لن أكتب عن إبراهيم حامد صاحب أحد أكبر الأحكام في سجون الاحتلال، ولن أتكلم عن الرجل الأسطورة الذي خاض أحد أصعب أشكال التحقيق في مراكز التحقيق الإسرائيلية، ولن أكتب عن إبراهيم حامد الذي أمضى عدّة سنواتٍ في العزل.
نحن نُتقن كتابة قصص البطولة لكن ننسى أنّ هذا البطل إنسان، إنّما سأكتب عن "أبو علي حامد" الإنسان، أبو علي حامد الاسير الذي يقبع خلف القضبان محروما من أهله وأحبابه، أكتب عن "أبو علي حامد" الأسير الأب لاثنين من الأبناء هما الآن في الأردن، وهو في فلسطين، ممنوع من زياتهما له، وممنوع من التواصل معهما، يسكنُ في داخله أبٌ كأي أب، يحِنّ لضمّ أبنائه ويشتاق للحديثِ معهم، وكلّما قدم أسير جديد الى السجن يسأله إن كان يعرف ابنه، وهل تواصل معه؟ وكيف هي أموره؟ وكيف هي شخصيته وأوضاعه؟.
أكتبُ هنا عن ابراهيم حامد كاتب الشعر ومتذوق الأدب، المعجون بالفلسفة والحكمة المسبوكة بلغة فنّيّـة وأدبيّة مُؤثرة، حيث يقول "أبو علي": "كانت المحاولة الأولى لكتابةِ الشعر عندما استلمت أول رسالةٍ بخط زوجتي وصلتني بعد فراقٍ قصري منذ ست سنوات، فلم أجد أجمل من الشعر يمكن أن أرسله لها هي، التي قاسمتني الالم والمعاناة والسجن والتّشرّد".
أكتبُ عن "أبو علي حامد" الذي يقضي وقته في الاسر قارئاً وكاتباً، أكتبُ عن "أبو علي حامد" الابن البار لوالديه وعائلته... استلم صورة تجمعه بوالدته، فأمسك الصورة وغاب معها لدقائق وهو يتأمل أمه العجوز بلباسها الفلسطيني. لعلّ "أبو علي" عاد حينها بفكره الماضي إلى أول أيام حياته والأم الغالية، تُعلّمه أبجديات اللغة وتحرك قدمه ليتعلم اول خطوات المشي، لعل "أبو علي" عادت به الذكريات الى حُضن أمّه الدافىء الذي كان يهرب إليه كلّما احتاج لأمان.
إبراهيم حامد وبعد سنواتٍ طوال من العزل بات يُفضّل الهدوء والابتعاد عن الضوضاء والصخب، لكن كلّ ذلك لم يمنعه أن يُشارك إخوانه الأسرى كل شؤونهم، ويسارع بوجه باسمٍ حنون للتعرف على كل أسير قادم جديد الى السجن، فلقد سمعتُ وقرأت الكثير الكثير سابقاً عن إبراهيم حامد.
وحتى أني كتبت عنه الكثير دون أن التقي به، ودون أن أتعرف عن قرب على هذه الشخصية التي سمّاها البعض أسطورة لما عُرف عنه من ثبات وعطاء.
عندما علمتُ يوم انتقالي من سجن "مجدو" أنّي منقولٌ الى سجن "شطّة"، أول ما جاء في خاطري هو وجود إبراهيم حامد في هذا السجن، ولعل هذا الامر أزال جزءاً كبيراً من رهبة وخوف التنقل والتغيير، ولحظة لقائي به عرفته مباشرة من الصور التي كنت أراها سابقاً له. إنه انسان طيب يدخل الى قلبك بسرعة، يقابلك بابتسامة صادقة وبمعانقة تذيب ثلوج الغُربة وتصنع بينك وبينه جسراً من الود كأنك تعرفه منذ زمنٍ طويل.
"أبو علي حامد" تعرض لأصعب موقف في السجن عندما كانت رؤيته لطفلٍ فلسطيني لم يتجاوز العشر سنواتٍ قد أعتُقلهُ الاحتلال وكبّل يديه وقدميه وألبسه ملابس السجن البنيّة وكانت بحجم كبير على جسد الطفل.
"أبو علي حامد" إنسان فلسطيني وليس بإرهابي أو قاتل أو زارعٍ للموت، إنّما هو إنسان يُتقن الإنسانية ويُتقن صناعة الحياة، لأنه لم يقبل أن يعيش أولاده في ظلّ الاحتلال ولم يرض ان تبقى أرضه سليبة، إنه الانسان الذي حمل حُلم والدته بأن الشمس ستشرق من جديد على قريتها دون أن تكون هنالك مستوطنة مُقامة على أرضنا ودون ان يكون هنالك جندي يستبيح بلادنا.