شبكة قدس الإخبارية

حي أبو كبير الفلسطيني شاهد على سرقة التاريخ

هيئة التحرير

فلسطين المحتلة - قدس الإخبارية: لولا معتقل أبو كبير، لما عرف أهالي يافا الفلسطينيين من الجيل الثالث والرابع عن وجود الحي الفلسطيني العريق أبو كبير الذي تم تحويل اسمه بالعبريّة لـ"نافيه عوفير"، أو تل كبير، نسبةً لموقعه الجغرافي وارتفاعه إلى 25 متراً فوق سطح البحر، مثلما تم تحويل معالمه الفلسطينيّة وطمسها من بعد نكبة 1948.

هذا الحي الذي يحتوي بطياته على ماض عريق يعود إلى حقبة الحملة المصريّة بقيادة إبراهيم باشا ابن والي مصر محمد علي باشا، تحوّل بعد الاحتلال الإسرائيلي إلى حيّ سكني متواضع لا يشبه بتاتًا الحي الفلسطيني الأصليّ. وبحسب بلديّة الاحتلال، تل أبيب ـ يافا، يعتبر الحي جزءاً من منطقة نفوذها ولكنه منفصل عن يافا إدارياً، بحيث لم يتم إدراجه مع باقي لجان الأحياء المختلفة.

ولكن، على الرغم من طمس معالم هذا الحي من قبل الاحتلال الإسرائيلي، ما زالت هناك بعض البيوت الصامدة عبر السنوات والتي تم استغلالها من قبل المستوطنين اليهود الذين سيطروا اعلى كل مبنى مهجور في يافا لوضع واقع جديد ومحو الذاكرة الفلسطينيّة التي تطاردهم وتزعجهم حتى يومنا هذا.

في الطريق المؤدي إلى الرملة، وبالتحديد في شمال حي أبو كبير، صمد أحد المباني الضخمة المكوّن من طابقين وقطعة أرض تحيطه مثل أغلب بيوت العائلات الفلسطينيّة الغنيّة، المبنى الذي كان يتبع لعائلة العزّة وتحوّل اليوم إلى مركز للغذاء الصحيّ في الطابق الثاني، وفي الطابق الأرضي يلتصق مقهى بمنجرة تتبع لشخص يهوديّ، وذلك بعد صفقة تمّت في السبعينيّات من القرن الماضي بينه وبين مديريّة أراضي إسرائيل. وبالقرب منه، بنى الاحتلال مشرحة أبو كبير، وكأنه يرمز إلى ذبح الفلسطيني عام 1948 وتشريح جثته والتصرّف بها كما يشاء.

لمحة تاريخيّة

يقول الباحث في تاريخ يافا، يوسف عصفور: "يعود تاريخ الحي إلى فترة الحملة المصريّة إلى الشام، بحيث مرت جيوش إبراهيم باشا بالقرب من يافا واستقرّت بالجانب الشرقي للمدينة، وذلك مراعاة لأهالي يافا الذين مرّوا بتجربة تراجيديّة، ألا وهي المجزرة زمن احتلال نابليون بونابرت ليافا عام 1799. وكما نعلم فإنه بالإضافة إلى الجنود، رافقهم العديد من المزارعين المصريين الذين بقوا في فلسطين ولم يعودوا إلى بلادهم، لذلك نجد في العديد من المساكن القريبة من يافا عائلات من أصول مصريّة، مثل عائلة أبو قاعود وأبو رمضان وأبو سيف ودسوقي وغيرها والتي بقيت في فلسطين وشاء القدر أن تبقى أيضاً من بعد النكبة، وهم يعتبرون فلسطينيين في كل شيء".

وأضاف: "أراضي حي أبو كبير كباقي أراضي يافا، تعتبر من أخصب الأراضي في فلسطين، لذلك نجد العديد من الفواكه والحمضيات التي ملأت البيارات والبساتين العديدة التي توزعت على أغلب مساحة يافا التاريخيّة التي عرفت بتصدير برتقالها المشهور الذي وصل إلى كافة مدن حوض البحر الأبيض المتوسط، منذ أواخر القرن التاسع عشر وحتى عام النكبة 1948".

