"ليان برهوم" طفلة فلسطينية من مدينة رفح في قطاع غزة، لم تكمل بعد ربيعها الثاني. استطاعت دون قصد أن تجمع حول قضيتها الشباب الفلسطيني من مختلف القرى والمدن في الداخل الفلسطيني. اجتمعوا ووضعوا نصب أعينهم شعارًا واحداً وهو "عشان ليان".
"عشان ليان" هو إسم الحملة التي أطلقها مجموعة من الفنانين الفلسطينيين والطلاب الجامعيين والناشطين المجتمعيين عن طريق موقع فيسبوك بهدف نشر قصتها وجمع التبرعات لصالحها بمقدار 1 ونصف مليون شاقل لإنقاذ حياتها.
[caption id="attachment_8712" align="aligncenter" width="258"] ليان ابنة العامين في المشفى[/caption]أمضت "ليان" حتى اليوم ما يقارب العام في مستشفى "رمبام" الإسرائيلي في مدينة حيفا بعد أن عجزت مستشفيات مدينة غزة ومستشفى المطّلع في القدس المحتلة عن توفير العلاج اللازم لها. تعاني "ليان" من مرض منتشر في مجتمعاتنا الشرقية بسبب زواج الأقارب، وهو نقص في إفراز الإنزيمات من الكبد والذي على إثره تتوقف الكلى عن العمل تمامًا، وكنتيجة لذلك تخضع الطفلة لعملية غسيل الكلى - "دياليزا" 4 ساعات يوميًا. وبحسب أطباء مستشفى "رمبام" تحتاج "ليان" لإنقاذ حياتها عملية زرع كبد بالإضافة لعملية زرع كلى لكي تتعافى وتكمل حياتها بشكل طبيعي.
إن التكلفة الباهظة التي حددها مستشفى "شنايدر" المتخصص بعلاج الأطفال تكمن في أن عملية زراعة الكبد هي عملية معقدة جدًا بسبب حجم "ليان" الصغير ووزنها الخفيف، إذ أن دقة العملية تتطلب استدعاء بروفيسور بإسم "ريدينج" من بلجيكا خصيصًا لإجراء العملية للطفلة.
كيف بدأت الحملة؟
في حديث لشبكة قدس مع نجيب دراوشة - أحد منسقي الحملة - قال إن الحملة انطلقت في شهر كانون الثاني الماضي حيث التقت رغبة عدد من الشباب الفلسطيني بمساعدة الطفلة "ليان" وعائلتها لتوفير تكاليف العمليات الجراحية دون أن يعرف أحدهم الاخر. على إثر ذلك، قاموا بإنشاء صفحة للحملة على موقع فيسبوك وبدعوة الناس للمشاركة بها، وبعد التفاعل الكبير الذي لاقته الحملة بحثوا عن غطاء قانوني لجمع التبرعات فتبنتهم جمعية "بلدنا للشباب العرب" في حيفا، وبهذا استطاعوا فتح حساب بنكي خاص بالحملة وطباعة وصولات تبرع.
يتم جمع التبرعات بأساليب متنوعة، حيث عمل منسقو الحملة على تجنيد الطلاب الفلسطينيين في الجامعات الاسرائيلية لنشر خبر الحملة بين الطلاب. كما كلفوا ممثلين من كل بلدة فلسطينية في الداخل تقريبًا ليجمع كل منهم التبرعات من محيطه القريب. إضافة إلى ذلك قاموا بالتوجه للعديد من الجمعيات والصناديق الخيرية للمساهمة بتجنيد مبالغ كبيرة بجهود أقل. يذكر "دراوشة" ان المفاوضات تجري حاليًا مع "مركز بيرس للسلام" لفحص إمكانية تغطية نسبة 30% من تكاليف العملية، وكذلك الأمر مع السلطة الفلسطينية في رام الله.
[caption id="attachment_8704" align="aligncenter" width="576"] دعوة لأمسية موسيقية نشرها الشباب لجمع ريعها لصالح ليان[/caption]"عشان ليان" قام الشباب الناشط بتنظيم حفلات وأمسيات وفعاليات خيرية في بلدان فلسطينية عدة بهدف جمع ريع الحفل لتسديد تكاليف العملية. تنوعت اشكال الفعاليات وجمهورها، فعلى سبيل المثال: نُظمت حفلات فنية خيرية بمسرح الميدان في حيفا خلال شهر شباط الماضي، وتلا هذا الحفل عروض أخرى بمدينة اللد وباقة الغربية ومؤخرًا في القدس المحتلة بمسرح الحكواتي.
