أضواء صاخبة، سيارات تتوافد وشوارع نظيفة تبدو وكأنها قد غسلت بالماء من شدة لمعانها! كصحفي فلسطيني كانت نفسي تتوق للمشاركة في ذلك الافتتاح المهيب الذي كنت انظر اليه على انه نقلة نوعية في تاريخ توثيق وحفظ تراثنا الفلسطيني.
كنت افتخر خلال عام مضى وانا اشير للاصدقاء الذين يزورونني، الى ذلك الصرح الشامخ الذي يتربع بجانب جامعتي وعلى تلال مدينة بيرزيت، نعم كنت اقول وبكل فخر هذا هو المتحف الفلسطيني.
في تلك الليلة التي علا صخب اضوائها في سماء المدينة كنت اقول في نفسي لعل المؤسسة الاعلامية التي اعمل بها لا تتوافق فكريا مع ذلك الذي دعا الصحفيين والاكاديميين الى افتتاح متحف فلسطين الذي لا بد له ان يمثل فلسطين في كل اطيافها.
بت تلك الليلة مواسيا نفسي بهذه الحجة، ولكن ألم الواقع صعقني كما صعق الكثيرين بعد ساعات عندما علمنا بأن ١٥ اكاديميا صهيونيا كانوا من بين المدعويين والحاضرين في ذلك الافتتاح.
نعم، حضر افتتاح المتحف الفلسطيني اكاديميون صهاينة، بينما غاب عنه اكاديميون وعلماء ومفكرون وسياسيون ونشطاء وطلاب فلسطينيين غيبتهم السجون، وحال بينهم وبين الصرح الفلسطيني انتهاجهم لفكر المقاومة.
بعد ثمانية وستون عاما على نكبتنا، نقف اليوم على مفرق يخيرنا بالذهاب الى طريقين لا ثالث لهما.. إما الى درب المقاومة ونهجها، نعيش مؤمنين بها وننتصر، أو على درب المساومة والتطبيع نعيش تحت ظلاله مذلولين مكسورين وننهزم.
ان لم نمضِ في الدرب الاول فسنصبح الغرباء.. وسيصبح ذلك الاكاديمي مربيا لابنائا، سيعّلمهم في اروقة ذلك المتحف كيف قاوم "فرسان الهيكل" عبر التاريخ ليعودوا الى ارضهم "اسرائيل" ويبنوا هيكلهم الذي وعدهم به الله!