شبكة قدس الإخبارية

"فيسبوك" و"إسرائيل".. القاضي والجلاد

نسرين كمال الخطيب

الصحفي جلين جرينوالد - ترجمة خاصة - قدس الإخبارية: أثارت سياسة الرقابة التي يتبعها "فيسبوك" جدلًا في الآونة الأخيرة، وبدأ الأمر عند حذف الموقع لجميع المنشورات التي تحتوي صورة "فتاة النابالم" الفيتنامية الشهيرة لأنها تنتهك الحظر الذي يفرضه الموقع على الصور التي تُظهر "عريّ الطفل"، اعترض العديد على هذا القرار لأن الصورة ذات أهمية تاريخية وعالمية، ومنهم رئيس وزراء النرويج الذي أعاد نشرها على حسابه لكن الموقع أزالها، وعلّق "فيسبوك" عقب موجة الغضب بأن الأهمية التاريخية للصورة تخص فترة معينة من الزمن.

من جانب آخر، يرى محللون أن تحكُّم شركات خاصة مثل "فيسبوك"، "تويتر"، و"جوجل" بما نستطيع نشره ورؤيته، له مخاطر كبيرة.

فيسبوك تتعاون مع الاحتلال ضد الفلسطينيين

امتدت جهود فيسبوك في الرقابة مؤخرًا لتشمل المحتوى الفلسطيني، وجرى اتفاق بين الشركة وحكومة الاحتلال قبل أسبوع تقريبًا، لمناقشة كيفية إيقاف "التحريض" الفلسطيني ضد الاحتلال على مواقع التواصل الاجتماعي.

 ويأتي هذا الاتفاق في ظل جهود تبذلها حكومة الاحتلال لاتخاذ خطوات تشريعية تجبر شبكات التواصل الاجتماعي على منع نشر المحتوى الذي تراه "محرّضًا على العنف.

ستتركز جهود "فيسبوك-إسرائيل" على مراقبة المحتوى العربي والمسلم والفلسطيني بشكلٍ خاص والذي يعارض سياسات الاحتلال، لأن حكومة الاحتلال ترى "التحريض" على مواقع التواصل الاجتماعي هو ما أشعل لهيب الإنتفاضة في الضفة والأراضي المحتلة منذ العام الماضي، لذلك بدأت سلطات الاحتلال بمراقبة منشورات الفلسطينيين على الشبكة وخاصة موقع "فيسبوك" وشن حملات اعتقال بحق مستخدمي مواقع التواصل الإجتماعية بتهمة "التحريض".

وتتفاخر وزيرة القضاء الإسرائيلي ايليت شاكيد، وهي على رأس اللجنة التي تشرف على الاتفاقات مع "فيسبوك"، باستجابة الموقع لـ95% من مطالب الحذف والحجب التي قدمتها حكومتها، فيما كانت شاكيد قد استخدمت ذات الموقع سابقًا لنشر بيان تحريضي ضد الفلسطينيين، ولم يقم الموقع بحذف أو حجب ما نشرته.

هل الفلسطيني وحده من يحرض عبر "فيسبوك"؟!

و تتركز إجراءات الرقابة على المحتوى الفلسطيني، من الطبيعي جدًا لدى الإسرائيليين أن يستخدموا "فيسبوك" للتحريض على العنف ضد الفلسطينيين، وبما في ذلك المستوطنين الذين عادةً ما ينادون بالانتقام عبر شبكات التواصل في حال تعرض إسرائيلي لهجوم، تقول صحيفة واشنطن بوست في تقريرٍ أصدرته مؤخرًا: "تمثل شبكات التواصل الاجتماعي مشكلةً للفلسطينيين أيضًا، بقولهم أنها تتيح الفرصة للإسرائيليين لنشر كرههم وتحريضهم على العنف وعنصريتهم ومواقفهم المنحازة ضد الفلسطينيين".

