فلسطين المحتلة- قُدس الإخبارية: كشفت وثائق نادرة من الأرشيف العثماني عن قصة بيع أملاك المسلمين لليهود في فلسطين، وذلك في نهايات القرن التاسع عشر، حيث تعود الوثيقة التاريخية إلى العام الميلادي 1893.
وتوضح الوثائق التي رفعها عدد من أهالي البلقاء "شرق الأردن" وحيفا بفلسطين، وبيروت بلبنان، رسالة إلى السلطان العثماني يحذرون فيها من تسرب الأراضي العربية في فلسطين إلى اليهود «الأجانب» بتواطؤ من بعض الولاة والمسؤولين والاقطاعيين، حيث جاء فيها ما يلي:
" إخبارية صادقة نرفقها إلى مقام مولانا الخليفة
نحن الذين غمرتنا الدولة العلية العثمانية أبًا عن جد بالإنعام والإحسان الجزيل، وبدافع من الشعور والإحساس الوجداني، وبما جبلنا عليه من الفطرة والحمية الدينية والوطنية، نعتبر أنفسنا مسؤولين ومطلوبين بالإخبار عن كل تصرف أو تحرك يخالف رضا مولانا السلطان في أي جهة من جهات الممالك العثمانية المحروسة، فنحن في الأصل من أهالي البلقاء وحيفا وبيروت، عندما كنا موظفين مستخدمين في لوائي عكا والبلقاء سمعنا وعلمنا من مصادر موثقة ومؤكدة ارتكاب بعض المسئولين في قضاء حيفا التابعة للواء عكا بعض الأعمال التي تتنافى والرضا العالي لمولانا ظلّ الله في الأرض. وقد وجدنا في أنفسنا الجرأة لعرضها فيما يلي
ومن المعلوم لدى الجميع بأن إدخال اليهود الأجانب من رومانيين وروس وإسكانهم في الممالك المحروسة بشكل عام وفي بلاد فلسطين بشكل خاص وتمليكهم للأراضي ممنوع منعا باتا بموجب الإرادة السنية لحضرة مولانا السلطان.
ولكن وبدافع من المنافع والمصالح الشخصية من البعض والأفكار الفاسدة والمناوئة للبعض الآخر حدث في العام الماضي ألف وثلاثمائة وستة الموافق (1890) بتوسط من موسى خانكر وماير زبلون اليهوديين الروسيين المقيمين في بلدتي يافا وحيفا وهما من رجال البارون هيرش، اتفق متصرف عكا صادق باشا عندما كان قائمقاما ومتصرفا هناك مع قائم قام حيفا السابق مصطفى القنواتي، والحالي أحمد شكري ومفتي عكا علي أفندي ورئيس بلدية حيفا مصطفى أفندي وعضو مجلس الإدارة نجيب أفندي، على إدخال وقبول مائة وأربعين عائلة يهودية طردوا من الممالك الروسية في قضاء حيفا، وعلى بيع الأراضي التي يملكها والي أضنة السابق وشقيق المتصرف المشار شاكر باشا وسليم نصر الله خوري من أهالي جبل لبنان حيث كانوا اشتروها بألف وثمانمائة قطعة ورقية من فئة المائة في الخضيرة ودردارة والنفيعات لليهود المذكورين بثمانية عشر ألف ليرة، مع إعطاء المأمورين المذكورين ألفي ليرة مقابل تعاونهم لتحقيق ذلك.
وبعد ذلك وفي إحدى الليالي أنزل اليهود المذكورون من السفينة إلى الساحل تحت إشراف مأمور البوليس في حيفا عزيز ومأمور الضابطة اليوزباشي علي آغا، وتم توزيعهم في نواحي القضاء. ثم قام رئيس بلدية حيفا مصطفى أفندي دون أن تكون له أي صلاحية وفي أمر يحتاج إلى إرادة سنية سلطانية بتنظيم رخص مزورة بتاريخ قديم وإحداث مائة وأربعين منزلا إلى الأراضي المذكورة وتحويلها على قرية وإسكان اليهود فيها وتنظيم سجل ضريبي قبل أن يكون هناك أي شيء وإعطاء هؤلاء اليهود صفة رعايا الدولة العثمانية من القدم ويقيمون في تلك القرية.
ولم يبق الأمر عند هذا الحد بل كان الادعاء بأن هؤلاء كانوا من أتباع الدولة العلية وولدوا في قضائي صفد وطبريا ويقيمون في القرية المعروفة بمزرعة الخضيرة، وأنهم لم يكونوا مسجلين في سجلات النفوس، فأجريت بحقهم معاملة المكتومين، وتحصيل غرامة قدرها مجيدي أبيض واحد " أي ست مجيديات" من كل من له القدرة على الدفع، وإعفاء من لا يملك القدرة على الدفع، واكتملت المعاملة بأسرها في يوم واحد فأصبحت لهم صفة قدماء الأهالي فيها.
وقبض وكيل المشار إليه شاكر باشا مفتي عكا علي أفندي وسليم نصر الله خوري من جبل لبنان ثمانية عشر ألف ليرة قيمة بيع تلك الأراضي، دون أي اعتبار لمصالح الأمة والوطن، ولمجرد تأمين أسباب الراحة وتحقيق الأطماع الفاسدة لهؤلاء اليهود الذين طردوا وأبعدوا من الممالك الأجنبية. إن ما حدث لا يمكن كتمه او إنكاره كما أن ذلك ثابت من خلال المعاملات الجارية في سجلات الدوائر الرسمية في عكا وحيفا. وأغلب ظننا بأنه سبق وأن قدم بعض الذوات الثقاة معلومات حول الموضوع، ويمكن الاستعلام بالوضع من متصرفيات نابلس والقدس المجاورتين لعكا وحيفا للتأكد من صحة ما أبلغنا به، ويمكن بهذه الطريقة التحقق من صحة ما نقول من قبول وإنزال اليهود كلما مرت سفينة في ميناء حيفا.
