رام الله – قُدس الإخبارية (شينخوا): رأى مراقبون فلسطينيون، أن السلطة الفلسطينية تركز رهاناتها على تقدم مبادرة فرنسا لعقد مؤتمر دولي للسلام، غير أن الطريق لذلك لن يكون مفروشا بالورود وسيواجه العديد من المعيقات.
واستضافت العاصمة الفرنسية باريس يوم الجمعة الماضي اجتماعا وزاريا دوليا شارك فيه 25 وزير خارجية دول بينهم 4 دول عربية بغرض التشاور لإحياء عملية التسوية السلمية بين الفلسطينيين و"إسرائيل".
وعقب الاجتماع أعلنت الرئاسة الفلسطينية، أن الرئيس محمود عباس تلقى اتصالا هاتفيا من وزير الخارجية الفرنسي جان مارك ايرولت أبلغه فيه أن المبعوث الفرنسي لعملية السلام بير فيمونت سيصل للمنطقة قريبا.
ووفق ما نقل بيان الرئاسة الفلسطينية، فإن ايرولت أكد لعباس أن فرنسا مستمرة في اتصالاتها مع الأطراف الدولية حتى أيلول المقبل، "حيث تتشاور مع الأطراف المشاركة باجتماع باريس لتقييم ما تم التوصل إليه وما هو المطلوب للمرحلة المقبلة".
وتأمل السلطة الفلسطينية أن تقود المرحلة المقبلة إلى عقد مؤتمر دولي للسلام، يقر آلية دولية لرعاية المفاوضات مع "إسرائيل" ويضع في إطار ذلك جدولا زمنيا محددا.
وأعلن وزير الخارجية الفلسطيني رياض المالكي، أن فرنسا ستشكل لجان عمل للتحضير لعقد المؤتمر الدولي للسلام المنشود، على أن يعقد قبل نهاية العام الجاري لتحديد الإطار الزمني وطبيعة المفاوضات مع "إسرائيل".
معيقات وتحديات
يرى الدبلوماسي الفلسطيني السابق نبيل عمرو أنه "من السذاجة المفرطة اعتبار اجتماع باريس كما لو أنه حدث عابر لا معنى ولا قيمة له، لكن بذات القدر فإنه من السذاجة رفع سقف التوقعات منه حاليا".
ويشير عمرو إلى أن اجتماع باريس ضم قوى ودولا تجمع على أهمية حل القضية الفلسطينية فيما يتصل بالأمن والاستقرار الأوروبي، تحديدا إلا أن المعوقات أمام هذه الرغبة الدولية تبدو أكثر قدرة على التعطيل.
ويعتبر أن أول المعوقات هو الإصرار الأمريكي على احتكار عملية التسوية السلمية في الشرق الأوسط، أما الثاني فيتصل بموقف "إسرائيل" التي رفضت صراحة المبادرة الفرنسية وسعت لتطويعها لتتماثل مع مطالبها.
أما المعيق الثالث، حسب عمرو، فيتعلق بالفلسطينيين أنفسهم، فهم من خلال استمرار انقسامهم وتمزق وضعهم الداخلي يمنحون إسرائيل ذريعة للتهرب من أي التزام جدي في أي عملية سلام معهم.
واردف قائلا انه إضافة إلى المعيقات المذكورة فإن هناك معيقات موضوعية أشمل وهي الحروب الدائرة في الجوار العربي، وبوجه خاص في سوريا حيث حلقة مركزية من حلقات الصراع العربي الإسرائيلي.
لكن رغم تلك المعيقات أمام المبادرة الفرنسية، إلا أن عمرو يرى انها لا تلغي احتمالات النجاح، وهي احتمالات مستقبلية أكثر من كونها راهنة خاصة بأن يدخل الملف الفلسطيني الإسرائيلي كجزء من الترتيبات الدولية للمنطقة.
ملاحظات على بيان باريس
وأكد وزراء خارجية الدول المشاركة في اجتماع باريس في بيانه الختامي، أن حل الدولتين وحده كفيل بإحلال السلام بين "إسرائيل" والفلسطينيين، شرط أن يتم التوصل إليه عبر التفاوض.
وأعرب المشاركون في اللقاء، عن قلقهم من الخطوات التي تتخذ في الميدان وخاصة أعمال العنف، واستمرار البناء في المستوطنات الإسرائيلية، معتبرين أن هذه الخطوات تمس بفرص تطبيق حل الدولتين.
