شبكة قدس الإخبارية

ذكرى دير ياسين.. جرح لا يُنسى

أوس خالد

تصادف اليوم الأربعاء الذكرى الخامسة والستين لمذبحة دير ياسين، التي نفذتها العصابات الصهيونية بحق أهالي دير ياسين، القرية الوادعة الواقعة على المنحدرات الغربية الجنوبية لمدينة القدس، على بعد أقل من خمسة كيلومترات من مقر حكومة الانتداب البريطانية.

كان اليوم يوم جمعة، 9 نيسان 1948، ولم يكن فجره قد انبلج حين انقضت قوات منظمتي شتيرن (لحي) والإرغون (ايتسل) الصهيونيتين الإرهابيتين على القرية، وانضمت إليهما لاحقاً قوات "البلماح" التابعة للهاغاناه.

وما كادت شمس ذلك اليوم تغيب بعد قتال عنيف دام أكثر من اثنتي عشرة ساعة حتى تمّ للمعتدين ما عقدوا النية عليه، مستغلين خروج عدد كبير من رجال القرية للمشاركة في معركة القسطل و تشييع الشهيد عبد القادر الحسيني، واحتُلّت القرية واستشهد من سكانها مئة شخص ونيف، وهُجر النازحون، وغدا اسم دير ياسين عبر الآفاق رمزاً لإفلاس بريطانيا المعنوي ولدموية الصهيونية ووحشيتها.

كان الهجوم على قرية دير ياسين الخطوة الأولى من أجل إعادة السيطرة على الطرق الرئيسية المؤدية إلى القدس. ففي الساعة الثالثة فجراً تقدمت العصابات الصهيونية تسبقهم سيارة مصفحة. بحسب بعض الروايات فاجىء الأهالي المهاجمين وأطلقوا النار عليهم فقتلوا 4 منهم وجرحوا 32 آخرين. و ما ان فزع أهل القرية و خرجوا من بيوتهم حتى بدأت العصابات الصهيونية بارتكاب واحدة من أفظع المجازر في تاريخ البشرية.

لم يسلم من هجمية ووحشية العصابات الصهيونية شيخ او طفل او امرأة، كلهم كانوا مستهدفين بوحشية دون اي تفريق، ثم تم تمشيط القرية وتجميع من بقي حيث تم اطلاق النار عليهم جميعاً. و قد اخذوا عدد من اهالي القرية و طافوا بهم في المدن التي استولى اليهود عليها اعلاناً للنصر ثم اعادوهم الى القرية و قتلوهم.

9937661270826956

و كل من شهد تلك المذبحة، سواء من ناجيين او من اطباء الصليب الاحمر و الصحفيين، تحدث عن بشاحة ما جرى في دير ياسين .. حتى ان احدهم قال إن الوحوش نفسها تأنف ارتكاب هذه المجازر، فلقد تم بقر بطون الحوامل وقتل الأحياء حرقًا و القاء الاطفال من فوق اسطح المنازل وغيرها من الأفعال الوحشية.

كانت نتائج هذه المجزرة بالغة الأثر، فلقد وصل الخبر الى القرى المجاورة حيث قام اهلها بالخروج منها فراراً بعرضهم و ارواحهم الى قرى ابعد و بالتالي فقط هجرت قرى كثيرة دون ان تطلق العصابات الصهيونية رصاصة واحدة و هذا ما اعتبرته العصابات الصهيونية نصراً كبيراً!

تختلف الروايات في عدد الذين استشهدوا في هذه المجزرة، ففي حين تذكر المصادر الفلسطينية ان عدد الشهداء 350، فإن المصادر الغربية تشير الى ان عدد الشهداء يقارب الـ 110. و حتى ان بعض المحللين و المؤرخين الفلسطينيين ذكر انه كان هناك مبالغة و تهويل في عدد من استشهد في هذه المجزرة من شدة بشاعتها.

يقول وليد الخالدي، المؤرخ الفلسطيني في كتابه عن دير ياسين :"دير ياسين إنما هي النموذج للصدام بين المنظمات الدولية الصهيونية ذات الطاقات المادية والبشرية الضخمة، وبين أرباب عائلات قروية متواضعة يدافعون عن عقر الدار وعتبتها،...ودير ياسين غدت إلى جانب ذلك وذاك رمزاً لتقصير القيادات الفلسطينية والعربية الفادح والفاضح نتيجة سماحها للعدو باستفراد قرى فلسطين قرية قرية ومدنها مدينة مدينة..".

[caption id="attachment_8092" align="aligncenter" width="498"]جزء مما تبقى من القرية اليوم جزء مما تبقى من القرية اليوم[/caption]

ويضيف الخالدي: "حان الوقت لتكتسب دير ياسين أيضاً رمزيتها عن جدارة وحق كمقاومة بطلة ذلك بأن أهاليها على الرغم من عنصر المفاجأة وعدم وصول أي نجدات إليهم، قاوموا بإمكاناتهم المحدودة جداً نسبياً القوى المهاجمة مقاومة بطولية اضطرت المنظمتين الارهابيتين على الاستنجاد بقوات البلماح لإخراجهما من ورطتهما العسكرية".

ويروي الخالدي في كتابه أحداث تشكيل لجنة طوارئ في القرية من سبعة أشخاص تمثل الحمائل الثلاثة، وذلك عقب الهجوم في كانون الأول 1947 على القرية المجاورة لفتا. ويذكر الخالدي أن تلك اللجنة أرسلت وفداً إلى مصر حمل معه ألف جنية استرليني واشترى هناك عشرة بنادق مع ذحيرتها، لكن "الاستخبارات المصرية اعتقلته وصادرت السلاح والذخيرة، ثم ما لبثت أن أفرجت عنه بعد اتصالات بقيادة الجيش المصري، الذي تولى فيما بعد نقل السلاح إلى بلدة رفح على حدود فلسطين حيث سلم إليه فوضعه داخل صنادق في سيارة شحن تنقل خضروات إلى القدس، ومنها إلى عين كارم، ومن عين كارم بواسطة الدواب إلى دير ياسين حيث وصل يوم الأحد الرابع من نيسان 1948.

ويذكر الخالدي أن سعر البندقية الواحدة وصلة يومها إلى 55 جنيهاً أي ما يعادل راتب شهر لكبار موظفي حكومة الانتداب العرب، بينما بلغ سعر المخزن الواحد للبندقية - خمس رصاصات - إلى 55 جنيهاً وهو ما يعادل أجرة يوم كامل للعامل العربي العادي.

أرسل مناحيم بيغن، الذي أصبح فيما بعد رئيساً لوزارء "إسرائيل" ووقع اتفاقية كامب ديفيد مع الرئيس المصري الراحل أنور السادات، رسالة شكر و تهنئة الى رعنان قائد "الإرجون" المحلي قال فيها: "تهنئتي لكم لهذا الانتصار العظيم، وقل لجنودك إنهم صنعوا التاريخ في إسرائيل" و قد ذكر ايضاً بيغين في مذكراته ""لولا دير ياسين لما قامت إسرائيل".

وتقوم على أراضي دير ياسين اليوم مستوطنة "جفعات شاؤول"، و أطلقت أسماء المنظمات الصهيونية: الإرجون، وإتسل، والبالماخ، والهاجاناه على شوارع هذه المستوطنة.