في عام 2014، استخدم آلاف الإسرائيليين موقع "فيسبوك" للمناداة بقتل الفلسطينيين، كما أنه عندما تم اعتقال جندي إسرائيلي لإطلاقه النار على فلسطيني جريح وقتله العام الماضي، لجأ جنود آخرون إلى موقع "فيسبوك" لنشر منشورات تشيد بعملية القتل وتبررها، لا يقتصر الأمر على المستوطنين والجنود، بل إن السياسيين الإسرائيليين يتّبعون نفس الممارسات، مثل ايليت شاكيد وبنيامين نتنياهو ووزراء آخرين.

وذكرت الجزيرة في تقريرٍ لها عام 2014، أن المنشورات التي تدعو للكراهية والعنف والتي ينشرها الإسرائيليون على مواقع "فيسبوك" و"تويتر"، ظهرت آثارها على أرض الواقع في شوارع القدس حيث تسبب إسرائيليون بممارسات عنف وفوضى، وانتشرت مقاطع فيديو تُظهر هذه هتافات تطالب بموت العرب، إضافةً إلى مقطع لمستوطن في "تل أبيب" يهاجم فلسطينيًا ويهتف: "العرب الحثالة، العرب الحثالة قتلة الأطفال"، ومقطع آخر لقوات الاحتلال وهي تهاجم فتى فلسطيني-أمريكي مكبَّل اليدين، إن مقاطع الفيديوهات هذه جعلت الكثير يتساءل: من الذي يحرَّض ضد هذه الفوضى بالفعل؟

هل لأحدٍ أن يتوقع قيام "فيسبوك" بحذف أي منشور لمسؤول إسرائيلي ينادي بالعنف والتعذيب ضد الفلسطينيين؟ أم هل يستطيع فيسبوك حذف منشورات لأمريكيين، أو أوروبيين غربيين ينادون بشنّ حروب عنيفة ضد بلاد المسلمين، أو ضد من ينتقدون ويعارضون الغرب؟ هذه التساؤلات تجيب نفسها، فيسبوك شركة خاصة تسعى لزيادة أرباحها، لذلك عند تعاملها مع مصطلحات مثل "خطاب الكراهية"،  و"التحريض على العنف" فهي تأخذ المعنى الذي يرضي أصحاب القوى الأكبر في العالم، لذلك من غير المعقول أن تتخذ فيسبوك أي إجراء تجاه منشورات العنف والتحريض التي تصدر من هذه الجهات.

يُعتبر موقف "إسرائيل" من موقع "فيسبوك" عدوانيًا فيما يتعلق بلومها للموقع على ما تصفه بـ"موجات العنف" وإجبارها له على فرض رقابة على المحتوى الذي يزعجها، ويُذكر أن عائلة إسرائيلية  قُتل ابنها بوساطة فلسطينيّ رفعت دعوى ضد "فيسبوك" لادعائها بأن الموقع ساهم في تسهيل تلك الهجمات، وادعى إسرائيليون آخرون بأن "فيسبوك" منحاز ضد إسرائيل في سياسته الرقابية.

مما لا شك فيه أن مثل هذه الشركات الإلكترونية تتمتع قانونيًا بحق فرض الرقابة على المحتوى المنشور على منصاتها، لكن هذا الحق، ولا نبالغ بقولنا أن "فيسبوك" هو القوة الأكثر سيطرة على الصحافة في العالم، ولذلك لا نستغرب تعامل الحكومات معه ليفرض رقابة على منشورات معارضيها، وكما هو الحال فيما يتعلق بمسألة الرقابة على الإنترنت في كثيرٍ من الأحيان، لا يشعر الناس بالسخط والحنق تجاهها حتى تبدأ بقمع الآراء التي يتفقون معها.

وُجد الإنترنت لتسهيل التواصل بين الناس وليكون منصة للتعبير عن الآراء بحرية تامة، وهذه هي الغاية والفائدة المرجوّة منه، ولا يوجد ما يتناقض مع هذه الغاية أكثر من الاتفاق الحاصل بين "إسرائيل" و "فيسبوك" ليقررا ما ينبغي على الفلسطينيين التعبير عنه.

المصدر | theintercept.com