وحذروا من أن استمرار الحالة الراهنة من الجمود والافتقار إلى تحقيق تقدم نحو إقامة دولة فلسطينية على الأراضي التي احتلتها "إسرائيل" منذ حرب عام 1967 أمر لا يمكن قبوله.
وبموازاة التطلعات الفلسطينية للمرحلة التالية لاجتماع باريس الوزاري الدولي، فإن عدة ملاحظات سجلها مراقبون فلسطينيون بشأن البيان الختامي للاجتماع وما حمله من مواقف.
ويصف رئيس مؤسسة الدراسات الديمقراطية في رام الله جورج جقمان البيان الختامي لاجتماع باريس، بأنه "خرج ضعيفا وباهتا بفعل ضغط أمريكي واضح للتخفيف من حدته ضد إسرائيل".
ويشير جقمان إلى أن بيان باريس خلا من أي جداول زمنية لاستكمال مفاوضات السلام، أو مواقف واضحة تتعلق بقضايا الصراع الرئيسية مثل الحدود وملف اللاجئين الفلسطينيين.
وينبه إلى غياب وزراء ثلاث دول رئيسية عن اجتماع باريس هي ألمانيا وبريطانيا وروسيا، لافتا إلى أن عددا من الدول الأوروبية تسعى حاليا لعقد مؤتمر دولي نهاية هذا العام لكن فرص نجاح ذلك غير واضحة.
وبالإجمال يقلل جقمان من فرص نجاح مبادرة فرنسا، "لأن هدفها هو تعبئة الفراغ السياسي الموجود بين الفلسطينيين وإسرائيل انطلاقا من الخشية بأن فراغ توقف المفاوضات سيعبئ عاجلا أم أجلا بصراع ميداني".
ويخلص إلى أن الاهتمام الدولي والأوروبي حاليا هو الإبقاء على حل الدولتين حيا كشعار، "في ظل واقع يؤكد أنه غير ممكن عمليا ومستبعد تطبيقه قريبا في ظل استمرار الاستيطان ورفض إسرائيل للسلام".
تدويل الصراع
وكانت "إسرائيل" رفضت بشدة مبادرة فرنسا الداعية لإشراك دول عربية وغربية في مواكبة المفاوضات الفلسطينية-الإسرائيلية بدلا من اقتصارها على الولايات المتحدة الأمريكية كما يجري منذ سنوات.
في المقابل تتمسك السلطة الفلسطينية بأمل أن يقود التحرك الفرنسي الحالي إلى بلورة ائتلاف دولي لرعاية عملية التسوية السلمية مع "إسرائيل"، بما يفضي لإنهاء مسار التفاوض الثنائي معها والاعتماد على مرجعيات تقوم على القرارات الدولية ذات الصلة بقضيتهم.
ويعتبر الكاتب والمحلل السياسي خليل شاهين، أنه لا توجد خطة بديلة لدى السلطة الفلسطينية حاليا سوى مسعى العودة للمفاوضات عبر شروط أفضل قد تنتج عن المبادرة الفرنسية والرعاية الدولية.
ويرى شاهين، أن الموقف الفلسطيني ضعيف وافتقد لخطة تدويل القضية التي تبلورت فلسطينيا في العام 2010، وتم تجميد استمرار العمل بها لأن ذلك سيحمل صداما مع "إسرائيل" ومن ثم مع الولايات المتحدة الأمريكية.
ويقول: "عندما لا يكون هناك حل وطني تتيحه موازين القوى على الأرض تطوى صفحة تدويل الحل لتفتح صفحة تدويل الصراع عبر المبادرة الفرنسية أو حتى غيرها".
ويضيف شاهين، "لكن في ظل الأوضاع العربية والدولية الراهنة وانفتاح البعض العربي على التطبيع مع إسرائيل، فإن تدويل الصراع يفتح الباب أمام خطر تحديد معايير جديدة لتسوية تفاوضية تمس بالحقوق الفلسطينية".
ويحذر شاهين من مخاطر تدويل الحل من خلف ظهر الشعب الفلسطيني كيافطة لاستئناف المفاوضات المباشرة بمواكبة دولية أو من دونها، وبمعايير تستبدل المرجعيات الوطنية والقانون الدولي وقرارات الأمم المتحدة.