فلسطين المحتلة – قدس الإخبارية: تتصاعد عمليات "المقاومة الفردية"، في مواجهة جرائم الاحتلال الصهيوني ومستوطنيه، وتشكل رقما صعبا وهاجسا مخيفا لدى القادة الصهاينة، حيث فشل الاحتلال في توقعها أو الحد منها نظرا لعدم اتخاذها الطابع المنظم والهرمي في تشكيل الخلايا سواء اجتماعات أو تنسيق وخلافه والتي من الممكن إحباطها، وقد برزت عمليات المقاومة الفردية في ظل حالة التراجع التي تشهدها المقاومة المسلَّحة المنظَّمة ضد الاحتلال الصهيوني نتيجة عوامل عدة؛ أبرزها التشديدات الصهيونية، وجدار الفصل العنصري، وضرب الخلايا، ومطاردة عناصر المقاومة النشطة عبر التنسيق الامني المشترك مع اجهزة أمن السلطة الفلسطينية والتي تعتبر العائق الاكبر نحو تنظيم وتطوير عمليات المقاومة .
منفذو العمليات الفردية وجوه جديدة لشباب المقاومة لا يألفها الاحتلال، ولا تستطيع أجهزته الأمنية رصد أحاديثها، هذه العمليات يمكن لأي شاب فلسطيني ان يحدد هدفه ويقرر أن يثأر من الاحتلال وجرائمه في تدنيس الأقصى وتهويد الضفة المحتلة، لذا يفاجؤون الاحتلال باستهداف جنوده ومستوطنيه بما أمكنهم من إمكانات بسيطة، منفذو عمليات المقاومة يضربون العدو من حيث لا يحتسب او يتوقع فليس بالإمكان رصد خططهم البعيدة عن كل وسائل التكنولوجيا أو العمل المنظم أو حتى التنبؤ بسلوكهم الآتي على حين غرّة من ثغرة أمنية تمنحهم فرصةً للنجاح وامتلاك زمام المفاجأة.
يوم عن يوم وعملية بعد عملية يستمد منفذو العمليات قدراً أكبر من الشجاعة، يستفيدون من الأخطاء السابقة ويفكرون بطرق ووسائل جديدة دون أن يتمكن أمن الاحتلال من رصد خطتهم، فليس بمقدور الاحتلال الولوج بين الشخص ونفسه وهم لا يشركون أحداً معهم في التخطيط، وهو ما يشكل عقبة حقيقية تشل عامل التوقع والتنبؤ بل وسياسة "الضربة الاستباقية" التي ينتهجونها.
الميزة الجديدة لعملية تل ابيب الاخيرة هي درجة الجرأة والتحدي لدى منفذي العملية، فهي حتى الآن تشكل أوج تلك الجرأة، تخطيطها ناجح ومحكم لأنها تتلافي رقابة أمن الاحتلال بالكتمان والسرية والاحتياطات الأمنية الفعّالة وهو ما يحدث إرباكا لدى العدو، فالعمل المُتقن يحتاج إلى نفس طويل ، يقول الرئيس السابق لمجلس مكافحة الارهاب الصهيوني يحيعام شوشان: عملية تل أبيب ليست لشخص قام في الصبح وقرر تنفيذ عملية، بل هي عملية بذل فيها تفكيراً طويلاً، رأينا كيف ارتدوا ملابسهم لكي لا يثيروا الشك بين سكان تل ابيب ، وهذه العملية قد يكون ايضاً بذل فيها جهد استخباري .
كما اظهر فيديو بثه الاحتلال البطلين محمد و خالد مخامرة يسيران بمنتهى الثقة وبرود الاعصاب، والتزامهم الفائق بمسارات الطريق الموصلة للمكان ومراعاتهم لقوانين السير حتى لا يظن بهم أي شك يؤدي إلى تعطيل سير العملية أو ربما إفشالها.
بات واضحاً الآن أن انتفاضة القدس ستستمر بخصائص ووسائل مختلفة عما سبق من انتفاضات، من خلال عمليات المقاومة الفردية غير المنظّمة أو غير الموجّه مباشرة من قيادة بعينها، لكنها في تطور متصاعد لاحظناه في عملية القدس الاستشهادية وتفجير مجموعة من العبوات الصغيرة في قرية حزما وأخيرا عملية تل أبيب.
هذا التطور يصحبه توجيه مكثف بالخبرات الامنية والعسكرية من المقاومة الفلسطينية بغزة عبر منابرها الاعلامية والعديد من الطرق هذا التوجيه مدروساً بمتطلبات المرحلة ونواقصها فمن شأنه أن يرفع من كفاءة المقاوم الفرد، ومن حسّه الأمني ووعيه العسكري، وحسن اختياره للأهداف، وصولاً إلى التطور من الخلية الفرد إلى الخلية المكونة من عدة أفراد وهذا بدأ في العمليات الاخيرة ، حتى وهي تنطلق بدوافع ذاتية ودون توجيه مباشر من فصيل معيّن.
ولك أن نتخيّل لو تشكلت في كل مدينة وقرية عدة خلايا صغيرة منفصلة بعيدة عن التسلسل الهرمي التنظيمي، حيث ستشكّل ضامناً لاستمرار انتفاضة القدس بمقاومة فاعلة تضرب أهدافاً محددة ومجدية، ولن يشكل انكشاف أحدها أو بعضها انهياراً لبقية الخلايا والمجموعات .
وعلى حركات المقاومة استثمار هذه العمليات وتوظيفها بشكل مناسب يسهم باسترجاع دورها الى صدارة العمل المقاوم والبناء عليها وتشييد كيان مقاوم يقف على أسس صلبةٍ لا تهتز ولا تتزعزع لو أحسنا أفراداً وتنظيمات فهمه والتعامل معه، لقد فتحت تضحيات هؤلاء الفدائيين الشجعان الباب أمام مرحلة جديدة في الكفاح الفلسطيني المهم، علينا المراكمة على هذه العمليات الفردية، فإن تراكميتها ستقود إلى ثورة وليس إلى انتفاضة لو تم تحصينها وأحسن البناء عليها، والانتقال بها إلى مرحلة قادمة نحو الخلاص من الاحتلال، فالمقاومة الفردية تعيق تقدم العدو، وليس شرطًا أن تهزمه، لكنها تعطي لفصائل المقاومة فرصة التقاط الأنفاس لتقاتل مجددًا من يصمد ويستمر ويحافظ على الأمل في هذا الوقت المأزوم هي المقاومة الفردية الواعية المجدية.