عنوان المقال مستوحى من مقال كتبه الحاج رفعت شناعة، أمين سر حركة «فتح» في لبنان، الموسوم «الرئيس يغزو القلعة الصهيونية»، (01/10/2016)؛ والذي برر فيه ذهاب رئيسه للتعزية بالقاتل «بيريز» بالقول: «لقد تمكن الرئيس أبو مازن بجرأته وثقته بنفسه، وإيمانه بحقوق شعبه المقدسة أن يغزو القلعة الصهيونية. وأضاف: «ذهب الفدائي الأنضج رئيس دولة فلسطين غازياً المجتمع الصهيوني».
هنا أطرح السؤال التالي: كيف غزا عبّاس القلعة الصهيونية؟!
الإجابة في ذات المقال عندما قال شناعة: «نحن هنا نريد السلام، نريد دولتنا كباقي شعوب الأرض، نحن شعبٌ يستحق الحياة». فهل هكذا تغزو القلاع يا حاج شناعة؟!
ألم تطرح حركة «فتح» ومعها بعض الفصائل الفلسطينية عدة مبادرات منذ أواخر الستينات عندما طُرح شعار «دولة لكل مواطنيها»، وتطور طرح منظمة التحرير إلى برنامج النقاط العشر المشؤوم (1974)، والذي ينص على «إقامة سلطة وطنية على أي جزء يحرر من الوطن»، واستمراءات القيادة المتنفذة الأطروحات حتى تم الاعتراف بالعدو الصهيوني كدولة على 78% من مساحة فلسطين التاريخية مقابل الاعتراف بمنظمة التحرير الفلسطينية كممثل شرعي ووحيد للشعب الفلسطيني، [يراجع رسائل الاعتراف المتبادلة بين العدو والمنظمة في 09/09/1993].
ليس هذا فحسب بل قبل عبّاس تبادل الأراضي بنسب متفاوتة، وبدء الحديث عن تعديل حدود 1967، بضم بعد الكتل الاستيطانية إلى الكيان الصهيوني، واقتسام القدس الشرقية [يراجع اتفاق عباس بيلين].
وتطور الأمر إلى «وثيقة جنيف» (01/12/2003). كل هذه التنازلات التاريخية لم تلق قبولاً صهيونياً. فأي سلام هذا الذي تتحدث عنه يا حاج شناعة؟!
أما ما ذكرته من وصفك لرئيسك بأنه «الفدائي الأنضج» فهذا ظلم تاريخي للرجل الذي لم يتغبر حذائه يوماً ما بالعمل الفدائي، ألم تسمع أحاديث رئيسك التي يستنكر فيها «المقاومة»، ويرفض «العمل العسكري» ويزيد بأنه «لن يسمح بانتفاضة فلسطينية»؟!!.
يحدثنا ناصر اللحام، عن مشاركة عبّاس بجنازة «بيريز»، وكأنه يتحدث أيضاً عن غزوة في قلب «تل أبيب»!! وذلك في مقاله «رفض شعبي وصمت رسمي ـ أسرار مشاركة الرئيس عبّاس بجنازة بيريس»، (وكالة معا ــ 30/09/2016)؛ فقد كتب متألماً لموقف الرافضين للمشاركة في جنازة «بيريز»: «ما جعل عبّاس وحيداً في هذه المعركة».
فهل كان عبّاس ممتطياً جواده لفتح القدس ونحن لا ندري؟! عجيب أمرك يا لحام!!
هل نسيت من هو «بيريز»؟َ!
إن كنت نسيت فاني أحيلك إلى غلاف جريدة «بيلد» الألمانية الذي عنون بالتالي: «القاتل الإسرائيلي شيمون بيريز 93 عاماً، شيمون بيريز ذبح الآلاف من الفلسطينيين كان نسخة ثانية عن هتلر».
من المثير للغثيان أيضاً ما صرح به القيادي الفتحاوي يحيى رباح، (فضائية فرنسا 24 ـ 28/09/2016)؛ حيث جاء فيه: «بيريز خدم الشعب (الإسرائيلي) وكان رجل سلام يتمتع بالاحترام لدى الشعب الفلسطيني!!».
