شبكة قدس الإخبارية

هل نجح اجتياح الضفة في وقف المقاومة؟ (1)

هيئة التحرير

فلسطين المحتلة – قدس الإخبارية: لم يكن يعلم رئيس حكومة الاحتلال "أريئيل شارون"، ورئيس أركان جيشه "شاؤول موفاز" أن دخول مدن الضفة الغربية سيكون بمثابة اللعب مع الموت، حين قررا دخولها على أهلها الآمنين، في نيسان من العام الثاني للانتفاضة الفلسطينية الثانية "انتفاضة الأقصى"، حيث تصدت لهم سواعد حملت أرواحها على راحاتها، وفي قلبها يقين بأن مهاوي الموت التي تنتظرها ما هي إلا جنة ونعيما.

بدء الاجتياح

ففي 29 من شهر مارس في العام 2002 اتخذت حكومة الاحتلال قرارا باجتياح الضفة الغربية بالكامل، وذلك للرد على العمليات الاستشهادية التي ينفذها الفلسطينيون ضد الاحتلال الإسرائيلي ومستوطنيه، والتي كانت قد حصدت العشرات منهم وخلفت العشرات مضرجين في جراحهم.

12670669_1330195253662451_4840714956253629740_n

وقد عرض رئيس حكومة الاحتلال "أريئيل شارون" في ليلة 28 من شهر مارس في اجتماع موسع لحكومة الاحتلال المقترحات المطروحة منها، تقويض السلطة الفلسطينية، وقطع كل الصلات مع رئيسها ياسر عرفات، مع إمكانية ترحيله، وتحميله مسؤولية كل العمليات التي تنفذ، وخرجت حكومة الاحتلال حينها بالمصادقة على خطة لعمليات واسعة ضد ما ادّعته "الإرهاب الفلسطيني"، وقررت هدم البنية التحتية للفلسطينيين بكل أجهزتها وعناصرها، خلال عمليات عسكرية واسعة.

وبحسب صحيفة "يديعوت أحرونوت" الإسرائيلية فإن قرارات حكومة الاحتلال أخذت الطابع التكتيكي والاستراتيجي، حيث تمثل الجانب التكتيكي منها بتقويض السلطة الفلسطينية، أما الجانب الاستراتيجي، فتمثل في الحسم على المستوى السياسي مع إمكانية احتلال الضفة الغربية وقطاع غزة، واحتمال ترحيل رئيس السلطة الوطنية الفلسطينية ياسر عرفات.

وتقول الصحيفة "كانت "إسرائيل" تعيش حالة من التخبط في تلك الفترى، سواء في الجانب العملياتي أو النطاق الزمني للعملية، أو في تغيرات البيئة الإقليمية والدولية". وأضافت الصحيفة، "على إسرائيل أن تنطلق في عملياتها من فرضية أن وقتها العسكري السياسي ليس طويلاً إلى هذا الحد، وهو ما يرتهن بتحقيق الحملة العسكرية لأهدافها، إلا أن هناك احتمالاً لاستمرار الوجود العسكري في مناطق (أ) وقتاً أطول، ليس من أجل احتلال الأرض بل إلى حين الانسحاب بعد تحقيق شروط معينة.

8072132964037441472

وأشارت الصحيفة إلى أنه في جلسة المجلس الوزاري السياسي/الأمني التي عقدت في 31/3/2002، أكد معظم الحضور الفكرة السابقة، غير أن بعض أعضاء المجلس الوزاري، وبخاصة أصحاب التجربة السياسية/ الأمنية كانوا يعتقدون أن فرضية الزمن للعملية العسكرية هو أقصر مما يظنون، وبالتالي فإن تبني نمط (التدحرج) العسكري سيؤدي إلى تجنيد قوات الاحتياط واستمرار العملية إلى عدة أسابيع، وهو ما حذر منه بعض قادة الاحتلال.

وتوضح الصحيفة "لقد حصل أريئيل شارون على ما كان يطمح له، حيث أدى الضوء الأخضر الأمريكي لجعل العملية تتدحرج ويزاد نطاقها الزمني، وأعرب شارون وعدة مصادر إسرائيلية رسمية عن ارتياحهم من التغطية التي حصلوا عليها من الرئيس الأمريكي "جورج بوش".

