القدس المحتلة – خاص قُدس الإخبارية: "قف، لا تتحرك، أخرج يدك من جيبك، افتح حقيبتك، استدر إلى الجدار". هذه الكلمات تتكرر كثيرا ويوميا في شوارع القدس ضد النساء والرجال والأطفال وكبار السن، وبعدها تبدأ عملية "التحسيس" أو "المساج" كما يسميها الفلسطينيون، إما لمجرد التسلية أو الاشتباه، وغالبا ما يكون الاشتباه أيضا لا أساس له.
الصحفية ريم الهندي كانت متجهة لباب العامود لتعد تقريراً عن التفتيش الجسدي، لكنها لم تدرك أنها ستكون هدفا لجنود الاحتلال وستتعرض للتفتيش مثل من كانت تنوي الكتابة عنهم، تقول: "كنت قد وضعت دفتر ملاحظاتي في حقيبتي التي حملتها على ظهري، وما إن وصلت مفترق طرق حتى أوقفني أحد الجنود واستدعى مجندتين لمساعدته".
وتضيف ريم، "خطف الجندي حقيبتي مطالبا إحدى المجندتين بتفتيشي لتنفذ ذلك على مرأى الجميع في شارع الواد الذي يعج بالحركة، وعندما وصلت المجندة لقدماي استدعت صديقتها لتكمل المهمة ففعلت ذلك بالفعل".
وتوضح أن أطفالا وشبابا ونساء تجمهروا في المنطقة فيما استدعى جنود الاحتلال قوات إضافية وواصلوا التفتيش والتحقيق معها لأكثر من ربع ساعة، مبينة أن الجنود استنفروا بعد أن وجدوا دفتر الملاحظات ظنا منهم بأنها كتبت فيه وصيتها الأخيرة قبل تنفيذ عملية فدائية، وانهالوا عليها بالأسئلة وصوروا أوراق الدفتر بهواتفهم وما كُتب فيه، قبل أن ينتهي الأمر بالتأكد من أن الدفتر ليس إلا دفتر ملاحظات تستخدمه الصحفية في عملها.
ما حدث مع ريم ليس حالة شاذة أو موقفا عابرا، بل منهجا ثابتا يمارسه جنود الاحتلال في المدينة المقدسة منذ أكثر من شهر ونصف بعد سنوات من عدم العمل به، ففي 2 شباط الماضي أقر الكنيست الإسرائيلي بالقراءتين الثانية والثالثة القانون الذي أطلق عليه اسم “التحسيس”، وأتاح للجنود وعناصر شرطة الاحتلال تفتيش المارة لمجرد “الاشتباه بهم”، وهو مصطلح عريض يترك للجندي الفرصة لتفتيش من يحلو له لمجرد التسلية أو التنكيل بزعم الاشتباه به.
الشاب محمد الفاتح مصور سينمائي تعرض للتفتيش الجسدي أكثر من 15 مرة مؤخرا استغرقت إحداها أكثر من 15 دقيقة، كانت أثناء عودته من السفر.
يقول محمد، "توجهت لباب العامود كغيري من العائدين من السفر، ما إن تطأ أقدامهم القدس يتوجهون لبابها الرئيسي، وأثناء سيري متأملاً القدس وشوارعها بعد سفر بلهفة وشوق، وصلت لموقع استشهاد محمد علي ومحمد أبو خلف، عندها فاجأني عناصر من قوة اليسام بإشهار سلاحهم وتطويقي وأمروني باللغة العبرية: يلا ع الحديد، ارفع ايديك من جيوبك واشلح الحقيبة".
و"اليسام" هي قوات الشرطة الخاصة وهي من تنفذ أكثر عمليات التفتيش الجسدي بالقدس وغيرها، ويتميز عناصرها بالهمجية واستخدام العنف بشكل مستمر، كما أنهم يشاركون كثيرا في تأمين اقتحامات المستوطنين للمسجد الأقصى وفي قمع المحتجين على هذه الاقتحامات.
ويضيف محمد، "سحبوني إلى الحديد ولأني لم استجب لأوامرهم بالاستدارة بدأوا بركلي بأرجلهم وبساطيرهم واضعين يداي على الحديد، وأخد أحدهم بتوسعة قدماي وفتحهما وإبعاد كل منهم عن الأخرى، ثم طلب مد اليدين للأمام وبدأ مسلسل التحسيس.. رفعوا ملابسي عن بطني، ومرروا أيديهم على كافة اعضاء جسمي، لم يتركوا شيئا الا ولمسوه، حتى ياقة القميص فتشوها، والحزام أيضا".
ويبتسم محمد للجنود في كل مرة بعد انتهاء التفتيش، يقول إنه يفعل ذلك ليؤكد له أنه لم يفعل أي شيء يخيفه، لكنه يعترف بأن التفتيش يدفع إحساسا من القهر والذل داخل الإنسان خلال تعرضه له، ورغم ذلك فإنه يتعامل مع مثل هذه المواقف بنوع من الكوميديا والسخرية بهدف كسر هيبة الاحتلال.
ويشير محمد إلى تعمد استخدام جنود الاحتلال التفتيش الجسدي للتنكيل بالشبان تحديدا وإهانتهم، مثل إجبارهم على رفع أقدامهم إلى الخلف وإسنادهم إلى الحائط، وقد يفاجئ الجندي الشاب بعد ذلك بركله وإسقاطه أرضا، مضيفا، "هذه الطريقة المستحدثة يصبح الشاب فيها خارج طبيعتيه وخارج ارادته، ولا يستخدمها أحد في العالم سوى جنود الاحتلال لأنها طريقة غير إنسانية تفقد الشخص كينونته"، وفق قوله.