شبكة قدس الإخبارية

حليمة ورفيقاتها.. عُدن للبحر بعد 78 عامًا

دعاء نوفل

رام الله - خاص - قدس الإخبارية: "عمتي حليمة أمام بحر يافا بعد 78سنة من رؤيتها له وهي طفلة لأول مرة، أيام البلاد خلعت حذاءها، لعبت بالموج كالأطفال، حدقت كثيرا في البحر، وسقط من فمها كلام لم أفهمه، كلما سألتها ماذا قلت عمتي، ردت: ولا اشي ولا اشي يا عمتي. داخل السيارة في الطريق إلى رام الله قالت لي ولطارق بكري: ليش ما خليتوني كمان اشوي في البحر يا عمتي... بكى طارق، ولم أجب أنا"

هكذا وصف الكاتب الفلسطيني زياد خداش رحلة عمته حليمة ورفيقاتها، إلى البحر بعد 78 عاما على زيارتهن الأخيرة له، السيدات الثلاث "نعمة وفاطمة وحليمة"، عدن بذاكرتهن إلى أيامٍ كن يلهون فيها بمياه البحر الممتلئة بكل الحب والحياة والأمل.

تقول السيدة حليمة خليل خداش (80 عاما): "أنا لم أره إلا مرة واحدة في حياتي، كنت حينها في الثالثة من العمر، حيث نظرت من نافذة غرفة أخي ورأيته، فقلت لأمي ما هذا، وقالت إنه البحر تعالي لأخذك إليه، حينها لم أصدق جمال ما رأيت وقررت أن أزوره دوما، لكني لم أكن أعلم أن الزيارة التالية له ستكون بعد78  عاما".

14429460_1771921079747980_670417359_n

يعود أصل السيدة حليمة إلى قرية بيت نبالا قرب الرملة في الأراضي المحتلة عام 1948، التي تعرضت لحملة ابادة جماعية خلال النكبة الفلسطينية، وهجرعلى إثرها سكان القرية ودمرت بشكل كامل، ولم يبقى منها إلا بقايا بعض الأسوار. زارت حليمة  قريتها المدمرة باحثة عن بيتها القديم "بيتها الأول"، برفقة المصور طارق البكري، والكاتب زياد خداش، في  قرية لم يبقى منها ما يذكر بأهلها سوى حنينهم لها، حاولت جاهدة البحث عن بيتها في كومة الأشواك والأرض المستوية لكن دونما نتيجة، إلى أن اصطدمت صدفةٌ في بئر ماء، بجواره أربع أبار أخرى، حينها قالت لهم: "هنا منزل أهلي بجوار هذا البئر"، ولم يروا من القرية سوى كومة إسمنت صغيرة، متبقية  من إحدى أسقف بيوت القرية.

14355536_1106995299393402_5868171647470213075_

14344852_1107047379388194_1695921622467988830_

14344047_1107061106053488_4496123872621468625_

ذهبن ليرمين حزنهن في البحر..

14397955_1771921086414646_1294647648_n

بعد كل هذا الزمن عادت السيدة حليمة  لترى بحر يافا مجددا، وقد نزعت عنها ثوب العمر والحدود ولم تبقي سوى براءة الأطفال، وحنينهم لأول مكان عاشوا فيه، كانت تداعب الماء وكأنه طفل صغير تحبه ويسعدها، لم تستطع التعمق أكثر في البحر خوفا من أن تنزلق، رغم فرحها الكبير الذي قاطع جملة خوفها وهي تقول: "كنت بدي ادخل لجوا عند البنات بس خفت أتزحلق".

تناولت السيدة حليمة غداءها قرب البحر، فقد قالت: "أكلنا سمك، هو في حدا ما بحب سمك يافا، وجبت معي من بيت نبالا صبر للذكرى، لإنها بلدنا مشهورة بالصبر".

14370222_1107061252720140_1089235752225626219_

"لا أمنية لي الأن سوى أن أدفن في بلدتي، فهي وحدها وطني، ولا أبدلها بقصور الأرض، فادعو الله أن يرزقني الموت في أرضي حيث كانت، فقد رحلنا مرة واحدة وبقينا عالقين لا نستطيع العودة"، هكذا ختمت حليمة حديثها لـ "قدس الإخبارية"، وهي واقفة داخل حديقتها الصغيرة بمخيم الجلزون قرب رام الله.

14408856_1771921386414616_1717210805_n