شاهد العالم بأعين من سخط واشمئزاز المشهد الهمجي لمحقق اسرائيلي يعذّب طفلاً فلسطينياً قاصراً لم يتجاوز الرابعة عشر سنة ويستجوبه بطريقة لا أخلاقية لا تليق بالبالغين فكيف بطفل قاصر! ويطرح هذا الموقف تساؤلاً مهماً حول طريقة تعامل دولة الاحتلال مع الأسرى الفلسطينيين ومدى التزامه بالقانون الدولي. فالفيديو المسرب يكشف عن جريمتين بشعتين، الأولى هي استجواب الأطفال القاصرين قسراً والثانية هي استخدام اساليب بشعة أثناء التحقيق.
جريمة التعذيب والقانون الدولي
ومما لا شك فيه أن تعذيب الأسرى هي جريمة يعاقب عليها القانون الدولي (افتراضاً). وقد ورد تعريفها في عدة اتفاقات دولية من أهمها الاتفاقية الدولية لمناهضة التعذيب وغيره من المعاملة القاسية وغير الإنسانية والمهينة حيث ورد في مادّتها الأولى أن التعذيب هو: "أي عمل متعمد يتم من خلاله إحداث ألم شديد أو معاناة، سواء مادية أو نفسية، على شخص من أجل... الحصول على معلومة أو إعتراف.. عبر مسؤول عام أو شخص آخر في موقع المسؤولية".
فكما ورد، قد يكون التعذيب ماديا (فيزيائيا) أو معنوياً (نفسياً) من أجل الحصول على معلومة ما. وقد أقرت "إسرائيل" مسبقاً بارتكابها بعض الممارسات "للضغط الفيزيائي" على بعض الأسرى من أجل فك بعض العبوات الناسفة، إلا أن المتتبع للمارسات الإسرائيلية في السجون يجد أن التعذيب على اختلاف أنواعه –كما سيلي- يمارس بصورة منتظمة ومنهجية ضد غالبية الأسرى الفلسطينيين بمن فيهم الأطفال كما ظهر في الفيديو المسرب للطفل أحمد المناصرة.
ومن أبرز أنواع التعذيب الروتينية في سجون الاحتلال ما يلي:
- العزل عن العالم الخارجي ومنع الأسير من مقابلة محاميه أو الصليب الأحمر الدولي.
- إخضاع الأسير لظروف ضاغطة نفسياً أثناء احتجازه مثل الزنازين الضيقة
- اللجوء إلى أساليب تؤدي إلى الضعف العام في جسد الأسير مثل المنع من النوم والوجبات غير الصحية أو المنتظمة
- الشتم والإذلال عبر تصرفات غير لائقة مثل الصراخ والبصق على الأسير.
- شَبْح الأسير.
- التهديد بالتعذيب الجسدي.
أما فيما يتعلق بالأساليب الخاصة للتعذيب فهي كما يلي:
- المنع من النوم لمدة تتجاوز 24 ساعة
- وضع أغلال مؤذية وتضييقها على أطراف الأسير بشكل مؤذي وقد يسبب النزيف أحياناً.
- الشد المفاجيء للأطراف بشكل يسبب آلاما ومشاكل دائمه في جسد الأسير.
- الشبح المؤذي بمختلف أنواعه ومنها: جلسة الضفدع على الكرسي لساعات وأحيانا أيام، ووضعية الموزة على الكرسي وغيرها من الوضعيات التي تسبب عاهات دائمة للأسير.
- ربط الرأس للأسف أو الأعلى بشكل مؤذي ولفترات طويلة.
ويذكر أن سلطات الاحتلال كانت تلجأ لأساليب أشد إيذاءً إلا أنها تراجعت عنها إثر ضغوط متكررة من هيئات حقوق الإنسان ولم يعد إلى استخدامها إلا بعد استصدار إذن خاص.
ومما لا شك فيه أن التعذيب جريمة محرمة قطعاً في القانون الدولي الإنساني والقانون الدولي لحقوق الإنسان. فالهدف الوحيد لإعتقال أي شخص هو منعه من الإنخراط في مهمات قتالية وحسب، ولا يحق لأي جهة أن تعذبه أو تستغله. وقد ورد ذلك في اتفاقية جينيف لمعاملة أسرى الحرب. وقد تم تجريم التعذيب بمختلف أنواعه في عدة إتفاقيات أبرزها معاهدة مناهضة التعذيب المذكورة آنفاً ونظام روما الأساسي المؤسس للمحكمة الجنائية الدولية في مادته السابعة حيث تم اعتبار التعذيب من ضمن الجرائم ضد الإنسانية التي تعاقب عليها المحكمة.
محاكمة الأطفال
ومما يجدر الإشارة إليه أن الأطفال لديهم الحق في معاملة خاصة في حالات التحقيق ويحق لهم التزام الصمت وعدم الإجابة على أي من أسئلة المحقق حتى حضور أحد الأبوين أو المحامي.
وكما ورد في التسريب فإن الطفل أحمد المناصرة قد حرم من حقوقه وتم تعذيبه نفسياً بشكل واضح عبر الصراخ وتعريضه للضغط النفسي من المحقق. وهذا يستدعي المسؤولية الفردية للضابط والمسؤلية العامة لدولة الكيان الصهيوني بناء على القانون الجنائي الدولي.
كيف نستفيد من الجريمة لخدمة القضية؟
رغم أن عنوان المقال قد يوحي بتركيزه على قصة الطفل مناصرة إلا أن الكاتب ارتأى التركيز على الجريمة ذاتها لأنها تتكرر بشكل دائم ومنهجي ضد الأسرى الفلسطينيين، أطفالا وبالغين. وصدور هذا التسريب يتيح المجال لتسليط الضوء على هذه الجريمة في المحافل الدولية.
لذا يجب أن يتحول اسم الطفل مناصرة إلى حملات إعلامية وقانونية حول العالم لتسليط الضوء على هذه القضية وألا يقتصر التضامن على التعاطف مع حالة فردية وحسب.