"اليوم رح تربحي معنا غسالة لأنه هويتك آخر هوية"! باستهزاء قال الجندي لإحدى النساء عندما خرجت لتأخذ بطاقتها الشخصية التي احتجزها الجنود شرط دخولها إلى المسجد الأقصى. تلك المرأة كانت محظوظة مقارنة بأخرى قالوا لها على الأبواب إن هويتها ضاعت وتستطيع البحث عنها في مراكز شرطة الاحتلال في القدس.
تصرف بات حتميا وشبه يومي؛ أن يتربص جندي الاحتلال على أبواب الأقصى لأي امرأة تقبل من بعيد ويستوقفها دون الرجال ليقول لها:"هويتك يا حجة"، تعطيه الهوية فيتفحص الهوية ووجهَ المرأة ثم يسأل بتحاذق مصطنع:"مش إنتِ مبعدة؟ مبلا كنت مبعدة"، ويبدأ كالأبله بفحص قائمة بين يديه تضم أسماء الممنوعين من دخول المسجد، وحين يتأكد أن اسمها ليس من ضمن القائمة يُبقي الهوية لديه ويعطي المرأة بطاقة صغيرة ملونة كتب عليها اسم الباب ورقم متسلسل لاسترداد هويتها حين خروجها.
إرهاب النساء وابتزازهن هو الهدف الأكبر من هذه السياسة، وكذلك تسجيل بيانات الداخلين للمسجد الأقصى لإحكام القبضة عليه. فالمرأة حين تعلم أن بياناتها الشخصية مدونة عند جنود الاحتلال فإنها قد تردد في القيام بأي فعل "يزعج زوار المسجد من غير المسلمين ويعكر صفو زيارتهم" على حد تعبيرهم؛ في إشارة إلى تصدي النساء بالتكبير لاقتحامات المستوطنين واستفزازاتهم للمسلمين وانتهاكهم لحرمة المكان.
قد يسأل سائل "لماذا النساء دون الرجال؟" يأتي الجواب رجوعا إلى الذاكرة التصاعدية حين أخذ المصلون في المسجد على عاتقهم - منذ سنوات - حمايته من كل مقتحم ومنتهك لحرمته، فعند الاقتحامات يشرع الرجال بالتكبير فتعتقلهم قوات الاحتلال فورا ثم تبعدهم، ولم يكونوا آنذاك على قدم المساواة في الجرأة لمعاملة النسوة بنفس الطريقة، ليس كرم أخلاقٍ منهم، ولكن خوفا من ردة الفعل إن هم مسّوا بنساء الأقصى.
ومع هذا النَسَق، اشتدت شوكة النسوة، وبتن أٌقوى عودا وأعلى صوتا وأشجع قلبا، وأضحين المؤرق الأساسي لأي مقتحم؛ لايفتأن من التكبيروالمطاردة، فتنبه الاحتلال لخطرهن، وشرع بتصويرهن، اعتقالهن، والاعتداء بالضرب عليهن.
وزادت المفارقة عجبا حين اقتصر المنع من دخول الأقصى عليهن، فلايدخلن المسجد إلا قبيل صلاةالظهر مع احتجاز بطاقاتهن الشخصية.
بالانعطاف نحو الطبيعة النفسية للمرأة؛ فإن الخبراء يقولون إنهاأسرع اندفاعا، وأقدرعلى القيام بأكثرمن أمرفي نفس الوقت، وباتت أشجع – كما أسلفت – لكون الضرر الواقع عليها في السابق أقل من الرجال.
لكن الاحتلال في ظل السكوت العربي والاسلامي، أخذته العزة بالإثم وتمادى في انتهاكاته ضدالنساء، بل وأصبح يستدعي عناصر احتلالية نسائية، لزيادة دائرة الاعتداءات.
قربُ مصاطب النساء من مسار المقتحمين كان له كذلك دوربارز في تصدرهن خطَ المواجهة؛ فالمراقب يلاحظ أن المصاطب التي تحيط بباب المغاربة هي للنساء.
وهكذا غدت النساء داخل دائرة الاستهداف، وترى طاولة الجنود على أبواب الأقصى مليئة ببطاقات الهوية الخاصة بالنساء، الزرقاء منها والخضراء، فحتى حاملات البطاقات الخضراء مع تصريح الزيارة أو المرض لا يسمح لهن بالدخول إلا بعد تسليم هويتهن.
ردود فعل النساء تباينت؛ فبعضهن يسلّمن الهوية تفاديا لأي جدال عقيم مع الجندي، وبعضهن يحاولن من عدة أبواب لعلهن ينجحن في الدخول بدون تسليم الهوية، وأخرى وضعت غلاف هوية "فارغ" سها الجندي أن يتفحصه، ليتفحصه لاحقا بعد دخولها ويكتشف أنه فارغ! محاولات عديدة ومميزة- لا مجال لذكرها هنا - تثبت أن سياسة الإرهاب هذه لم تؤتِ أُكلها، ليعمرن المسجد باستمرار ولسان حالهن يقول: "الأقصى أغلى من هويتي"!