شبكة قدس الإخبارية

لماذا أبعدوك؟ خطر على أمن "إسرائيل"!

سماح دويك

القدس المحتلة - خاص قُدس الإخبارية: قرار عسكري وجدار وحواجز تفصلهم عن مدينتهم التي ولدوا وعاشوا فيها، منهم من يعتصم الآن في مقر الصليب الأحمر الدولي بحي الشيخ جراح، ومنهم من أبعد عن المدينة تحت سيف التهديد بالاعتقال ودفع غرامة مالية كبيرة.

يشتاق لرائحة الرطوبة!

عنان نجيب (42 عاما) من بيت حنينا كان أول المبعدين عن مدينة القدس خلال عام 2015،  يعمل بالمجال الإعلامي وهو متزوج وأب لطفلين وينتظر ولادة مولوده الثالث "جود" وهو مبعد عن القدس.

يقول نجيب وقد مر على ابعاده ثلاثة أشهر، إن المحقق وبعد أن فشل في الحصول على أي جملة أو كلمة تشفي غليله قرر ابعاده عن القدس بقرار عسكري كان المحقق يتغنى بها طيلة فترة التحقيق معه، حتى صارت بعد 10 أيام أمراً واقعاً  ومحكوما بنصف ساعة زمنية فارقة.

نصف ساعة زمنية خرج فيها عنان من معتقل المسكوبية إلى منزله وحزم أمتعته متوجها إلى بلدة العيزرية حيث يقيم أقرباء له وأصدقاء، معتبرا أن العيزرية ولأنها "بوابة القدس الشرقية" فهي ليست منفى له ولا غربة عن وطنه.

[caption id="attachment_82126" align="aligncenter" width="600"]عنان نجيب عنان نجيب[/caption]

وعن وداعه للقدس يقول نجيب لـ قُدس الإخبارية، "ودعت القدس وشوارعها فارغة، فقد كان كل فلسطيني يمشي في شوارعها معرضا للإعدام الميداني بشبهة تنفيذ عملية، وتركت والدتي  دون وداعها أو الاطمئنان على صحتها حيث كانت  في ذلك الحين تعاني من حالة صحية صعبة".

ويضيف، "أشتاق لوالدتي ورائحة الرطوبة التي تعبق في منزل أهلي في شارع الواد بالبلدة القديمة، أنا وكل مقدسي نحب القدس برطوبتها بألمها بنفاياتها نحبها، فالقدس هي المعادلة الرياضية غير المفهومة".

ويعبر نجيب عن شوقه الشديد لعائلته التي يعتبرها "الخندق الأخير"، وعن لهفته الكبيرة لقدوم ابنه "جود" بعد أن بلغت زوجته الأشهر الأخيرة من الحمل، متذكرا من خلف الجدار حاجتها الشديدة له في هذا الوقت، خاصة أنها حرمت منه عند ولادتها لطفله الأكبر إذ كان معتقلا في ذلك الحين.

صدر قرار إبعاد نجيب بتاريخ 6/تشرين أول الماضي، وتسلمه بعد أسبوع على أن ينتهي الإبعاد بتاريخ 5/آذار المقبل. ويعلق نجيب، "القدس آية من القرآن الكريم والبعد عنها كالبعد عن القرآن"، مضيفا، "كنت في السابق أظن الإبعاد أخف من الاعتقال لكن تبين لي أنه لا يقل مأساة عنه، فأنا أرى القدس ولا أستطيع تنفس هوائها".

ويقيم نجيب في شقة بالعيزرية تسيطر عليها الوحشة والبرد بعد أن غابت أصوات عائلته وحرارة دفئها، وقد سعى لتعويض وحشته بالمشاركة في الندوات الثقافية والتحق بدورة في المجال الإعلامي وقراءة الكتب المتنوعة.

إبعاد عن الأقصى ثم القدس

أربعة إبعادات عن المسجد الأقصى تعرض لها محمد الرازم (24 عاما)، تطورت قبل أسبوع من انتهاء الإبعاد الأخير إلى إبعاد عن القدس بأكملها صدر بتاريخ 13/كانون أول الماضي ويستمر حتى 15/آذار المقبل.

ويوضح الرازم، أن قوات الاحتلال استدعته للتحقيق بعد يومين من صدور قرار إبعاده، وبعد التحقيق سلمه المحقق القرار ليغادر "المسكوبية" إلى خارج أسوار القدس خلال مهلة لا تتجاوز الساعتين، توجه خلالها إلى بلدته سلوان واصطحب زوجته وطفله الرضيع، ثم ألقى نظرة وداع "مؤقت" على الأقصى وتوجه لمنطقة أبوغوش.

