للوهلة الأولى تنصدم من حجم المفاجأة التي حملها ذكرى تاريخ اتفاقية أوسلو اللعين، وتاريخ ذكرى اقتحام زعيم حزب "الليكود" السابق أرئيل شارون باحات المسجد الأقصى، في خطوة استفزازية لمشاعر الفلسطينيين، وضربة في خاصرة ما كان يمهد له رئيس الحكومة الصهيونية آنذاك ايهود باراك والراحل ياسر عرفات من اتفاقية سلام بين الطرفين.
تاريخان حملا مصادفة عجيبة، الأول اصابة رئيس الكيان الصهيوني التاسع شمعون بيريس بجلطة دماغية حادة في الذكرى الـ 23 لتوقيع اتفاقية أوسلو اللعينة، والتي اعتبر بيريس مهندسها لصالح الكيان الصهيوني، ظهر متفاخراً بما أسسه لصالح كيانهم المحتل، من شروط تضمنتها أوسلو أفشلت ما تطلع له الشعب الفلسطيني عندما خاض انتفاضته الأولى ضد المحتل في عام 1987، وكان ممهداً لوأد أي اتفاضة مقبلة، فنجحت أوسلو في خنق الاتفاضة الثانية.
لا داعي لذكر ما آلت إليه أوضاعنا وما تسببتبه أوسلو في حلم دولتنا، فمن يقرأ الواقع الذي نعيشه اليوم، يدرك ماهية أوسلو دون الحاجة لقراءة الاتفاق، تماماً كما كل الفلسطينيين والعرب الذي شاركوا في توقيعه فلم يقرأوا الاتفاقية أبداً، والتاريخ قال ذلك، حتى أن الاتفاقية لم تترجم للعربية، واكتفوا بوجود نسختين بالعبرية والانجليزية لها.
التاريخ الآخر هو تاريخ اليوم الذي بدأ بخبر وفاة مهندس أوسلو بيريس، حيث يصادف الذكرى الـ16 لاقتحام شارون باحات الأقصى واندلاع فتيل اتفاضة الأقصى أو ما عرفت بالانتفاضة الثانية عام 2000، انتفاضة آلت للوأد قبل اشتعالها، لأن أوسلو أسست لوأد المقاومة بكافة أشكالها، وأسست للخنوع.
لا تعتبر اتفاقية أوسلو المذلّة لنا، هي أهم محطات بيريس السياسية التي اتضحت فيها عنصريته وفاشيته، بل يتحدث التاريخ عن جزّار قانا في لبنان عام 1992، وأحد مهندسي العدوان الثلاثي على مصر عام 1956، ومشرعن الاستيطان في الضفة الغربية والقدس المحتلة كركيزة لتثبيت الوجود الاحتلالي على المناطق الفلسطينية، وشغل عدة مناصب سياسية وعسكرية، منها رئاسة الحكومة الصهيونية ووزير للجيش الصهيوني قبل توليه منصب رئيس الكيان الصهيوني، كما تزعم حزب العمل في الكنيست الاسرائيلي، ويعتبر الابن المدلل وأمين سر بن غوروين أكثر الصهاينة تطرفاً وحقداً على الشعب الفلسطيني.
يؤسسون لنكباتنا ويرحلون في ذكراهن، ونبقى على حالنا بل في تراجع مستمر، فلا الساسة يقنعون بحديثنا ولا نحن نقنع بحديث الساسة، شرخ كبير بين الشعب وقيادته، ستودي بنا الى مزيد من التواريخ التي ستحمل ذكريات مؤلمة لنا.