ما أشبه عملية "إيتمار" قرب بيت فوريك بعمليةٍ "عتنائيل" جنوب الخليل، ليس فقط في عدد القتلى، بل إن كلتيهما وقعتا عام 2015 خلال انتفاضة القدس، وفيهما استخدم أسلوب "عمليات التجاوز"، فالمقاتل أطلق النار من نافذة سيارته، ثم ترّجل على قدميه بعد توقف الهدف المتحرك وأطلق النار مجدداً، أما في سياق الاختلافات فعملية "إيتمار" تضمنت هدفاً واحداً هو سيارة الزوجين يتام ونعاما هينكين، في حين أن عملية "عتنائيل" استهدفت في البداية مركبة إسرائيلية يبدو أنها الهدف الرئيسي، وبعد إنجاز الهدف انسحبت الجهة المنفذّة بسيارتها وواصلت إطلاق النار مستهدفةً سيارات إسرائيلية أخرى.
عملية "إيتمار" جاءت في أعقاب سلسلةٍ من الإعدامات الإسرائيلية والجرائم التي نفذها المستوطنون، أبرزها "إحراق آل دوابشة"، و"قتل أبو ماريا"، إضافة لكوكبةٍ من "شهداء الحواجز" قبل بدء الانتفاضة الحالية، أما عملية "عتنائيل" فقد جاءت بعد أيامٍ من قتل المستعربين للشهيد شلالدة واختطاف ابن عمه من على سرير الشفاء في الخليل، وبعد أيامٍ كذلك من فيديو الطفل مناصرة، ولعلّ الاحتلال الذي أطلق على عملية المستعربين ليلاً إسم "بيبي بوم" أي الطفل المتفجر نسبة لـ"الرجل الحامل" في العملية، لم يكن يتوقع أن يأتي الرد على الملأ وفي وضح النهار عبر "سيارة الموت"!.
على صعيد متصل، إن المُتفحص للأحداث والتغطية الإعلامية التي واكبت عملية "إيتمار" يُلاحظ أن وسائل الإعلام الإسرائيلية سلّطت الضوء على أطفالٍ إسرائيليين أصبحوا أيتاماً وذكرت بهامشيةٍ أن المنفذين امتنعوا عن المس بأطفال عائلة هينكين، في حين أن وسائل الإعلام العربية والفلسطينية لم تول الاهتمام الكافي بعائلاتٍ كاملة مُسحت من السجل المدني في قطاع غزة، ويتكرر الأمر في عملية "عتنائيل" حيث أفردت كافة وسائل الاعلام الإسرائيلية مساحةً واسعة للبكائيات عبر التذكير أن العائلة الاسرائيلية كانت تنتظر زفاف ابنتها بعد أيامٍ قليلة، وعرضت تلك الوسائل صورا لبطاقة دعوة الزفاف وباقة وردٍ في السيارةِ المستهدفة، وكالعادة تطرق بعض تلك القنوات بهامشيةٍ لامتناع المقاومة الفلسطينية عن المس بالأطفال والنساء أيضا في هذه الواقعة، بالمقابل تفقدت أرشيف وسائل الاعلام الفلسطينية والمواقع الالكترونية فلم أجد سوى تقريرٍ تلفزيوني واحد حول حادثة اعتقال الاحتلال للشاب بكر خريوش من مخيم طولكرم قبل ساعاتٍ قليلةٍ من زفافه!.
تركيز الاعلام الفلسطيني على العمليات الفدائية لا يعني بالضرورةِ أن تخف وتيرة تناول القصص الانسانية، لقطاتٌ من منزل آل خريوش أفضل من إعلانٍ تلفزيوني مدته دقيقة!، أما وسائل الاعلام التي تشتمل سياستها ورؤيتها على اختزال التغطية في القصص الانسانية والمعاناة، فلم أشاهد تقريراً تلفزيونياً عن حادثة اعتقال العريس الفلسطيني قبل زفافه بساعاتٍ، وبالنسبة للأخبار المكتوبة والالكترونية التي تناولت الحادثة فالأغلبية الساحقة منها اعتمدت على "نسخ،لصق" لزيادة عدد أخبار يومها من جهة، واثارة الجمهور ودفعه لقراءة ماذا حل بهذا العريس من جهة أخرى بهدف زيادة أرباحها!.
صحيحٌ أن اعلامنا الفلسطيني غير الرسمي موّجهٌ بأغلبيته داخلياً إلى الشعب، لكن هذا لا يُعفيه من التركيز على القصص الإنسانية وقصص المعاناةِ المتواصلةِ التي تستجد كل ساعةٍ على هذه الأرض المحتلة، فالتغطية الكاملة أبجدية رئيسية في الإعلام المهني، فلا التركيز على القصص الإنسانية وحده دون المواجهات يُفيد، ولا التركيز على المواجهات والعمليات وحده يُفيد، من الأخلاقيةِ أن يعرف الشعب كل ما يدور حوله بالتفصيل.
هناك رأيٌ يقول "إن من واجب الإعلام التركيز على العمليات الفدائية وعدم الانجرار خلف التباكي والأنسنة –وفق اصحاب الرأي- بحجة أن جمهور الإعلام الفلسطيني هو محليٌ أو عربي، لكن أصحاب ذات الرأي لم يسألوا أنفسهم "لماذا يُسلّط الاعلام الاسرائيلي الضوء على القصص الانسانية دائماً رغم أن جمهوره هم الإسرائيليون واليهود"؟!، هل هناك دولٌ يُجيد قاطنوها اللغة العبرية في العالم غير الأرض التي يحتلها الإسرائيليون في الكرة الأرضية؟!.