عملية بأهداف غامضة

صحيفة "هآرتس" الإسرائيلية من جهتها أكدت حينها أنه كان هناك تباينا في الآراء حول العملية العسكرية والهدف منها، أو نطاقها الزمني المحدد، وحدودها الجغرافية، وردة فعل المقاومة الفلسطينية، وللخروج من أزمة تحديد الهدف، فقد أوضح شارون الهدف من العملية بالقول أنها جاءت لاقتلاع المنظمات "الإرهابية"، من الجذور، وعزل الرئيس عرفات هو جزء من نشاطات اقتلاع "الإرهاب"، غير أنه وبعد عدة أيام من العملية استمرت العمليات الاستشهادية وقتل العشرات من الإسرائيليين في قلب مدن الداخل المحتل عام 48، فخرج شارون بتصريحه الذي أثار حفيظة جيش الاحتلال وقال: "إن العملية العسكرية لن تضع نهاية لظاهرة الاستشهاديين".

12963589_1330197390328904_3502612299483477125_n

ونشرت الصحيفة مقالة للمعلق العسكري "زئيف شيف" قال فيها: "بعد ربط العملية العسكرية بوقف "الإرهاب"، أصبح لا بد مراجعة هذه العملية، فالهدف لا يزال غامض، وهي بصورتها الحالية  لن تمنع العمليات الاستشهادية الفلسطينية ضد الأهداف الإسرائيلية".

وأضاف شيف إن "من الأهداف العامة للعملية الإسرائيلية هو إضعاف السلطة الفلسطينية، وعدم استهداف انهيارها، حيث أن انهيارها سيؤدي إلى تولي "إسرائيل" لبعض المسؤوليات المدنية للفلسطينيين".

وعاد شيف ليؤكد أن أهداف العملية الواسعة وبهذا المنطق أصبحت أكثر غموضا حتى لكبار الوزراء بحكومة شارون، موضحا أن "إقرار الهجوم لم يترافق مع خرائط مفصلة أو إجراء مناقشات داخل الحكومة، ولذلك عقد لاحقاً عدة اجتماعات للحكومة وتم فيها عرض خرائط مفصلة، كما تم تحديد جداول زمنية للعمليات العسكرية".

واتفق مع شيف الكاتب والمعلق العسكري في الصحيفة ذاتها (هآرتس) "ميرون بنفنستي" الذي قال حينها: "إن الهدف غير واضح، بل إن الشعارات التي استخدمها شارون مثل الحرب دفاعاً عن البيت، والحرب دفاعاً عن البقاء والوجود، هي أهداف ذات ثمن لا ينتهي، وهو يدل دلالة واضحة على خطأ القيادة في التخطيط والتقدير".

12961697_1329640343717942_6482716614935554778_n

وأضاف "بنفنستي" أنه "وبعد مرور حوالي أسبوعين على العملية، لم تتوقف العمليات الاستشهادية، وبدأت تظهر الأسئلة مجدداً حول دوافع وأهداف حملة السور الواقي، وبدأ الإسرائيليون يبحثون عن تفسير مقبول لدى الشارع الإسرائيلي".

وبحسب الصحيفة فقد اضطرت أجهزة الأمن إلى تسويغ العمليات العسكرية للشارع الإسرائيلي، وهو تسويغ كله تناقض داخلي، فالعمليات الاستشهادية استمرت أثناء عملية السور الواقي، وبدا واضحاً أن نشاطات الجيش لا تستطيع الحد من هذه العمليات، وللخروج من هذه الأزمة فقد استخدم السياسيون الإسرائيليون عباراتهم القديمة/الجديدة، في أن الفلسطينيين لن يحققوا إنجازاً سياسياً من خلال العنف.

12919701_1329635560385087_3949069872785537730_n

وذهب المحلل السياسي بصحيفة "يديعوت أحرونوت" الإسرائيلية "اليكس فيشمان"، إلى أبعد من ذلك، فقد أكد أن جيش الاحتلال لن يحرز أياً من الأهداف التي حددها لنفسه، وسيتساءل الاحتياط من أجل ماذا استدعوهم، وسيخرج عرفات من الحصار كمنتصر، وسيحتفل الفلسطينيون والعمليات ستتواصل، وسينسى الإسرائيليون وقف إطلاق النار.

ويشير فيشمان إلى مزاعم قادة جيش الاحتلال المعتادة، الذين دائما يقولون "إن وتيرة العمليات ناجحة، وأن هناك إنجازاً ملحوظاً لدى قادة الجيش، وهو سبب أساسي ومركزي لاستمرارها، وانتشارها إلى مدن فلسطينية أخرى"،

وختم فيشمان بالقول "القادة العسكريون لم يريدوا أن تتوقف العملية قبل أن يتم التوصل لعدة أهداف تم اعتبارها أهدافاً ضرورية، لكن كان واضحاً بالنسبة للإسرائيليين أن الدخول للأراضي الفلسطينية ليس نزهة، وأن ما حدث في جنين وغيرها من المدن الفلسطينية هو دليل على دفع الجنود الإسرائيليين لثمن هذه العملية".