غزة – خاص قُدس الإخبارية: محاولا توفير مصاريف دراسته وعلى أمل القفز إلى ما هو أفضل؛ عمل الشاب حسن البلعاوي خياطا في أحد مصانع الملابس بمدينة غزة، وذلك تزامنا مع دراسته الجامعية بعد أن اختار تخصص الهندسة المدنية، غير أن تخرجه لم يضع حدا لهذه المعاناة، فقد بدأ بعد ذلك بالعمل كعامل نظافة ثم مراسلا للأعمال المكتبية.
خمس سنوات بعد التخرج احتاجها حسن (30 عاما) ليحصل على أول فرصة عمل في مجال تخصصه، يقول لـ قُدس الإخبارية، إنه كان يتقاضى خلال هذه الفترة راتبها لا يتجاوز 1000 شيكل، بالرغم من أنه يعيل أسرة مكونة من ثلاثة أفراد ويسكن في بيت بالإيجار.
ويضيف، "درست هذا التخصص تحديداً لأنه يوائم طموحاتي بتحقيق اسم مميز والحصول على عمل بأجر مرتفع، لكني تفاجأت بعد تخرجي أن تخصصي لا يلائم الأوضاع القائمة في قطاع غزة من حصار ومنع لدخول مواد البناء في ظل تزايد أعداد الخريجين من ذات التخصص".
وتمنع سلطات الاحتلال منذ حصارها للقطاع قبل 10 سنوات توريد الإسمنت له إلا في حالات محددة مثل مشاريع إعادة الإعمار وبنسب بسيطة، كما تمنع دخول كافة أنواع مواد البناء التي تساهم في تنفيذ مشاريع البنية التحتية.
ومنذ فُرض الحصار لم تنفذ بلديات قطاع غزة مشاريع بنية تحتية بعيداً عن تمويل المؤسسات الدولية، فالأخيرة هي القادرة على التنسيق مع الاحتلال الإسرائيلي لإدخال مواد البناء وتنفيذ مشاريع كبيرة، وهذا يعطيها مساحة لتشغيل عدد من المهندسين بنسبة لا تتجاوز 5% من إجمالي مهندسي القطاع.
ويوضح حسن المدهون المدير الإداري لنقابة المهندسين، أن أحدث الإحصائيات تشير إلى أن 12 نقابة المهندسين تضم 12 ألف مهندس، وذلك بالرغم من توقف سوق العمل الهندسي نتيجة الحصار، حيث تسجل النقابة نحو 500 منتسب سنويا.
ويبين المدهون في حديث لـ قُدس الإخبارية، أن نسبة من يحالفهم الحظ بالحصول على فرص العمل من الخريجين الجدد لا تتجاوز 20%، بينما يبقى الـ80% دون أي عمل، لتصل نسبة البطالة بين 12 ألف مهندس في القطاع إلى 35%.
ورغم هذه الأرقام فإن الجامعات الفلسطينية تواصل قبول وتخريج طلاب هندسة بأرقام عالية تزيد من نسب البطالة وأعداد العاطلين من العمل، ويرى المدهون أن أبرز حل لمواجهة هذه المشكلة يتمثل في إيجاد فرص عمل في الأسواق الخارجية.
رؤية المدهون هذه يوافقه عليها مئات خريجي الهندسة الذين حاولت النقابة إرسالهم للخارج من خلال مخاطبة دول عديدة، لكنها لم تجد ردا من أي دولة، هذا عدا عن محاولة إيجاد فرص عمل في دولة قطر بالتعاون مع وزارة العمل، وضمن المنحة القطرية، غير أن ذلك ظل ممنوعا على مهندسي القطاع.
لكن وعلى شكل طفرات ينجح بعض هؤلاء المهندسين في كسر الحصار وانتزاع مكان لهم في الأسواق الخارجية، ومنهم المهندس أحمد صبحي (25 عاما) الذي استطاع تحقيق حلمه من خلال السفر إلى الإمارات العربية بعد تطوعه بالإشراف على عدة مشاريع هندسية في القطاع.
ويعتقد صبحي بضرورة تغيير آلية قبول طلبة الهندسة في الجامعات الفلسطينية، كما يدعو لضرورة تفعيل دور السفارات الفلسطينية ووزارة العمل للتنسيق للفلسطينيين للعمل في الأسواق العربية والأجنبية.
ومع استمرار الحصار الخانق على القطاع، تبقى المخاوف من اندفاع المهندسين مثل كثير من الخريجين العاطلين عن العمل للبحث عن وسائل هجرة غير شرعية، من شأنها أن تعيد للفلسطينيين كابوس الغرق الجماعي الذي لم يبرح ذاكرتهم بعد.
ويقترح المهندس المدهون رفع نسب القبول في كليات الهندسة بالجامعات الفلسطينية، والتنسيق بشكل رسمي مع الدول الصديقة لتشغيل المهندسين، الأمر الذي من شأنه أن يقلل عدد الخريجين ويخفض نسب البطالة بين المهندسين، حسب قوله، مشددا على ضرورة دراسة ذلك من قبل وزارتي التعليم العالي والعمل لإيجاد حل جذري لمشكلة المهندسين في القطاع.