شبكة قدس الإخبارية

أم الشهيد فراس الخضور لا تزال تنتظر رجوعه

ساري جرادات

الخليل - خاص قدس الإخبارية: ما أن ينعم الضيف بزيارة منزل الشهيد فراس الخضور في بلدة بني نعيم إلى الشمال من مدينة الخليل جنوب الضفة الغربية المحتلة، حتى توقفه أمه إلى يمين مدخل منزلهم وتقول له: "هدا حوض النعنع، كان فراس قد قطفه ووزعه على الأهل والجيران قبل أيام من استشهاده، وأخذ معه جزء منه لأساتذته في المدرسة".

الشهيد فراس الخضور ولد في 18/1/1999، كان يحب قضاء أوقاته في الهواء الطلق في البرية وعلى مشارف بلدته والتي توصل بلدته بحدود مدينة أريحا، كما كان يحب تربية الأغنام والدواجن وفي بعض الأحيان كان يصطحبها عبر سيارته التي نفذ بها عمليته إلى البرية لشدة حبه لها.

14445726_883836025082475_1044059213_n

حديث الذكريات

تجلس هالة الخضور والدة الشهيد فراس متكأة على أكوام الذكريات التي ربطتها بفلذة كبدها طوال 18 عاما، لم تتنهد أو تواجه صعوبة في الحديث عنه، كونه اختار طريقة موته المبنية على أسلوب مواجهة الأعداء، بعدما ملأ كراس حياته وكتبه المدرسية بأن "الاحتلال إلى زوال وشعبنا باق هنا".

تقول السيدة هالة لمراسل "قدس الإخبارية": "مند اللحظة الأولى لولادة ابني الشهيد فراس شعرت بشيء ما لم أستطع التنبؤ به طوال حياته، نقول عنه نحن باللهجة العامية الدارجة "مش ابن حياة"، كوني ولدته ولم يكن مكتمل القوام وكبر وبنيته الجسمية صغيرة لكن كان يصارع أصدقاءه وإخوانه وكان دوما يرديهم أرضا".

تضيف، "لم يكن عنيفا، بل كان ودودا جدا، ترك لكل من عرفه ذكرى جميلة، كان يترك دراسته ويستغني عن وقته الخاص ويذهب لمساعدة الجيران في أعمال البناء لمنازلهم أو قطاف محاصيلهم الزراعية، سهر ليلة كاملة عن والده قرب نعجة وضعت خروفين على الرغم من أنه لم يتجاوز وقتها 14 ربيعا".

تستدير ابتسامة واسعة على وجه أمه، وهي تحاول أن تتذكر أبرز محطات حياة ابنها الشهيد، لتقف بها الذاكرة على آخر رحلة عائلية إلى البرية فتقول: "ذهبت كل عائلتنا للبرية برفقة بيت عمه يوسف، قبل يوم واحد من تنفيذه لعمليته".

تتابع، "وصلنا المكان المراد ليلا، وقام بالشوي، وفجأة بعدها طلب ابني الشهيد من شقيقه أن يحمله كونه عريس، ضحكنا كثيرا ولشدة إلحاحه حمله شقيقه محمد، وطلب من والده أن يضع أغنية "هاتوا الحنة للعريس"، ورقص ودبك بصورة غريبة جدا، لم يكل أو يتعب".

تكمل حديثها، "بدأ يمثل علينا أنه يوزع علينا الحلو وينثر باتجاهنا الورود، ثم راح يمثل دور الأسير المحرر، وجاء يسلم علينا فردا فردا ونحن مغمورون بالفرح والضحك، وعانقني مطولا إلى أن طلب منه البقية بتركي، وافق لكنه وعدني أن يعود ليعانقني مرة أخرى، لكنه لم يعد".

