الخليل – خاص قدس الإخبارية: "هذه آخر رصاصة وسأموت" تكرر رغد مطمئنة نفسها بينما الرصاص يحيط بها من كل الجوانب، حيث لا مجال من الهرب إلا إلى الموت حيث الخلاص الوحيد من الخوف والألم.
في جولة خاطفة بالمركبة، خرجت رغد عبد الله الخضور( ١٧ عاما) برفقة شقيقها بالرضاعة فراس، محاولين الابتعاد لسويعة عن ضغط دراسة الثانوية، ليجددوا نشاطهم وهمتهم للبدء بالدراسة من جديد، "كنت أريد أن أحصل على علامة ترفع راس أهلي وراس اختي الشهيدة المجد .. ثم ألتحق بأخي في مصر لاستكمل دراستي الجامعية".
رغد وفراس تجولا في بلدتهم بني نعيم شرق الخليل، قبل أن يقررا تمديد الجولة دقائق أخرى بقيادة المركبة على الشارع الاستيطاني المحاذي للبلدة، وما أن اقتربا من مفترق مستوطنة "كريات أربع"، حتى نهال عليهم رصاص جنود الاحتلال، ليخطف فارس ويترك رغد تتعذب ببطئ.
"كانت السيارة مسرعة، وما أن اقتربنا من المستوطنة، حاول فارس يخفف السرعة إلا أن السيارة تعطلت تماما ولم يعد متمكنًا من السيطرة عليها" تروي رغد.
السيارة ارتطمت بالمكعبات الإسمنتية، وما هي لحظات قليلة حتى استنفرت قوات الاحتلال في المكان وبدأت بإطلاق النار على رغد وفراس بعدما أحاطوا مركبتهما.
"ربما كانوا ٥-٧ جنود أطلقوا النار في البداية من جهة فراس، ثم احاطونا وبدأوا التناوب في اطلاق الرصاص المتقطع اتجاهنا من الأمام ومن مسافة قريبة".
مستيقظة كانت رغد، تتلقى الرصاص وتشعر به يخترق جسدها، وتسمع أنين فراس بجانبها قبل اختفاء صوته تماما، "توقف اطلاق النار عندما تأكدوا من استشهادي أنا وفراس، وما أن اقتربوا مني تفاجأوا أني ما زلت حية .. سحبوني بعنف ورموني على الأرض قبل أن يبدؤا بتمزيق ملابسي وتعريتي".
خمسة رصاصات حاولت سلب رغد من الحياة، إلا أنها بقيت متشبثة بها مستجمعة قواها، تقول رغد، "لم أتلقى أي اسعاف ألقوا بي على الأرض ثم نقلوني بالحمالة إلى سيارة الإسعاف، ولم أفقد الوعي إلا عندما وصلت مشفى شعاري تصيدق".
في اليوم التالي استيقظت رغد تبحث عن صديق طفولتها وشقيقها فراس، فلم تجده لتعلم فيما بعد أنه استشهد، "حضر محقق وأخضعني للتحقيق، وضغط علي للاعتراف أنني وفراس كنا نخطط لتنفيذ عملية دهس".
أسبوعان ورغد رهن الاعتقال في مشفى "شعاري تصيدق" الإسرائيلية، تقف بجانب سريرها مجندتان من جيش الاحتلال، تمنعان الأطباء التحدث معها بالعربية، فيما بقي أهلها ممنوعين من زيارتها والاطمئنان على حالها، "كنت خائفة جدا، لكني أحاول تهدئة نفسي باستمرار، واتحاشى النظر إلى المجندات حولي".
شظايا من الرصاص بقيت في ظهر رغد قرب النخاع الشوكي سببت لها شلل في أطرافها السفلية، حيث لم تعد رغد قادرة على الوقوف والحركة، "أشعر بألم كبير بقدمي، وكأنه صعقة كهربائية تصيبني .. ولا يوجد علاج حتى الآن سوى المهدئات إلا أنني سأبدأ بالعلاج الطبيعي والتأهيل قريبا".
في ٢٤ حزيران الماضي، أعدمت قوات الاحتلال مجد الخضور، شقيقة رغد بحجة محاولتها تنفيذ عملية دهس في شارع ٦٠ الاستيطاني، "عشت ما مرت به مجد بكل تفاصيلها، شعرت بما شعرت به حينما أطلق النار عليها".
[caption id="attachment_102462" align="alignnone" width="600"] لحظة اطلاق قوات الاحتلال النار تجاه مركبة الشهيدة مجد الخضور[/caption]فور الإعلان عن استشهاد فلسطينية قرب قرية بني نعيم، قبض قلب رغد وركضت تقلب شاشات التلفاز باحثة عن أي تفاصيل، لتصدم أن الشهيدة هي شقيقتها مجد، "فقدان مجد كان صعب للغاية، ما زلت غير قادرة على العيش دونها ... إلا أنني سأشفى وأكمل تعليمي وأحقق حلم مجد الذي سعت إليه".
الاحتلال يواصل احتجاز الشهيدة مجد في ثلاجاته حتى الآن ويرفض تسليمها للعائلة، ويبين عبد الله الخضور والد الشهيدة أن قوات الاحتلال استدعته للتحقيق ولم تسمح له برؤية جثمان الشهيدة، فيما اكتفى المحقق باطلاعه على صورة للشهيدة.
"قال المحقق إن تسليم جثمان مجد مرتبط بقرار سياسي، وهددني أنه سيحملني مسؤولية أي عملية فدائية سينفذها أي شخص من العائلة" يقول عبد الله، مبينا أن الاحتلال يواصل احتجاز خمسة جثامين لشهداء من قرية بني نعيم أقدمهم جثمان الشهيدة مجد.