[caption id="attachment_82125" align="aligncenter" width="600"]محمد الرازم محمد الرازم[/caption]

ويقول الرازم لـ قُدس الإخبارية، "تركت عملي في الدهان المنزلي وفقدت أصحابي معارفي وأهلي، واستأجرت منزلين في سلوان وأبوغوش مازاد العبء المالي علي"، متذكرا حياته في القدس وقائلا، "شعرت بمعنى الشوق ودرجته الكبيرة بعد إبعادي عنها، اشتاق للقدس ولكل ما فيها من هواء وأشخاص".

وبالإضافة لإبعاده عن الأقصى أربع مرات فإن الرازم تعرض للاعتقال الفعلي مدة ستة أشهر، كما تعرض لحبس منزلي استمر 21 شهرا، لكن إبعاده لم يكن أقل هذه العقوبات صعوبة، كما يشير إلى أن هذه السياسة تهدف لإفراغ القدس من شبانها، خاصة من لهم ملف أمني لديه لمخاوفه الشديدة من أن هؤلاء "يشكلون خطرا على أمنه".

أصغر المبعدين

ابن البلدة القديمة عبادة نجيب (18 عاما) كان أصغر المبعدين عن المدينة المقدسة العام الماضي، هو اليوم يتساءل متحيرا عن التهديد الذي يشكله من أنهى عمر الفتوة حديثا على أمن الاحتلال حتى يكون الانتقام منه إبعاده عن مدينته وعائلته وأصدقائه.

المفاجأة التي شكلها القرار مع صغر سن عبادة وقلة خبرته في الحياة، شكلت عوامل زادت من صعوبة الإبعاد، فيقول، "من الصعب جداً أن تبعد عن الأقصى والقدس والبلدة القديمة بالأخص حيث الرائحة والدفء، وكل شيء يكفي أن تكون بجوار الاقصى ستعيش نفاسه بالبلدة رغم بعدك، ولكن اليوم من يعيد للرئة هواءها الحقيقي".

ويضيف لـ قُدس الإخبارية، "في البلدة القديمة  نشأت وكبرت وترعرعت ولعبت في ساحات الأقصى التي أشتاقها ولم أستطع دخولها منذ سنتين، فأنا الآن مبعد بقرارات شرطية وعسكرية، وأشتاق البلدة القديمة التي ما كنت أفارقها إلا عند خروجي للعمل".

وعن إبعاده يوضح عبادة أنه تلقى استدعاء من شرطة الاحتلال للتحقيق معه، وبعد ذلك تسلم قرار الإبعاد الصادم بالنسبة له، وعندما سأل عن السبب كانت الإجابة الأكثر إثارة للدهشة، "أنت تشكل خطرا على أمن إسرائيل".

[caption id="attachment_82124" align="aligncenter" width="338"]عبادة نجيب عبادة نجيب[/caption]

وغادر عبادة مركز شرطة الاحتلال لمنزل عائلته، حزم أمتعته وتوجه إلى رام الله حيث يقيم اليوم قرب ميدان الشهيد ياسر عرفات "دوار الساعة سابقا"، ويقول، "لا أنسى ضحكات الجنود واستفزازهم لي عند خروجي من الحارة والبلدة القديمة، فنحن أصحاب هذه المدينة ولدنا فيها والجنود الاحتلال ليس لهم أي وجود أو انتماء إليها".

ويفتقد عبادة اليوم للرعاية التي اعتاد عليها من قبل والدته التي هو أصغر أطفالها، مبينا، أن حياته باتت فارغة الآن حيث لا يفعل سوى التجول في شوارع رام الله ثم العودة لمنزله وقضاء وقته أمام التلفاز، أو بانتظار زيارة عائلته بين يوم وآخر قبل أن تعود للقدس ويبقى هو وحيدا.

وستستمر معاناة عبادة هذه وفقا لقرار الإبعاد حتى 16/آذار المقبل، علما أنه كان قد أبعد عن البلدة القديمة مرتين سابقا، وعن المسجد الأقصى سبع مرات، ما حرمه حتى من وداعه قبل مغادرة القدس وهو ما زاد من عذابات الإبعاد.

ويقول عبادة، "لا شيء يضاهي العيش في القدس وبجوار الأقصى، كل المدن الفلسطينية عزيزة علينا ولكن القدس غير، ولأنها غير نحن مبعدون عنها من أجلها هي".

تجدر الإشارة إلى أن سلطات الاحتلال أبعدت 7 فلسطينيين عن القدس العام الماضي، وهم، عنان نجيب، وأكرم الشرفا، وعبادة نجيب، ومحمد الرازم، وحجازي أبو صبيح وسامر أبو عيشة، بالإضافة لرئيس الحركة الإسلامية في الداخل المحتل رائد صلاح.