-خلينا نجرب اذا طريق الـ "DCO" سالكة
- بتمزحي!
- والله بحكي جد
- طيب جربي، مع أنها مغامرة يمكن تكلفنا حياتنا
(مررنا عبر الحاجز، دون تفتيش، اجل يبدو لك ان الامر غريب جداً، فلا حاجز يقيمه الاحتلال الا لغرض الاذلال في التفتيش، وهذا الحاجز الذي شهد اعدامات العديد من الشهداء ظلماً، ولكنهم كانوا منشغلين ببناء الحاجز وتوسعة الرقابة العسكرية فيه، حتى يصعب علينا مرروه في الأيام القادمة)
- اذاً كان مررورنا مؤقت
- لا، بل نهائي، فلن نعاود المرور من هنا مرة أخرى، سيصبح هذا المشهد الذي مررنا به، شيئًا من الماضي، أتعلمين يا صديقتي أشعر أن الحواجز هذه، أحادية الاتجاه والخيار كمن يمر على طريق الحساب بلا عودة، فإما جنة الوصول إلى الهدف وأنت ما زلت على قيد الحياة، وأما أن يهوي عليك الرصاص فقط لمجرد أنك فلسطيني "مشتبه به"
(كنت أعلم أني ذاهبة لأقابل زوجة وأبناء شهيد أعدمه الاحتلال غدراً أثناء توجهه لصلاة الجمعة كان كل رجائي ألا أكون كجماد، هدفي إخراج مكنوناتهم ليبكوا، في حين يكون دوري التقاط الصور لعيونهم الدامعة وتفاصيل وجوههم التي تبكي الرحيل، خشيت أن اأكون كالجماد وفي وذهني سيناريو تقديم المدير لي بأني مبدعة!
قررت حينها ألا أمارس العمل الصحفي ذهبت اليهم لا أحمل في جعبتي شيئاً ادرت الهاتف المحمول على التسجيل الصوتي وبدأت اتحدث مع زوجة الشهيد كأي زائرة اتت تقدم التعازي بشهيدهم تحدثوا، بكوا وابتسموا داعبت الأم طفلتها ابنة العامين، والتي لا تعلم ماذا يعني الرحيل أو اليتم، لا تدرك معنى أن تكون طفلة فلسطينية بلا أب يأوي خوفها غداً.
كانت الفرصة مواتية لأبكي! فبكيت حتى افرغت روحي من مخزونها المحزن! وأفرغت عيناي من مخزون الدموع الذي تجمد فيها منذ عام مضى، شاهدت فيه لحظات قاسية تتصلب أمامها القلوب! أفرغت حمولة أيام لم أجد فيها متسعاً للبكاء، كنت ما بين عملي الصحفي وما بين الألم على ما يعيشه الشعب من حالة فقدان الأحبة، وإصرار منقطع النظير على التضحية آملين الحرية!
سألتني أم الشهيد إياد حماد في سلواد:
- ما بك؟
- لا شيء..
(كل ما في الأمر أن كلماتكم أراها في الماضي القريب الذي لا ينسى لا شيء سوى أني عبثاً حاولت اسكات قلبي ولا اتصاف بالبلادة... لا شيء سوى أني حاولت أن أستجيب لمن قالوا لي "في الصحافة اتركي قلبك جانباً فلا متسع للعواطف" وفشلت!)
تركت كل شيء جانباً إلا قلبي كيف لي أن أصيغ معاني البلادة وصورة أهالي العديد من الشهداء لا يمكنني نسيانها، أتراني أنسى بكاء والد الشهيد فادي علون عندما فقد ابنه الذي عاش لأجله، وفجأة أصبح وحيداً؟!
أتراني أنسى الطفلة فلسطين ابنة الشهيد سليمان شاهين، وهي تضحك عندما رأت والدها الشهيد مكفّن بعلم الوطن تظنه يداعبها وسيصحو في نهاية اللعبة، فأصبحت تشبه الوطن في الاسم واليتم!
أتراني انسى أطفال الشهيدة مهدية حماد ورضيعها الذي بحث عن حليب أمه فوجدها مضرجة بدمائها، أتراني انسى أبناء الشهيدة أماني سباتين وهم يرتدون ملابساً طبعت عليها صورتها، يحاولون الصمود أمام الكاميرا فينكسر قلب أحدهم ويجهش بالبكاء، كما يجهش جميعهم ليلاً على وسائد اليتم والقهر؟!
شيء بسيط مما عاشه الصحفي الفلسطيني أثناء إنتفاضة القدس، شيء لا يذكر أمام لحظات قاسية كانت تتجمد فيها أقلامنا ونترك العنان فيها لقلوبنا وعيوننا تبكي، شيء لا يذكر أمام لحظات الإصرار على المقاومة رغم تخاذل المسؤولين عن نصرة الشعب الثائر، رسالتي للصحفيين الأماجد، كونوا عوناً لايصال رسالة عوائل الشهداء، ولا تتركوا قلوبكم تعيش البلادة.