حُددت المبادئ الأساسية المتعلقة بمعاداة السامية في العقيدة الصهيونية قبل المحرقة بكثير، فكانت ظاهرة محتّمة ليس بالإمكان محاربتها، وعليه كان الحل هو هجرة اليهود غير المرغوب بهم في أوروبا إلى “إسرائيل”.
إن عدم قدرة الحركة الصهيونية على الاستيلاء على فلسطين عسكريًا جعلها تبحث عن رعاية إمبريالية، والتي من المتوقع أن تكون معاداة السامية محفزًا لإيجادها. إضافة إلى ذلك، رأى الصهاينة في الماركسية الثورية عدوًا، ممّا دفعهم للتحالف ضدّها إلى جانب رفاقهم الانفصاليين التابعين للحركات الوطنية اليمينية والمعادية للسامية شرقي أوروبا.
لقد ثبتت صحة أقوال هرتسل وحلفائه بأن البريطاني بلفور -المعادي للسامية- هو من سمح للصهيونية بتغذية نفسها في فلسطين. على الرغم من أن “إسرائيل” تأسست خلال تمرد مسلح ضد بريطانيا، لكن لولا وجود الجيش البريطاني خلال السنوات الأولى من الانتداب لاستطاع الفلسطينيون طرد الصهاينة بسهولة، لكننا وقعنا ضحية خدعة. لقد سمح بلفور بإعطاء فلسطين للصهاينة، لكن هل قام الانتداب البريطاني بحماية اليهود من أعدائهم في أوروبا؟
كان بالإمكان محاربة معاداة السامية في أي وقت، وقد تمّت محاربتها وهزيمتها في فرنسا وروسيا وأوكرانيا دون مساعدة المنظمة الصهيونية العالمية، ولو تبعت شعوب تلك الدول تعليمات الصهاينة، لما تغلبت على المعادين للسامية.
استمرت السياسات الأولى للمنظمة الصهيونية العالمية على جميع الأصعدة، بقيادة زعيم المنظمة خلال فترة حكم هتلر، حاييم وايزمان. وكان كل من يحاول الوقوف ضد النازية من أعضاء المنظمة خلال ثلاثينات القرن الماضي، يجد أن عدوّه الرئيسي يأتي من داخل المنظمة الصهيونية، وتحديداً القائد ناحوم جولدمان الذي أصبح رئيس المنظمة بعد المحرقة.
وصف جولدمان خلال خطاب له النقاش الحاد الذي دار حول هذا الموضوع بين وايزمان والحاخام ستيفن فايس (شخصية قيادية في الصهيونية الأمريكية)، قائلًا: “أتذكر النقاشات العنيفة بينه وبين وايزمان الذي كان قائدًا عظيمًا في يمينه. من عارض جميع المصالح الأخرى، لم يكن معنيًا بإنقاذ اليهود الألمان خلال السنوات الأولى للنازية، ولم يكن ينكر احتياجاتهم، لكنه لم يسمح لهم بثنيه عن هدفه الصهيوني”.
وذكر جولدمان أن الحاخام ستيفين فايس ناقش وايزمان قائلًا: “إنهم جزء من المشكلة نفسها. إن خسرت الشتات اليهودي لن تحصل على فلسطين”. هكذا كانت الصهيونية، وتلك كانت قياداتها، عندما صعد هتلر إلى التاريخ.
في مراحل متأخرة، بات قسم من الطلاب اليهود يتفق مع المعادين للسامية في عدة نقاط؛ أن اليهود لم يكونوا جزءًا من ألمانيا، وطبعًا، أن على اليهود والألمان ألا يقيموا علاقات مع بعضهم البعض، ليس لأسباب دينية تقليدية، إنما من أجل الحفاظ على “نقاء الدم”، لكونهم لا ينتمون لذوي الدم الألماني. وعليه كان عليهم إيجاد جسم جديد،أي فلسطين.
للوهلة الأولى، قد يبدو غريبًا أن عددًا من طلاب الطبقة الوسطى اليهود يتأثرون بالفكر المعادي للسامية بهذا الشكل، لا سيما وأن الاشتراكية التي أرادت احتواء اليهود، كانت تحظى بدعم كبير من المجتمع المحيط في تلك الفترة. وهنا يذكر أن الاشتراكية جذبت العمال بالأساس وليس الطبقة الوسطى، وسيطرت الشوفينية على بيئتها.
في الواقع، لم يفصل الصهاينة أنفسهم أبدًا عن الطبقة الرأسمالية الألمانية، فخلال الحرب العالمية الأولى دعم الصهاينة الألمان حكومتهم بشدة. وبنظر العديد من المفكرين الصهاينة، تعتبر الصهيونية ببساطة تقليداً لأيديولوجيا القومية الألمانية.
على المنظمة الصهيونية في ألمانيا أن تتحمل مسؤولية انتصار هتلر كما تحملتها القوات الألمانية النازية بالضبط. فالأفكار التقليدية السائدة بأن الصهيونية حذرت اليهود من التهديد النازي هي أفكار غير صحيحة في الواقع. وفي هذا السياق قال القيادي الصهيوني الألماني وارنر سيناتور إن الصهيونية كانت تلائم نفسها دائمًا مع الدول التي تعمل فيها.
وما يثبت ادعاء سيناتور، كان تبني المنظمة الصهيونية لنظريات وسياسات النظام النازي الجديد، انطلاقًا من إيمانهم بوجود نقاط تشابه بين الحركتين، وهي: احتقارهم لليبرالية العنصرية، والقناعة التامة بأن ألمانيا لن تكون وطنًا لليهود. كل هذه النقاط كانت ستحث النازية على دعمهم، ومن ثم أرادت المنظمة الصهيونية رعاية أدولف هتلر، ليس لمرة واحدة إنما لمرات عديدة بعد عام 1933.
المصدر: vho.org - نشر سابقا على العساس