الخليل – خاص قُدس الإخبارية: متحدياً جميع من كانوا في قاعة المحكمة من قضاة وحراس وجنود خلال جلسة محاكمة له، وقف مهند المحتسب متجرداً من كل خوف أو وجل معلناً وبصوت عالٍ: "اه أنا طعنت حاخام يهودي بالقدس".
مهند المحتسب (18 عامًا)، يسكن منطقة الكسارة المجاورة لمستوطنة "كريات أربع" المقامة جنوب مدينة الخليل، وهو ابن عم الشهيد مهدي المحتسب الذي أعدمته قوات الاحتلال على الحاجز العسكري المسمى “مافيا 106” بتاريخ 29/تشرين أول الماضي.
وبعد أكثر من خمسة أشهر على استشهاد مهدي، قرر ابن العم الثأر مختارًا الطريق الصعب بالتوجه إلى القدس المحاصرة بجدران الاحتلال، وهناك نفذ عملية طعن في شارع الواد بالقدس العتيقة، صباح الثالث من أيار، واعتقل على إثرها بعد ملاحقته في المنطقة.
المشهد الأخير
داخل قاعة المحكمة لم يحاول مهند نفي الفدائية عن نفسه، بل أخذ يشرح لوالديه من حين لآخر كيف طعن الحاخام في ذات المكان الذي نفذ فيه مهند الحلبي عملية طعن قتل فيها مستوطنًا ومستوطنة، ثم ارتقى مفجرا انتفاضة فلسطينية جديدة في كافة أنحاء الضفة الغربية المحتلة.
وقال مهند شارحا فدائيتيه لأمه وأبيه: "كنت ماشي ورا الحاخام واستغليت إنه الجنود بعيدين عني وما بيطلعوا لجهتي، على طول مسكت السكينة وطعنت الحاخام برقبته طعنتين، وبمنطقة الكلى كمان طعنة، بعد هاي الطعنة السكينة علقت بالحاخام وما رضيت تطلع من جسده".
وأضاف في روايته للمشهد الأخير قبل اعتقاله، "صرخ الحاخام، والجنود طخوا علي رصاصتين وهربت، وأغلقوا كل مداخل البلدة القديمة، وانتشروا بشكل واسع في المنطقة، وضلوا ساعتين ونص يبحثوا عني لحتى اعتقلوني جنب باب السلسلة".
وكان مهند توجه ظهر يوم الإثنين (2/أيار) إلى القدس، وعند الساعة العاشرة والنصف نفذ عمليته في البلدة القديمة، وقد علمت عائلته بالخبر عبر وسائل الإعلام التي أذاعت خبر طعن حاخام ثم اعتقال المنفذ. وفي ذات الليلة داهمت قوات الاحتلال منزل عائلته عند الساعة الثالثة فجراً وعاثت فيه خراباً كثيراً، وصادرت هاتف مهند.
مقاوم عنيد
وتتحدث ميسون مرار (42 عاماً) والدة مهند عن نجلها قائلة إنه يحب مساعدة الآخرين وتقديم العون لهم، لكنه عنيد ويصمم على فعل ما يمليه عليه عقله، إضافة إلى أنه كتوم جدًا، وهذا ما ساعده على إخفاء نيته تنفيذ العملية.
ويوضح والده رائد المحتسب (44 عاما)، أن ابنه ترك المدرسة عندما كان طالبا في الصف التاسع، إذ كان منذ ذلك الوقت يهرب من المدرسة أثناء الدوام ويتوجه لمناطق المواجهات، مبينا أن مهند تفرغ منذ مغادرته مدرسته للعمل مع ابن خالته في التمديدات الكهربائية للبيوت.
ولم يستطع الأب توقع نوايا ابنه بتنفيذ العملية في القدس، رغم أنه كان قريبا منه ويستطيع قراءة ما بداخله بسهولة واكتشاف سره، وهذا ما دفع مهند لأن يسمي والده بـ"المخابرات" في قائمة الأرقام بهاتفه.
ويضيف رائد، "مهند كان كثيراً ما يترك العمل ليتوجه إلى المواجهات التي "تسري بجسده كما الدم"، موضحًا أن ابنه استطاع أن يستولي على خوذة أحد الجنود بعد سقوطها عن رأسه خلال مواجهات بالخليل، ثم أحرقها أمام أعينهم، مشيرًا أنه "بعد استشهاد ابن عمه مهدي زاد حقده على الاحتلال وبقي يخطط حتى نفذ عمليته في القدس المحتلة".
ولمهند تجربة سابقة مع الاعتقال، فقوات الاحتلال اعتقلته خلال مواجهات قرب حاجز "أبو الريش" عام 2012، وقد حكم عليه حينها بالسجن مدة ثلاثة شهور مع وقف التنفيذ لغاية 2019، كما أصيب قبل سنوات برصاصة في قدمه خلال مواجهات في منطقة "بئر المحجر" بالخليل.
وعن شهر رمضان وغياب مهند لأول مرة عن منزله، تقول والدته إن البيت يشهد هدوءًا غير مسبوق، "لأن مهنداً كان كثيراً ما يحدث حركة وضجة في البيت، ويسعد الجميع بمقالبه ونكاته". فأمه تستذكره يومياً عند حضور موعد الإفطار وتتساءل في نفسها: "ماذا سيأكل اليوم؟ .. حبيبي يا إمي كان يحب هاي الأكلة".
ولا يخفي رائد المحتسب اعتزازه بابنه مهند وبالعملية التي نفذها قائلًا إنه كأي شاب غيور على وطنه، وما فعله ردة فعل طبيعية على ما يحصل في فلسطين، أما روند الأخت الصغرى لمهند فتقول، "اشتقت لمهند قد السما"، وتكرر دائما: "أخوي بطل، طعن حاخام يهودي بالقدس".
وعرض مهند على محاكم الاحتلال مرتين حتى الآن، وقد وجهت له نيابة الاحتلال أربعة تهم هي الدخول للقدس دون تصريح، وحيازة سكين، وطعن حاخام، والمشاركة في مسيرات نظمتها حركة حماس. وخلال الجلسة الأخيرة قرر قضاة الاحتلال تأجيل محاكمته حتى 17/تموز المقبل.