رام الله – خاص قُدس الإخبارية: "أصبحت عبئا علينا وسببا في مزيد من الغليان"، يقر الاحتلال بذلك في إطار تبريره لقرار تسليم جثامين الشهداء الفلسطينيين التي احتجزها في ثلاجاته منذ بداية الانتفاضة، وقرر المجلس الوزاري المصغر لدى الاحتلال مؤخرا تسليمها لعائلاتها بشروط.
هذا القرار أكدته وسائل إعلام إسرائيلية في اليومين الماضيين، وتحدث عنه محامي مؤسسة الضمير محمد محمود قائلا، إنه يشمل جثامين كافة الشهداء وليس القدس وحدها كما تمت الإشاعة أول الأمر، مبينا، أن مخابرات الاحتلال عقدت جلسة معه الأحد وأبلغته بذلك، على أن يتم تحديد جلسة أخرى لإبلاغه بالشروط.
وتبع هذه المعلومات إبلاغ عدة عائلات من الضفة بنية الاحتلال تسليم جثامين شهدائها، وهي عائلات الشهيدة رشا عويصي من قلقيلية التي تم تسليم جثمانها أمس ودفنه فورا، والشهيدتين ثروت الشعراوي من الخليل ومرام حسونة من نابلس، بالإضافة للشهيدة أشرقت قطناني التي رفضت عائلتها استلام الجثمان بسبب شروط الاحتلال.
وتوضح ميسر عطياني الناشطة في حراك استعادة جثامين الشهداء، أن الاحتلال وضع على العائلات شرطين أساسيين لتسليم جثامين شهدائهم وهما الدفن فور استلام الجثامين ليلا، وعدم تشريح الجثامين، مبينة، أن هذين الشرطين يهدفان إلى منع خروج مسيرات حاشدة لتشييع الشهداء كما يستحقون، ومنع توثيق جرائم الإعدام التي ارتكبها الاحتلال بحق الشهداء وملاحقته قانونيا.
ورأت عطياني في حديثها لـ قُدس الإخبارية، أن شروط الاحتلال ستفشل في تحقيق هدفها كما فشل احتجاز الجثامين أصلا في الوصول لهدفه بقمع المظاهرات، مضيفة، "لو سلم الاحتلال كل شهر جثمانا فسيخرج الفلسطينيون في جنازاتهم كل مرة حتى ولو كان ذلك بعد منتصف الليل، وما يريده الاحتلال لن يمر".
ولكسر هذا التحدي، تعمدت سلطات الاحتلال عدم إبلاغ عائلتي الشهيدتين ثروت ومرام بساعة محددة لتسليم الجثمانين، وقد رأت عطياني في هذا الإجراء خدعة إسرائيلية لمفاجأة العائلات وعدم منحها الوقت الكافي لإبلاغ الجماهير وحشدها للمشاركة في التشييع، لكنها أكدت أيضا أن المشاركة على الأرض ستؤكد فشل هذه الخدعة أيضا.
ويبدو قرار تسليم الجثامين مفاجئا في ظل استمرار اختطاف الشهداء حتى الساعات الأخيرة، كما فعل الاحتلال بجثمان الشهيد عبدالرحمن عياد من سلواد الذي اختطفه تزامنا مع تسليم جثمان الشهيدة هديل عواد في قلنديا الجمعة الماضية، لكن الكاتب ساري عرابي يرى أن هذا القرار نتيجة طبيعية لإدراك الاحتلال بفشل أهدافه من هذه السياسية.
ويوضح عرابي لـ قُدس الإخبارية، أن الاحتلال أراد من هذه السياسة الحيلولة دون تجدد المواجهات كما يحدث عادة في تشييع جثامين الشهداء، وكذلك خلق ضغط اجتماعي على الشباب ليخافوا من احتجاز جثامينهم أو تحذرهم عائلاتهم من ذلك، فيمتنعوا عن التوجه لمواقع المواجهات وتنفيذ عمليات الدهس والطعن.
ويضيف عرابي، أن الاحتلال وجد أن سياسته هذه فشلت عندما استمرت العمليات والمواجهات لأكثر من شهرين ونصف، بل إن الجثامين صارت سببا في خلق حراك جديد للمطالبة بتحريرها، ما دفعه للإفراج عنها بهدف تجنب المزيد من التصعيد والمواجهة.
ويرى عرابي أن الاحتلال سيستمر بهذا الإجراء لكن بشكل تدريجي، حيث سيمتنع عن تسليم مجموعة من الجثامين في يوم واحد مثل جثامين شهداء القدس أو الخليل، وكذلك سيحاول فرض أكثر شروط ممكنة لمنع اندلاع مواجهات خلال التشييع، مثل تأخير تسليم الجثمان وعدم إبلاغ العائلات بموعد التسليم.
ومقابل شروط الاحتلال، والتحدي الذي أعلنته الأسير المحررة عطياني أو أهالي قلقيلية وعائلة رشا عويصي الذين شيعوا شهيدتهم بالورود والحلوي وبمشاركة واسعة وفي مشهد مهيب مساء الأحد، أعلن طه قطناني والدة الشهيدة أشرقت تحديا أكبر برفض استلام جثمان ابنته بشروط.
ويقول قطناني لـ قُدس الإخبارية، إن محافظ نابلس أبلغه في اتصال هاتفي بنية الاحتلال تسليم جثمان ابنته، لكن بشرط تشييعها ودفنها ليلا، فرد عليه سائلا إن كان يضمن له عدم انتقام الاحتلال من العائلة في حال تم تأخير الدفن حتى الصباح، ليجيب المحافظ نافيا وجود ضمانات، ما دفع قطناني لرفض استلام الجثمان.
ويبين قطناني، أن قراره جاء امتثالا لوصية ابنته ليلة استشهادها في لحظة ظنها عاطفية فقط، عندما أوصته أن لا يساوم على جثمانها وأن يتبرع بأعضائها وأن لا يبكي عليها وأنها ابنة فلسطين لا أي فصيل، مضيفا، "سأرفض كل شروط الاحتلال حتى لو رآها البعض شروطا شكلية، فإما أن أستلم جثمان ابنتي دون شروط أو ليبقى في ثلاجاتهم مئة عام".
وتثمن الأسيرة المحررة عطياني قرار قطناني رفض الامتثال لشروط الاحتلال، معتبرة أنه قرار وطني بامتياز ومن شأنه الحفاظ على هامات الشهداء وكسر إرادة الاحتلال، كما دعت السلطة الفلسطينية إلى رفض شرط الاحتلال عدم تشريح الجثامين، بهدف توفير اكثر أدلة ممكنة لمحاكمة الاحتلال ومحاسبته على جرائمه.
لاحقا أعلنت لجنة أهالي شهداء الخليل اتخاذ عائلات شهداء المحافظة قرارا بالإجماع ترفض فيه استلام جثامين الشهداء بأي شروط وتحديدا شرط الدفن ليلا، مبينة، أن القرار لا يشمل جثمان الشهيدة ثروت الشعرواي التي قرر الاحتلال اليوم دفنا ثم أجل ذلك.
تجدر الإشارة إلى أن عدد الجثامين المحتجزة قبل تسليم جثماني الشهيدتين شعراوي وحسونة بلغ 54 جثمانا من القدس والخليل ورام الله ونابلس وطولكرم وبيت لحم وجنين، هذا عدا عن جثمان للشهيد مهند العقبي من النقب كان الاحتلال قد سلمه قبل أيام.