[caption id="attachment_8705" align="aligncenter" width="461"] من أمسية موسيقية لصالح ليان نظمت الأربعاء الماضي في القدس المحتلة. عدسة: فادي عميرة[/caption]من الملفت أيضًا أن الفعاليات الخيرية لم تقتصر على العروض الفنية فحسب، فقد نظّمت منتخبات كرة القدم الفلسطينية مباراة ودّية في استاد السلام في أم الفحم وتم رصد ريع المباراة لأجل "ليان".
وفي مدينة يافا قام "نادي المجد" بتنظيم يوم فعاليات للأطفال تمت فيه توعيتهم حول قيمة التبرع وتقديم يد العون لطفلة مثلهم، ونتيجة لذلك جمع الأطفال مبلغ 10 الاف شاقل، كلّ من مصروفه اليومي، "كان من الطريف أن الصندوق كان يحتوي على 10 آلاف شاقل مكوّنة من عملات معدنية من فئة ال 1 شاقل، مما يؤكد تفاعل الأطفال مع قصة ليان".
وفي مدرسة "حوار للتعليم البديل" في مدينة حيفا نظّم الطلاب سوقًا باعوا فيه ألعابهم ومأكولات قاموا بتحضيرها في البيت ليساهموا بمساعدة "ليان" التي لا زالت تنتظر. وتعليقًا على ذلك يقول دراوشة: "أنا سعيد بمشاركة الأطفال بجمع التبرعات حتى لو كان ذلك بمبالغ رمزية، الأهم أن تدخل قيمة العطاء بشكل عملي في المنظومة التعليمية في مجتمعنا".
والدا الطفلة يعلقان الآمال بالشباب
في حديث آخر لـ"شبكة قدس" مع والدي الطفلة، خالد وميساء برهوم، عبّرا عن تمنياتهما بأن تستطيع "ليان" استرداد عافيتها ومواصلة حياتها بشكل طبيعي بين أهلها في رفح. كما أعربا عن أملهما الكبير بالشباب الفلسطيني الذي لم يتوقف عن التواصل معهم وتنظيم الزيارات للتعبير عن تضامنهم وتقديم المساعدة بكل أشكالها.
تمضي عائلة "برهوم" الصغيرة أيامها كاملة داخل المستشفى، ولا يتسنى لها الخروج إلا في بعض الأحيان للتجول في أنحاء المدينة. كما أن "ليان" لا تستطيع اللعب مع باقي الأطفال في المستشفى خوفًا أن تنتقل لها عدوى مرض آخر، لذلك تكتفي باللعب مع والديها ومن يزورها من خارج المستشفى. وذكر الوالدان أنه "على مدار الفترة السابقة تسنى لنا ان نلتقي عائلات أخرى أتت من غزة لتلقي العلاج من أمراض مختلفة في المستشفى ذاته، ولكن جميعهم أتموا علاجهم وعادوا إلى غزة وبقينا نحن".
[caption id="attachment_8701" align="aligncenter" width="285"] اعلان يدعو للتبرع لصالح ليان يوزعه النشطاء في محيطهم[/caption]الحملة مستمرة
وختامًا لحديثنا معه، قال دراوشة "إن الهدف لم يتحقق بعد، والحملة مستمرة حتى تغطية مبلغ العملية المطلوب وإجراء عمليات الزرع لليان بنجاح وعودتها إلى غزة سالمة في أحضان أهلها". كما إن "ليان ليست الطفلة الوحيدة التي تحتاج المساعدة، هناك غيرها الكثير، والنية موجودة لمواصلة المسير في المستقبل لمساعدة حالات أخرى، خاصة وأننا من خلال هذه التجربة تأكدنا أن الخير موجود ومزروع في شعبنا ولكننا نحتاج فقط لمعرفة السبيل لتفعيله وتنظيمه".
يُذكر أن هناك المئات من الأطفال الفلسطينيين الذين لا يجدون علاجاً مناسباً وكافياً لأمراضهم في المستشفيات الفلسطينية في الضفة الغربية وقطاه غزة، ويتم تحويلهم للعلاج في المستشفيات الإسرائيلية. بعض هؤلاء لا تكفي ميزانيات السلطة الفلسطينية الوطنية العاجزة لسد تكاليف علاجهم فيبقون معلقين بمثل هكذا حملات خيرية تنقذهم من المرض.