في حين أن الصحفي البريطاني روبرت فيسك كتب، مقالاً في صحيفة «الاندبندنت» تساءل فيه عن حقيقة «بيريز» وهل هو حقاً صانع سلام؟ قائلاً: «صرخ العالم «ها قد مات صانع السلام» عندما سمعوا بوفاة شيمون بيريز، لكني عندما علمت بالخبر لم أفكر سوى في الدماء والنار والمذبحة [قانا]».
ولم تمر ساعات قليلة حتى وصف رباح، من انتقده من الشعب الفلسطيني بـ«الحثالة»، قائلاً: «ثلث الشعب الفلسطيني حثالي ينتقدون لإبراز أنهم مناضلين، والنضال ليس هكذا.. إذا أردت أن تكون مناضلاً يجب أن تنحاز الى الشعب الفلسطيني»، متابعاً: «لا أحد ينكر أنه أسس وزارة الدفاع «الإسرائيلية»، وأخذ «جائزة نوبل للسلام»، وشارك بتوقيع اتفاق سلام معنا، ولم يعد هناك أحد لديه وجهة نظره في «إسرائيل»».
لم ييأس المبرراتية فقد انتفض الكاتب الأردني سلطان الحطاب، كاتباً مقالاً غاية في الغربة والسخرية، عنوانه: «أبو مازن.. (ما ضلّ صاحبكم وما غوى)». (جريدة الحياة الجديدة، 04/10/2016). ونحمد الله ان كاتب المقال لم يصل في استنتاجاته الى ان هناك وحياً جاء إلى عبّاس في خلوته في المقاطعة وأخبره بمشاركة العدو أحزانه وأتراحه، لكنا أمام كارثة حقيقية، فقد يضطر حينئذ لتبرير ذلك بتكملة الآية الكريمة {وَمَا يَنْطِقُ عَنِ الْهَوَى «٣» إِنْ هُوَ إِلاَّ وَحْيٌ يُوحَى «٤»}.
على أي حال وصل «عبّاس» قائد مجموعة الاقتحام يرافقه كل من صائب عريقات ومحمد المدني وحسين الشيخ. بعد حصوله على تصريح من العدو الصهيوني يسمح له بالمشاركة في الجنازة. وكان في استقباله رئيس وزراء العدو «بنيامين نتنياهو» وزوجته «سارة» وابنة المقبور «بيريز»، بدء قائد مجموعة الاقتحام «عبّاس» بمصافحة «نتنياهو» وزوجته «سارة» قائلاً له: (Long time no see) فهل كانت هذه إشارة البدء لاقتحام القلعة الصهيونية. والتي على أثرها صافح «نتنياهو» صائب عريقات بحرارة ليبدأ عريقات بتعريف «نتنياهو» بأعضاء الوفد، ليصافح حسين الشيخ، ويتقدم محمد المدني الصفوف مرسوماً على وجه ابتسامة عريضة قائلاً: «شالوم».
ولم ينتهي المشهد بعد، فمن «مسافة صفر» اشتبك قائد مجموعة الاقتحام «عبّاس» مطولاً مع ابنه «بيريز» [العناق الحار بينهما]. وقد كان من ضمن خطة الخداع الإستراتيجية لمجموعة الاقتحام، بكاء قائد المجموعة «عبّاس» في جنازة «بيريز»!! تنفيذاً لفتوى الهبّاش أن «الميت يعذب ببكاء أهله». هكذا تم اقتحام القلعة الصهيونية!!
جلس قائد الاقتحام «عبّاس» في الصفوف الأولى بناء على طلب عائلة «بيريز»، وصعد «نتنياهو» على المنصة مكرراً موقفه السياسي، وألقى التحية على الجميع متجاهلاً عبّاس ومن معه، موجهاً صفعة جديدة لسلطة الحكم الذاتي الإداري المحدود.
وفي نهايةِ المطاف أقول: لم نَرَ قط؛ وعلى الإطلاق؛ أغرب من هذا الدفاع الذي يستهين بدماء شعبنا، تحت مسميات سياسية فاشلة، فهي غرابة تفوق الخيال.