شبكة قدس الإخبارية

(مقال) عيادات السجون جزء من الجهاز القمعي وليس من الجهاز الطبي

هيئة التحرير

بقلم الأسير الفلسطيني: حسام زهدي شاهين سجن جلبوع المركزي

تتواتر الأخبار الواردة من مختلف السجون حول أعداد الأسرى المرضى الذين يتزايدون بشكل مستمر نتيجة الإهمال الطبي المتعمد الذي يتعرضون له في السجون الإسرائيلية. وتكثر المؤسسات العاملة في مجال حقوق الإنسان وقضايا الأسرى.

ومع الأسف الشديد، ينحصر دورها في توثيق هذه الإنتهاكات ونشر بعض التقارير الإعلامية حولها دون أن يغير ذلك من واقع المعاناة شيئاً يُذكر، الأمر الذي يستدعي اعادة التفكير الوطني في دور هذه المؤسسات وتركيزه من حيث الإستراتيجيات الواجب اتباعها لإحراز نتائج ملموسة في هذا المضمار؛ ليس من ناحية كشف وفضح هذه الحالات المعروفة اصلاً؛ ولكن من ناحية الزام سلطات الإحتلال الإسرائيلي بتقديم العلاج المناسب لهؤلاء المرضى حسب ما ينص عليه القانون الدولي. وهذا ما تؤكده اتفاقية جنيف الرابعة بشأن حماية الأشخاص المدنيين في وقت الحرب.

وقد أشارت المواد (3)، (37)، (76)، (81)، (85) بشكل واضح الى ضرورة وجوب ايلاء سلطات الإحتلال الرعاية الطبية الكافية للأشخاص المحتجزين، بينما نصت المادتان (91) و (92) على حقوق المعتقلين كاملة، وأجازتا علاجهم من قبل أطباء من جنسيتهم، واشترطتا أن تجري لهم فحوص طبية مرة واحدة على الأقل شهرياً وحتى نخرج من الإطار النظري لمشكلة الإهمال الطبي في السجون الإسرائيلية، ونخرجها من المفهوم العام الذي تتداوله وسائل الإعلام.

سأحاول قدر الإمكان، ومن واقع التجربة المريرة وضع كافة الجهات المعنية في صورة الأسباب الحقيقية التي تجعل من عيادات السجون شريك فعلي في ارتكاب جريمة الإهمال الطبي التي أودت بحياة العشرات من الأسرى، أو ساهمت بتحويل العديد من الأمراض المؤقتة الى أمراض مزمنة، وهذه المخالفات تتلخص فيما يلي:-

1- منذ اللحظة الأولى التي يُزَج فيها الأسير الى داخل المعتقل، يتم عرضه على طبيب عسكري أو أمني، الذي يقوم بمعاينته والكشف عليه، وتحديد الأمراض ومواضع الضعف والعجز التي يعاني منها، حتى يقدم تقريره لجهاز المخابرات، الذي بدوره يستغلها للضغط على الأسير أثناء عملية التحقيق معه بهدف انتزاع المعلومات منه.

2- التوجه العام لأطباء السجون يتبع سياسة تقليص النفقات الطبية الى أقصى حد، ويُعتبر الطبيب ناجحاً أكثر كلما خلا سجله من التحويلات للمستشفيات الخارجية.

3- السياسة العامة التي تنتهجها إدارة مصلحة السجون بحق الأسرى في مجال الخدمات الطبية والرعاية الصحية، تعتمد بشكل رئيسي على تقديم المسكنات لكافة الأمراض الخطيرة، وترفض تقديم العلاج النهائي من عمليات جراحية واستئصال أورام أو زراعة أعضاء إلا في الحالة التي تفصل فيها مثل هذه العمليات بين الأسير والموت المحتم، وتندرج هذه السياسة أيضاً تحت باب تقليص النفقات على حساب حياة الأسير الفلسطيني.

4- الفكرة النمطية التي يحملها أطباء السجون أو تلك التي تُحشى بها أدمِغَتهم إزاء الأسرى،أي قبل مباشرة عملهم في السجون تقوم على أن غالبية الأسرى يتمارضون، وبالتالي عندما يكون الحكم المسبق قد صدر بحقك قبل دخولك العيادة بوقت طويل، فهذا يؤدي إلى أن يتجاهل الطبيب حقيقة الأعراض التي تعاني منها، على قاعدة أنها إدعاءات كاذبة، وبالتالي ستطول معاناة الأسير لسنوات طويلة، ويتفاقم مرضه، قبل أن يتم التعاطي معه بشكل جدي.

5- الطبيب في السجن ضابط عسكري،وتتم ترقيته بناءً على الرتية العسكرية والوفاء للمؤسسة، وليس وفقاً للأبحاث العلمية والدراسات التي يقدمها.