وتتابع، "كان نشيطا ويحب الاستفاقة من نومه باكرا، كان يتأخر في النوم ودائما يضع في أذنيه  سماعات ويستمع للقران الكريم، وزين خلفية جهاز الكمبيوتر الخاص به بصورة ابنة خالته الشهيدة "المجد الخضور" التي نفدت عملية دهس قبل ثلاثة شهور".

14429261_883836038415807_181143974_n

حديث الأشقاء

مريم شقيقته الصغرى تروي لمراسلنا، "تأخرت عن صلاة الفجر في أحد الأيام، قال لي عليك بالنية الصادقة لله أن يعينك على الاستفاقة لأداء صلاة الفجر وستلاحظين الفرق، والحمد لله من يومها وأنا مواظب على صلاة الفجر مع موعدها، وكان يساعدني في شتى الأعمال المنزلية".

تتوقف قليلا والدة الشهيد لتسلم على وفد نسائي من سيدات البلدة جاء لمساندتها وشد عزيمتها وأزرها، وعادت لتضيف، "صباح يوم الجمعة قام باكرا كعادته، شاورته إن كان يريد مني تجهيز وجبة الفطور له، فرفض، استحم وجلس في غرفته، وبعدها أخبرني أنه خارج لإرسال كتاب لزميل له".

تروي شقيقته شيرا لمراسلنا: "لم يكن يتوانى عن تنفيذ أي مهمة أطلبها منه، لم نتشاجر طوال الحياة، أشعر بأنه لا زال يسير في البيت، وصدى صوته وصداه يملأ أذني، لم أستطع أن أتخيل حياتي بدون فراس، فراس الإنسان الطيب الحنون الخدوم المحب للحياة".

شقيقه الصغير محمد يقول لمراسلنا: "صلينا في المسجد سويا، وبعد الانتهاء وفي طريق العودة لمنزلنا صادفه أحد أصدقائه، فطلب منه مرافقته لبيتنا ليمنحه كتابه، وطوال الطريق وهو يتمتم ويبتسم، ربما كان يصلي لربه ليعجل لقائه به، نحتسبه عند الله شهيد".

بقي حتى آخر اللحظات له في البيت، أغلق باب غرفته ورفع صوت القران الكريم، كأنه يوجه رسالة لأهله أن استمعوا له وأنصتوا فبعد كلام الله سيحين كلام الشهداء الأشداء على الإعداء، بعد أن أخدت هالة شهيقا عميقا من الهواء القادم من غرفة ابنها الشهيد فراس".

قلب الأم

00000000000000000000000000000000000000000000000000000000000

قالت: "كل شيء كان يسير على ما يرام، سمعت طرقا للباب، فشعرت بجدران قلبي أرسلت لي أشارات غريبة، كانت ابنة أختي تريد سؤالي عن فراس فأخبرتها أنه غير موجود، وعن رغد سألتني فزادني الأمر سوءا، اندفعت لتخبرني بالقصة فغادرت درجات البيت بسرعة خاطفة".

تتابع، "دقائق معدودة وتلقى زوجي اتصالا من زوج اختي والد الأسيرة المصابة رغد والشهيدة المجد، يستفسر عن فراس والسيارة، أخبره زوجي أنها غير موجودة، فقال له: "العوض براسكم فراس ورغد نفدوا عملية على محطة كريات أربع واستشهد فراس والحمد لله في حين أصيبت رغد بجراح".

لم يتبقى أن تضيف شيء، كل ما تريده توديعه ودفنه بطريقة تليق بالشهداء الكبار، حاولت أن تستجمع ولو قليلا من الوقت القاتل للفراق، والمغيب لأغلى الناس وأحبهم للقلب وأقربهم للروح، لكنها فلسطين على حد وصف والدته التي تقول: "يطيب في سبيل تحريها الغالي والنفيس، وكم سيلزمنا من الشهداء لنتحرر ونطهر قدسنا وأقصانا من دنس الاحتلال اللعين؟.

وصية الشهيد فراس

%d9%88%d8%b5%d9%8a%d8%a9