وفيما عدا هذا فإن قرية زمارين التي يملكها ويحكمها اليوم البارون روتشيلد ويبلغ عدد بيوتها حوالي سبعمائة تعج باليهود، توفي مالكها في وقت سابق بلا وارث وعندما صدر الإعلام الشرعي بوجوب تسجيل القرية المذكورة في دفتر الشواغر، بيعت بطريقة من الطرق لليهود، وبغية توسيعها وزيادة أهميتها تم تمليك ثلاث قرى بالتتابع وهي، اشفيا وأم التوت وأم الجمال، وإلحاقها بزمارين.
وتسهيلا لإجراء ما يلزم لتحقيق هذا النوع من الطلبات اللاحقة اشترى اليهود من صادق باشا المشار إليه أراضي خربة لا تتعدى قيمتها ألفين أو ثلاثة آلاف قرش بألفي ليرة ليشتروا بعد ذلك الأراضي المهمة على الساحل بين حيفا ويافا وتعرف بخشم الزرقة وتحد الأراضي السنية وتزيد مساحتها عن ثلاثين ألف دونم، إذا فرضنا أن قيمة الدونم الواحد ليرة واحدة تكون قيمتها ثلاثين ألف ليرة، اعتبروها خمسة آلاف دونم وباعوها بخمسة عشر ألف قرش أي الدونم الواحد بثلاثة قروش، بيعت ليهود زمارين التي سبق ذكرها، وهو أمر يستغربه كل إنسان.
إلى جانب ذلك فإن القسم الأعظم من المكان المعروف بجبل الكرمل ذي الأهمية لدى الدولة أي أكثر من خمسة عشر ألف دونم بيعت بالحيل والطرق الملتوية من قبل رئيس البلدية مصطفى الخليل وعضو الإدارة نجيب الياسين إلى رهبان دير الكرمل باسم فرنسا، ونظرا للغيرة والمنافسة الحاصلة من رعايا دولة ألمانيا تجاه الرهبان، تمكن هؤلاء أيضا من الحصول على عشرة آلاف دونم من الأرض بسعر متدن جدا، ولم يمض وقت طويل حتى ظهر منافس آخر ثم تم تمليك سيدة تعرف بالست الإنكليزية وبتوسط من القنصل الإنكليزي في حيفا المستر سميث خمسة آلاف دونم من الأرض لقاء سكوتها على بيع تلك الأراضي للآخرين.
وقاموا جميعا بإنشاء مبان وكنائس كبيرة عليها، على إثر ذلك وبمبادرة من متصرف عكا زيور باشا انتخب قائمقام الناصرة السابق وكيلا للحكومة السنية، فأقام في عهد رئيس محكمة البداية في حيفا محي الدين سلهب الطرابلسي دعوى ضد الأجانب المذكورين بطلب استعادة تلك الأراضي، ووصل كسب القضية مرحلة شبه نهائية، ولكن وردت برقية سامية في الأمر بتعطيل كافة المعاملات المتعلقة بهذه الدعوى ونقل المرحوم زيور باشا إلى القلعة السلطانية (حناق قلعة).
وبذلك أصبحت شواطئ البحر وجبل الكرمل وتلك الأراضي والمناطق المهمة التي تفتدى كل حفنة من ترابها بالروح بيد الغاصبين الأجانب بدعوى التقادم. ويقوم الآن الإيراني عباس المنفي حاليا في عكا الذي يحقق كل شيء يريده بفضل ثروته ونفوذه بالتفاهم مع رئيس بلدية حيفا مصطفى وعضو المحكمة الحالي نجيب بسلب أراضي العاجزين والفقراء من الأهالي بأثمان بخسة ليقوموا بعد ذلك بتهيئتها وبيعها بأثمان فاحشة لليهود والأجانب الآخرين لتحقيق مصالحهم الشخصية.
بقي أن نقول بأن هؤلاء اليهود بفضل المال الذي بذلوه صاروا مرعيي الخواطر، فصاروا يسومون الأهالي المسلمين في القرى المجاورة لليهود أبشع أنواع الظلم، كما تسلطوا على أعراض النساء. وفي عهد المدير السابق لناحية قيصاري علي بك الشركسي وصلت إخبارية بأن اليهود في زمارين يقومون بتزوير العملات، فتوجه المتصرف إلى قراهم للتحقيق في هذه المسألة وغيرها من المسائل وبدافع الاستبداد والتحكم ضرب المدير المذكور وأهانه ولجأ إلى بعض الوسائل النفسية لعزله من منصبه.
وقد استغل يهود زمارين تراخي بعض المسؤولين المحليين معهم فحبسوا الرجال وقاموا بتعذيبهم، كما يقومون الآن بتخزين مختلف أنواع الأسلحة والذخائر، كما بنوا مدرسة ضخمة لتدريس مختلف العلوم، وقد لجأنا إلى الإخبار عن كل هذا آملين أن تتخذ الوسائل الكفيلة لوضع حد لمثل هذه الأعمال والأمر لحضرة من له الأمر.
15 أغسطس (آب) 1893م"