6- الغالبية العظمى من الأطباء في السجون الإسرائيلية يجري تشغيلهم عن طريق شركات مقاولو عمل، أو يُطلق عليه باللغة العبرية "حفرات كوح أدام" أي أنه لا يوجد علاقة للجانب المهني في توظيفهم، وبالمناسبة غالبيتهم من الأطباء الروس عديمي الخبرة وقليلي التجربة، أو من العنصريين الذين يشحون بخبرتهم ومهنيتهم عن الأسرى الفلسطينيين، وبصورة عامة جرى توظيفهم في السجون لعدم مقدرتهم على فتح عيادات طبية خاصة أو لأنه تم رفض استيعابهم في المستشفيات الحكومية والخاصة.

7- من النادر جدا أن تلتقي بطبيب أخصائي داخل السجون، فكل الأطباء هم أطباء عامون فقط.

8- تعتمد العيادة في تعاملها اليومي مع الأسرى بشكل أساسي على ما يطلق عليه في اللغة العبرية اسم "حوفيش" أي "مضمد" وليس "ممرض" ومؤهلاته العلمية لا تتعدى حدود دورة الإسعاف الأولي، التي غالباً ما يكون قد اجتازها أثناء خدمته العسكرية في الجيش، وفي ذات الوقت هو جزء لا يتجزأ من إدارة السجن، وسرعان ما ينقلب من "مضمد" الى "سجان" يمارس دوره الوظيفي مع بقية السجانين ويشاركهم في قمع الأسرى أو في عدهم العدد اليومي.

9- نادراً ما يقوم الأطباء بإجراء الفحص السريري للمرضى واستجوابهم بشكل دقيق، ناهيكم عن مشكلة اللغة، وهذا الفحص حسب الأعراف الطبية يُمَكِن الطبيب من تشخيص ما يقارب ال 75% من المرض بشكل مبدئي.

10- بعض الأطباء قاموا بمعاقبة الأسرى، حيث أمروا بإرسالهم إلى الزنازين الإنفرادية لمجرد أن الأسير جادل الطبيب حول تردي وضعه الصحي، وخالفه الرأي السائد بأن ما يعاني منه لا يعدو كونه أعراض حالة نفسية يمر بها.

11- بما أن المفهوم العام لتعامل العيادة مع الأسرى السياسيين بات واضحاً، سنجد أن دخول الأسير لمراجعة العيادة وشكواه من أي مرض كان ستواجه بالوصفة السحرية "عليك الإكثار من شرب الماء" ، أو بمنحه حبة "الأكامول" للتخفيف من حرارته وفي بعض الأحيان يعطى دواء وهمي لمجر إرضاءه، باعتبار أن شكواه نفسية وليست جسدية، وهذه الحبة تعرف طبياً باسم (placebo) وعربيا ب (الغفل).

12- غالباً ما تُستخدم العيادة كوكر لضابط استخبارات السجن، والتي يحاول من خلالها التواصل مع عملائه، أو للضغط على بعض الأسرى بهدف تجنيدهم وابتزازهم، الشأن الذي حذا بالكثير من الأسرى الى العزوف عن مراجعة عيادة السجن بالرغم من أوضاعهم الصحية الحرجة.

13- كلما صدف ووُجِدَ طبيب جيد يتعامل مع الأسرى بطريقة مهنية وإنسانية، نجده موضع إزدراء لطاقم العيادة حتى يتم استبداله.

14- هناك الكثير من الأمراض الداخلية التي لا يمكن تشخيصها بالعين المجردة، وتحتاج الى فحوصات مخبرية أو إشعاعية، غير أن الأسرى لا يحصلون على مثل هذه الفحوصات لأن أطباء السجون يدعون دائما بأنهم قادرين على تشخيص هذه الأمراض من الحالة العامة التي يمر بها الأسير، وما لم يتطور المرض ويستفحل في جسمك حتى يصبح له أعراض خارجية، ستبقى تعاني الأمَرَيَنْ.

15- البيروقراطية الممنهجة والمقيته التي يتبعها الجهاز الطبي تجعل الأسير عُرضة لمزيد من الأمراض والمعاناة، حيث يتم تحويله من طبيب لآخر، ونقله بواسطة البوسطة في ظروف غير إنسانية، وغير ملائمة لوضعه الصحي، فعملية التنقل لوحدها، بين السجن الذي يُحْتجز فيه وبين "معبار" ما يسمى بمشفى سجن الرملة، كفيلة بأن تدفعه الى التنازل عن ملفه الطبي وتعريض حياته للخطر تجنباً للمعاناة القاسية التي يلقاها في البوسطة والمعبار.

