شبكة قدس الإخبارية

الإعتراف الوحيد.. بلال عجارمة

شذى حمّاد

رام الله - خاص قدس الإخبارية: الدقيقة السابعة بعد الواحدة ظهر السابع من أيلول، وبينما الهدوء يسود المكان، ولا يوجد ما يثير الشكوك، دخل بلال مقهى الانترنت للمرة الأولى منذ شهور طويلة، مباركا لأشقائه افتتاحهم للمقهى، ليحدث ما لم يكن في الحسبان حينها.

الوحدات الخاصة في جيش الاحتلال وخلال لحظات لا تكاد تعد، حاصرت مقهى الانترنت في بلدة سلواد شرق رام الله، ليقع بلال سالم عجارمة (٢١ عاما) في قبضتها بعد عامين من المطاردة المتواصلة، والكر والفر، ويجتمع اليوم أيمن بأطفاله، تزامنًا مع الذكرى الرابعة عشر على اعتقال شقيقه بلال، محدثهم عن بطولة عمهم الذي يحمل أحدهم اسمه مفتخرا.

"كانوا يحتجزون شقيقي محمد حينها وقد أخبروه أنهم لن يتركوه إلا باعتقالهم بلال، الذي لم نستطع التعرف على ملاحمه حينها، فقد اعتدوا عليه بالضرب المبرح" يروي أيمن.

عامان كاملان من المطاردة المستمرة، اقتحام البيت بشكل متكرر وعنيف، واقتحام النادي الرياضي الذي كان يرتاده بلال، إلا أنه لطالما نجح بالفرار من قبضتهم، "ثلاث مرات اقتحموا النادي، وفي كل مرة كان ينجح بالهرب، وفي المرة الثالثة سقط وكسرت قدمه... لم يكن يستقر أبدا، يغير باستمرار مكان اقامته في رام الله، ولا يأتي للمنزل إلا قليلا ولساعات محدودة"

ويروي أيمن، أن شقيقه بلال سقط مرة في كمين لجيش الاحتلال، وعندما دفعوه لوضعه في الجيب العسكري، تمكن من الفرار  مرة أخرى، إلا أنهم صادروا مركبته وكل ما كان فيها.

٩٦ يوما وبلال يخضع لتحقيق عسكري قاس، نقل خلاله ثلاث مرات إلى مشفى هداسا في مدينة القدس، حيث كان يُشبح لساعات طويلة، ويُعتدى عليه بالضرب المبرح، كما اتبع المحققون أسلوب الضغط على وريده بشكل متواصل حتى يفقد وعيه.

"الكل يعرف من هو بلال، ويشهد لصموده داخل التحقيق .. بعد ٤٠ يوما انتزعوا منه اعترافا باسمه كاملا ولم يستطيعوا انتزاع غير ذلك منه" يؤكد أيمن.

14269533_1083227828399778_270330992_n

أربع سنوات ونصف..  حكمت محكمة الاحتلال على بلال، وما أن أمضى عدة شهور بعد الحكم، حتى انتزع الاحتلال من معتقلين جدد اعترافات جديدة تدين بلال، ويوضح أيمن أن شقيقه بلال نقل إلى التحقيق مجددا في سجن عسقلان، عقب الإعترافات الجديدة، حيث قضى هناك ١٤ يوما.

السجن المؤبد.. حكمت محكمة الاحتلال على بلال، بعد إدانته بقتل مستوطنين، والمشاركة في إعدام عميلين، إضافة لعمليات إطلاق نار نفذها في شارع "٦٠" الاستيطاني، والتي بلغت (١٧ عملية)، وأيضًا مشاركته في عمليات التصدي لاقتحامات واجتياحات مدينة رام الله منذ عام ١٩٩٩ ليقضي من الحكم (١٢ عاما)، قبل أن ترد المحكمة استئنافًا، تقدمت به العائلة لترفع الحكم إلى مؤبدين و٢٠ عاما.

"مرضت أمي ودخلت المشفى، كانت وأبي يعيشان على وعودات المحامين أن بلال سيعود اليوم أو غدا، دفعا ما يقارب ٣٥ ألف دولار للمحامين إلا أن ذلك لم يفض لنتيجة"، ويؤكد أيمن أن ما صدر من حكم بحق بلال لم يأت بناءً علي اعترافاته هو، فهو صمد ولم ينتزع من فيه أي اعتراف.

14256428_680742318749282_444417409_n

نضاله داخل السجون..

الاحتلال واصل عمليات الانتقام من بلال، فلا تمر شهور دون أن ينقل من سجن إلى آخر كعقاب له على وقوفه بوجه إدارة سجون الاحتلال، ويروي أيمن، أن شقيقه بلال نُقل إلى العزل الانفرادي أكثر من ١٠ مرات.

فبلال أحد نشطاء كتائب شهداء الأقصى لم يكل يوما أو يستسلم حتى داخل سجون الاحتلال، معلنا تحديه المستمر لإدارة السجون ورفضه ما ترتكبه بحق الأسرى وخاصة الكبار بالسن.

ويبين أيمن أن شقيقه بلال نال شهادتي الثانوية في الفرعي الأدبي والعلمي، وحاول مرتين الالتحاق في جامعة الأقصى وجامعة القدس المفتوحة، مشيرا إلى أنه يواظب على ممارسة الرياضة أربع ساعات يوميًا.

"بلال لاعب كمال أجسام، بنيته الجسمية قوية وهو ما يجعل قوات "النحشون" خلال نقله بين السجون تضييق عليه كثيرا"

في ٢٨ نيسان توفيت والدة بلال قبل أن يتحقق حلمها برؤيته، "كانت تزوه، إلا أنه تم منعها كثيرا من زيارته تحت ذريعة لا يوجد صلة قرابة ... بعد اعتقاله بقيت حزينة ومريضة وامتنعت عن حضور المناسبات".

أيمن محروم أيضا من زيارة شقيقه منذ اعتقاله، وخاصة أنه أسير محرر، قضى في الاعتقال ثلاث سنوات، يروي عن والده، "في السنوات الأولى من اعتقال بلال، كان في سجن هداريم كما كان محرومًا من الزيارة .. كان والدي يبقى جالسا مستمعا للراديو عسى أن يأتيه أي خبر عن بلال".

أشقاء بلال وشقيقاته تزوج معظمهم وشقيقهم في سجون الاحتلال، ليحرموا من أن يكون بجانبهم يشاطرهم لحظات ساعدتهم وحزنهم، إلا أن الأصعب من ذلك، وأشد قسواة، حسب تعبير العائلة "أصعب ما مر علينا نقل خبر وفاة الوالدة لبلال، حملنا هذه المسؤولية للأسرى الذين حاولوا التمهيد له .. إلا أن الخبر كان ضربة قاسية جدا على بلال"، رغم ما تحمّله بلال خلال مطاردته وبعد اعتقاله، إلا أن خبر وفاة والدته ما كان يحتمل، "ما أن سمع الخبر حتى أغمى عليه، وأصابه انهيار فيما بعد ... فقد ٢٥ كيلو من وزنه ... كان يحمل نفسه مسؤولية وفاة الوالدة ثم الوالد عام ٢٠١٦".

رغم الحكم الذي ضاعفه الاحتلال بحق بلال لمؤبدين و٢٠ عاما، إلا أنه لم يفقد الأمل بالتحرر يوما، ليرسل مؤخرا صورة لأشقائه من داخل السجن، لمنزله الذي يحلم أن يبنيه، مطالبا أشقائه بالتفكير بمشروع يعملون عليه سويا بعد تحرره.