيفة خلال المعركة.

ثم وقع تطور جديد، إذ تقدم قائد لواء الخليل درور فاينبرغ (الحاكم العسكري للمنطقة) على رأس قوة وهو يستقل سيارة جيب مدرعة في محاولة لاقتحام الزقاق بمساندة إضافية من وحدة الطوارئ في مستوطنة كريات أربع. وما إن ظهر على بعد أمتار من مدخل الزقاق حتى ظهر له أحد المجاهدين وعاجله بسيل من الطلقات في صدره، فأسرع عدد من جنوده لجره خارج مرمى النيران فسقط عدد منهم بين قتلى وجرحى، قبل أن يتمكنوا من إخراجه صريعاً من تحت سيف اللهب.

وتقول المصادر الصهيونية إن فاينبرغ، وبعد اجتيازه عشرين متراً بالجيب "ترجل قبل أن يتمكن من ارتداء درعه الواقية" في محاولة منها للتقليل من صورة الهزيمة التي أصابت الجيش الصهيوني في معركة الخليل.

وما هي إلا دقائق حتى استهدفت طائرات الاحتلال المطقة بأكملها بعد 4 ساعات متواصلة من الاشتباكات العنيفة بالنيران الثقيلة والصواريخ الحارقة، فارتقى الأبطال الثلاثة شهداء بعدما تمكنوا من قتل 14 ضابطا وجنديا في جيش الاحتلال بالإضافة لعشرات الجرحى المصابين بجراح بالغة الخطورة، وعشرات المستوطنين، في عملية ظل الإعلام الإسرائيلي يتحدث عنها لشهر كامل، يكشف عما أخفته قوات الاحتلال من معلومات أحرجت القيادة السياسة والعسكرية الإسرائيلية، ولا تزال الخليل حتى اليوم منذ 14 عاما تتذكر هؤلاء الأبطال يتحدثون عن بطولتهم دون كلل أو ملل.

المصدر: مواقع إلكترونية