في عام 1929 أثناء ثورة البرّاق أو حائط المبكى، قام مسلحون يهود باقتحام حي أبو كبير العربيّ وقتل الشيخ عبد الغني عون، إمام المسجد، مع عائلته ومثلوا بجثثهم بعد الجريمة، ونجا فقط ابن الشيخ، ما أدّى إلى انتشار الاضطرابات في يافا، ونتيجة لذلك قام سكّانه بمهاجمة المستعمرات والحارات اليهوديّة المجاورة للمدينة، وهو الحدث الذي تستغله الرواية الصهيونيّة ضد حق الفلسطينيين في الدفاع عن أرضهم.

تطهير وتهويد

وفي حديث مع يوسف أبو قاعود، من مواليد الحي عام 1948: "الحي كان مليئًا بالبيارات التي امتلكتها عائلات فلسطينيّة، مثل عائلة أبو رمضان وطباجة، بالإضافة إلى عائلتي التي سكنت في بيارة كانت ملكًا لراهبات مار يوسف التي وصلت مساحتها إلى 25 دونماً، وكانت تحتوي على العديد من أنواع الحمضيات، كالبرتقال والكلمنتين والمندلينا والرمّان والقشطة والجوافة الحمراء والبيضاء".

وأضاف: "سكنّا في البيارة حتى عام 1972، وكان والدي هو من يقوم بالقطاف والعناية بأشجار البيارة، وعائلتي كانت المستفيدة من المحاصيل المختلفة، وبالمقابل كان الدير يحصل على حماية البيارة التي لولا وضعه أعلام فرنسا على جدرانها، لسيطر الجيش الإسرائيلي عليها مثلما سيطر على قصر عائلة آل القسّار الغنية (هاجرت إلى عمّان)، الذي تم تركه أثناء المعارك في يافا، والذي أصبح مركزاً لجيش الاحتلال حتى عام 2013. وأذكر أن والدي روى لي يوماً ما عن رفضه أخذ السجاجيد الفاخرة من القصر، بعدما طلب منه الجنود أن يفعل ذلك، آملاً أن تعود العائلة لقصرها وتعيد الحياة فيه".

وعن كيفية الإخلاء عام 1972، قال أبو قاعود: "رأينا في أحد الأيام آلة الجرف قريبة من البيارة ومدعومة من الشرطة ومن ثم باشرت بتخريب البيارة التي تم بيعها من قبل الرهبنة التي ربما تم الضغط عليها للبيع، وفي المقابل أعطت مديريّة أراضي إسرائيل، التي سيطرت على أراضي اللاجئين الفلسطينيين (الغائبون حسب تعريف الاحتلال)، التعويض للرهبنة ولوالدي الذي اضطر أن يرحل إلى بيت في داخل المدينة مقابل صيدليّة فخري جداي".

والجدير بالذكر أنه في السنة نفسها، أي عام 1972، تم إخلاء جميع بيّارات حي أبو كبير وتم بناء عمارات لإسكان اليهود الجدد على أراضيه، وهكذا تحوّل الحي إلى حي يهوديّ صرف، مثله مثل باقي عمليات التطهير العرقي التي استمرّت دولة الاحتلال في العمل بها بعد عام 1948.

يشار إلى أن قصر عائلة القسّار تم عرضه للبيع في المزاد العلني الذي يجري عن طريق شركة الإسكان الإسرائيليّة "عميدار" المسؤولة عن أملاك الغائبين بحسب القانون الإسرائيلي، ولكن حتى يومنا هذا لم يقدم أي شخص اقتراحاً لشراء القصر المكوّن من طابقين وقطعة أرض تقارب الدونم.

المصدر: العربي الجديد/ رامي صايغ