رفعت مجموعة متكونة من منظمات إسرائيلية غير حكومية دعوى قضائية في المحكمة العليا الإسرائيلية ضد الصندوق القومي اليهودي بسبب دوره في التأثير على قرار الحكومة الإسرائيلية في استغلال الأراضي.
تأسس الصندوق القومي اليهودي في سنة 1901، بهدف شراء الأراضي الفلسطينية لإلحاقها بالمستعمرات الإسرائيلية. وفي وقت لاحق، اندمج الصندوق القومي اليهودي في النظام المتّبع لدى سلطات الاحتلال، رغم محافظته على صبغته الخاصة، باعتباره منظمة غير حكومية. وكانت هذه المنظمة تتحكم في ذلك الوقت في مساحة تمثل 13 في المائة من جملة الأراضي وفقا لحدود ما قبل 1967.
تطالب الجهات التي رفعت الدعوى بإلغاء تمثيل الصندوق القومي اليهودي في "مجلس أراضي إسرائيل"، الذي يعتبر الهيكل الحكومي المسؤول عن إدارة موارد الأراضي العامة، حيث يشترط نظام سلطات الاحتلال الحالي أن يكون 6 من بين 14 عضوا في مجلس أراضي "إسرائيل" أعضاء في الصندوق القومي اليهودي.
وذكر مركز "عدالة" الذي يدافع عن حقوق الأقليات العربية في "إسرائيل"، في بيان صحفي له أن "الصندوق القومي اليهودي هو شريك رئيسي للحكومة الإسرائيلية في إدارة موارد الأراضي العامة، رغم أنّه يمارس سياسات عنصرية ضد غير اليهود، ويدافع عن حقوق فئة محددة من الإسرائيليين".
في الحقيقة، ليس من المنتظر أن تثير هذه القضية ضجة إعلامية، خصوصًا في الصحافة الغربية، وأكثر دقة الصحافة الإنجليزية، حتى ولو فازت المنظمات غير الحكومية بالقضية. وهو أمر مؤسف حقا، نظرا لأهمية هذه القضية التي تلقي بظلالها على القضايا الحرجة في محور الصراع الفلسطيني الإسرائيلي المتواصل منذ عقود طويلة.
تسلط هذه القضية الضوء بشكل واضح حول دور الصندوق القومي اليهودي في "مجلس أراضي إسرائيل"، في تكريس المعاملة غير العادلة التي تقوم على التمييز لصالح اليهود، ودور هياكل أخرى، في محاولة تكوين بنية تحتية قانونية لنظام استيطاني يقوم على الفصل العنصري، وتهجير السكان الفلسطينيين.
ذكرت الأطراف التي قامت برفع الدعوى القضائية ضد دور الصندوق القومي اليهودي في "مجلس أراضي إسرائيل"، أنّ ممارساته "تمثل انتهاكا لحقوق المساواة والكرامة التي يتمتع بها "العرب في اسرائيل"، واعتبرت أن "المهمة الرئيسية للصندوق تتمثل في الدفاع فقط عن مصالح الإسرائيليون اليهود".
وقد استدلت الأطراف المدعية باقتباس من خطاب نشره "الصندوق القومي اليهودي"، وذكر فيه أن "هذا الصندوق ليس مخلصا لكل الإسرائيليين ولا يمكنه ذلك. إن الصندوق القومي اليهودي يدين بولائه فقط لليهود، فقد تم إنشاؤه من طرف اليهود لخدمة الشعب اليهودي".
إن هذه الدعوة للمساواة في المعاملة تبدو غير واضحة، بما أن "حق المساواة ليس منصوصا عليه قانونيا في كل جوانب الحياة" في "إسرائيل" وفي قوانين الاحتلال لا يُعترف بوجود حق يسمى "المساواة" بصفة مستقلة عن بقية الحقوق الأخرى، رغم تضمن دستورها في جزء منه لقوانين تتعلق بالكرامة الإنسانية والحرية.
"مجال كاف للتشرد"
يمهد الجدل القانوني حول دور الصندوق القومي اليهودي في "إسرائيل"، لإثارة قضايا تتعلق بدور هذا الصندوق في الجرائم الحالية والتاريخية للتهجير الجماعي للفلسطينيين، بما في ذلك مصادرة الأراضي بعد النكبة التي شهدت موجة واسعة من النزوح الجماعي للفلسطينيين العرب في سنة 1948، بالإضافة إلى الآليات الاستعمارية التي لا زالت تعمل على تهجير الفلسطينيين.
لم يقف دور الصندوق القومي اليهودي في تهجير الفلسطينيين من أرضهم عند هذا الحدّ، فقد ساهم هذا الصندوق في عمليات التطهير العرقي للبدو الفلسطينيين في قرية العراقيب التي رفضت "إسرائيل" الاعتراف بهم. وفي محاولة من الصندوق الإسرائيلي لدحض هذه الاتهامات، ادعى القائمون عليه دعمهم لمشاريع تنموية تهدف إلى مساندة المجتمعات البدوية في النقب.
إن هذه الاستراتيجيات التي يعتمدها الصندوق القومي اليهودي لا تخفي دائما نوايا طيبة، ففي سنة 2005، ذكر المدير التنفيذي، راسل روبينسون لصحيفة "جورسالم بوست" أن رغبته تشجيع اليهود على الهجرة للنقب، قد يعني "نزوح عدد من الفلسطينيين" الذين يسكنون في المنطقة.
لم يقتصر دور الصندوق القومي اليهودي على دعم نشاطات التهجير والاستيطان، بل ساهمت أيضًا في النشاطات الاستعمارية في الضفة الغربية من خلال ضخ ملايين الدولارات للمستعمرات الإسرائيلية. وفي سنة 2011، قدم أحد أعضاء الصندوق القومي استقالته بسبب دوره في طرد الفلسطينيين من القدس الشرقية.
وذكر موقع النكبة أنّه "إذا كان قرار المحكمة إلى جانب المدعين، فإن ذلك سيؤدي إلى تعطيل آلية أساسية من الآليات الاستعمارية للنظام الصهيوني. أما إذا أضفى القرار شرعية على هذه الهيئة، فإن ذلك سيعرض "إسرائيل" إلى انتقادات دولية واسعة".
المصدر: ميدل إيست آي