فلسطين المحتلة - قدس الإخبارية: لا تزال تمضمض عينيها بشعاع النوم بعيونها الناعسة، نهضت ساعة من فجر الأربعاء، كان قطر الندى يومها ينساب بطمآنينة، أيقظت سعيد كعادتها فجراً تنتظر عودته مستعدة لتستقبل يومها بكل مافيه من متع وخيبات.
يعمل سعيد خميس رصرص (٣١عاماً ) معلما بمدرسة معاذ بن جبل، ينهض الثالثة فجراً مخالفا قانون ازدواجية العمل بعدما اقتنى سيارة تعمل على نقل العاملين للأراضي المحتلة، من مخيم الفوار لمعبر ميتار قرب الظاهرية.
مسكينة تترنح وتتلوى، لم تدرك يومها الفارق ما قبل ذلك الفطور الأخير وما بعده...
كان سعيد يبحث عن فرصة هنا، ومصلحة هناك، قضى في حادث سير وثلاثة آخرين وقع فجراً على طريق كرمة السموع في محافظة الخليل، لم يتشكل واقع كل منهما مثلما يريد، بعدما انسدت في وجهيهما كل أبواب الخروج.
تنتظره زوجته محاولة كسر عقارب الساعة وإيقاف الزمن لا طاقة للمسكينة أن تجيب قلبها عما حدث، سعيد أب لثلاثة أطفال أكبرهم تبلغ خمس سنوات، يتلوها طفل بعمر ثلاث ربيعات، وآخر لم يكمل إلا أشهرا قليلة لم تسعفه أن يحفظ بعض تفاصيل والده...
لم ينل سعيد قسطا من اسمه، كان الموت متعاقباً على أحبائه، ففي عام ٢٠٠٢ استشهد شقيقه حسن في انتفاضة الأقصى، ولم تنقض فترة من زمن المواجع حتى فقد والدته عام ٢٠١٤، ثم تلاها والده عام ٢٠١٥، ثم شقيقه ما قبل عدة أشهر قضى بمرض السرطان.
أراد سعيد أن يصل للهدف دون تعسف هو ممن شارك في إضراب المعلمين قبل عدة أشهر، مطالبا بأدنى حقه في الحياة أن يسد رمق أطفاله.
لم يكن ممن وضع القانون لكنه خضع له ...
ماذا لو كان سعيد في دولة تحترم معلميها؟ هل كان سينهض فجراً تاركاً أطفاله وزوجته وفطوره الأخير، كان يسارع الزمن ليوازن ما بين الضغط على كوابح سيارته، وطبشورة سبورته...
سعيد كتب يوماً على صفحته الشخصية "إكرام المعلم دفنه"...
هل كان يعلم أنه سيكون عبرة لقوانين مجحفة، حرمته حقوقه، وأجبرته أن يعيش مرار الحياة بأبواب مغلقة؟!...