شبكة قدس الإخبارية

أحمد أبو عرة.. خرج ولم يعد منذ أكثر من أربعين يوماً

إسلام أبو عرة

تتكئ علی كرسي قديم بمحاذاة بيتها الواقع في بلدة عقابا قضاء طوباس، وعيناها تعلنان الحداد، وعروق يدها تلامس خدها لتمسح دموعاً لم تفارقها منذ غياب ابنها أحمد أبوعرة ابن التسعة والعشرين ربيعاً. أسمر الطلة طويل القامة وأسود شعره، كسواد جفن عيني أمه هماً وغماً على غيابه منذ أكثر من أربعين يوماً، وبيتهم المكون من طبقة ونصف طبقة أخرى بناها أحمد ابن جهاز الأمن الوطني بقرض بنكي ليأويه هو وزوجته في حضن العائلة، يصدح القرآن فيه معلناً حالة من الحزن والكآبة في المكان.

بصوت يتخلله التنهد والكلمات المثقلة بوجع وحرقة غياب فلذة كبدها؛ قالت أم محمود :"آخر مرة شفته يوم الخميس الساعة السادسة والنصف مساءً، كنت طالعة على نابلس فتحلي باب السيارة وقلي مع السلامة وللآن ما منعرف عنه إشي هو حي ولا ميت وين هو ما ما نعرف".

في الثمانية وعشرين من شهر شباط 2013 كانت بداية حكاية اختفاء أحمد وانقلاب حياه عائلته ومحبيه رأسا على عقب. صمتت أم محمود ونظرت إلى الأرض وفي عينيها دمعة تلوح بالأفق "لا نعرف عنه أنه صاحب مشاكل مع الناس فهو هادئ صامت، الكل يعرفه بطيبته، لا أدري ما الذي حصل معه خرج في ليلة لا ضوء قمر فيها دون حس أو خبر، السلطة ونحن نبحث ونشرنا صوراً له ولا نتيجة تذكر، اختفى! تركنا خلفه ننسج الحكايات ونضع خيارات تبرر غيابه".

هدأت للحظة وأكملت بعد تنهدات وكف فارق خدها لتكمل الحديث: "الذي زاد الطين بلة حديث الناس والإشاعات هنا وهناك، بعضهم يقول أحمد خطف، أو قتل، إنه مرمي في بئر أو "مغارة "، والبعض يقول: "هج" بسبب الدين أوعدم استطاعته الإنجاب"

انهارت دموعها شوقاً وحنيناً لابنها وتوقف كلامها لكن نبض قلبها لا يزال يمتلأ بالكثير، في هذه الأثناء أكملت لنا بقية الحكاية زوجته "ريم " "كعادته أحمد يخرج من البيت ليلاً، لكن هذه المرة خرج ولم يعد إلى الآن، أرسل لي رسالة في التاسعة مساء يوم اختفائه يقول فيها: "ريم أنا متأخر بجوز ما بتأخر ما بعرف شو بصير"، وفي اتصال في فجر يوم آخر صوت رياح وقدمين وانقطاع الإتصال إلى الآن".

بصيصُ أمل لاح مرتين بأنه على قيد الحياة، لكنه سرعان ما يختفي بسرعة من جديد، فالمرة الأولى شوهد في منطقة نابلس والمرة الأخرى في قرية "جفنا " قضاء رام الله ،حسب ما أوضحَ شهودُ عيان قاموا بالاتصال بذوي أحمد الذين سارعوا بالذهاب والبحث عنه في تلك المناطق دون جدوى.

في زاوية البيت الفارغة إلا من صمت أبي محمود الغريب، الذي يخبىء خلفه الكثير من الكلام والمعاناة تحدث بعينيه المثقلتين بالألم والحسرة والترقب: "المهم ننطمن عن سلامته هل هو حي أو ميت، ونشكر كل من يساعدنا في البحث عنه ويقدم لنا أي معلومة، ونشكر الأجهزة الامنية وخاصة النقيب المكلف بالمتابعة والتحري فيصل الشايب سباعنة".

محمود وعمار وجمال ومعاذ أخوة أحمد، شباب أصابهم ألم وحزن على اختفاء أخيهم، وحرقت على حال أمهم وأبيهم، فمحمود الأخ البكر يسبح بمسبحة بيده؛ كأن في كل حركة من زر المسبحة حكاية، ورجل له تهتز وكلام يخرج من فيه يصف حال والديه ممزوجاً بصوت حفيف حزن: "خيالات تهيأتها أمي بأن أحمد قتل وموجود في بئر حيث من كثر هذه التأويلات أصبحت تقف على شبابيك المنزل وتقول أحمد سوف يأتي مقتول وجثته تأتي إلى باب المنزل، والوالد من الصدمة الشديدة أصبح صامتاً غير قادر على فعل أي شيء ولكن بالليل أصبح يفكر مثل الوالدة؛ أن أحمد سيأتي مقتولاً ونراه يقف على الشباك بانتظار مجيء أحمد أو جثته".

الأحلام عند أم محمود أصبحت كوابيس، باليقظة تحلم وبالمنام ترى ابنها مقتولاً ومرمياً في بئر، وكلام الناس وإشاعاتهم زاد حرقتها وألمها، كأن الأحلام والقدر وكلام الناس تآمر عليها، ولكن يبقى التساؤل وسط حرقة ذويه أين أحمد ماذا حصل معه؟!