16- الكلمة الأخيرة في العيادة تعود للضابط المسؤول وليست بيد أي طبيب مختص حتى ولو كان طبيب السجن نفسه، ففي حال توصية الطبيب بإجراء فحوصات معينة أو تقديم علاج ما، أو أجهزة مساعدة للمرضى، فإنه لا يتم تنفيذ هذه التوصيات، مما يضطر الأسرى الى التوجه للقضاء أو اللجوء للإضرابات ومقاطعة العيادة جماعياً بهدف الضغط من أجل معالجة أسير واحد، وفي حال أقرت العيادة تنفيذ هذه التوصيات فإنها تأخذ زمناً طويلاً.

17- عند توتر الأوضاع داخل السجن، فإن الإستنفار والقمعة يتمان خلال دقيقتين، بينما تعرض الأسير لوعكة صحية طارئة فإنه لا يتم التجاوب معها من قبل الطاقم الطبي قبل 45 دقيقة على الأقل، وهذا ما تسبب بارتقاء العديد من الشهداء داخل السجون، لدرجة أن الأخ الشهيد محمد حسن أبو هدوان فُكَت القيود من معصميه وقدميه بعد نصف ساعة من استشهاده، وهذا التأخير هو الذي أودى بحياة الشهيدين فضل شاهين وماهر دندن.

18- فيما مضى اعترفت رئيسة الكنيست الإسرائيلي السابقة "داليا إيتسك" بأنه جرى إجراء تجارب طبية تجاوزت الألف تجربة على أجساد الأسرى الفلسطينيين لصالح شركات الأدوية المحلية والعالمية.

إن النتيجة التي تقودنا إليها هذه المقدمات تفيد أن العلاج في السجون إذا تم تقديمه لا يقدم بهدف الإشفاء، ولكن من أجل ضمان استمرارية حياة الأسير حتى يتم إنفاذ المحكومية الصادرة بحقه.

ومن الهموم الإضافية التي تتراكم على صدور الأسرى المرضى، الدور السلبي الذي يلعبه الصليب الأحمر الدولي، والذي توقف عن تقديم اللوازم الطبية المنصوص عليها في القانون الدولي، مثل النظارات الطبية، تركيب الأسنان،أجهزة السمع، والأطراف الإصطناعية والأحذية الطبية وغيرها، بحجة نقص الميزانيات، مما يشكل تساوفاً مع سياسة مصلحة السجون، ويشوه الصورة الإنسانية للصليب، لأنه يلقي بالأعباء المالية على كاهل عائلات الأسرى التي تُجبر على تغطية تكاليفها الباهظة في حال السماح بها.

ومن ناحية ثانية فإن أطباء الصليب الذين يزورون السجون في فترات متباعدة هم ليسوا من ذوي الإختصاص، كما أن دورهم يقتصر على الإستماع لشكوى المريض ونقلها لطبيب العيادة، ولا يقومون بإجراء أية فحوصات على المرضى، عدى عن كونهم أجانب ولا يعرفون اللغة العربية، الأمر الذي يصعب إصال المعلومة إليهم بشكل دقيق حتى في ظل وجود ترجمة، ولا أفهم حتى اللحظة لماذا لا يقوم الصليب بتوظيف أطباء عرب من سكان هذه البلاد، وذوي إختصاص ويفهمون اللغة جيداً، وهم أقل تكلفة من استحضار أطباء من الخارج !! وهو يمتلك الحق في ذلك، أوليس لديه أزمة مالية تمنعه من تقديم العديد من الخدمات للأسرى ؟!

وحتى نحرز تقدماً في هذا المضمار لا بد من تكثيف جهود كافة الجهات الرسمية والمدنية وصهرها في بوتقة العمل الموحد على الصعيد الدولي، خاصة وأننا حصلنا مؤخراً على الإعتراف الأممي بنا كدولة مراقب في هيئة الأمم المتحدة، مما يتيح لنا المجال ملاحقة مرتكبي هذه الإنتهاكات والجرائم بحق الإنسانية.

وفي هذا السياق لا بد من توجيه الدعوة لنقابة الأطباء الفلسطينية، ونقابة الأطباء العرب بإثارة هذه المشكلة أمام إتحاد الأطباء العالمي ومنظمة الصحة العالمية ومطالبتها بمحاسبة هؤلاء الأطباء، ونقابة الأطباء الإسرائيليين التي تمنحهم الغطاء القانوني والسياسي لكل ما يرتكبون من انتهاكات لحقوق الإنسان. لذلك يجب ملاحقتهم قضائياً بموجب حنثهم بقسم "أبقراط" الذي يشترك فيه جميع أطباء العالم