شبكة قدس الإخبارية

بعد الحصار.. مصر تدمر بالمياه اقتصاد غزة وبيئتها

حنين حمدونة

غزة – خاص قُدس الإخبارية:  قنوات على طول الشريط الحدودي بين الأراضي الفلسطينية في قطاع غزة ومصر بعرض متر مرتبطة بمضخات عملاقة من الجهة الغربية تجلب المياه من البحر المتوسط، ومثقوبة بعدة ثقوب من جهة واحدة باتجاه قطاع غزة، هذا هو المشروع المصري لإغراق  حدود صحراء سيناء مع قطاع غزة، والذريعة إغلاق الأنفاق بين القطاع المحاصر ومصر.

بدأ الأمر بقرار من الرئيس المصري الأسبق حسني مبارك، باستزراع سمكي على الحدود مع القطاع، ولم ينفذ المشروع إلا في عهد الرئيس عبد الفتاح السيسي، وبعد إنجازه أعلن الجيش المصري عزمه على استخدام هذه القنوات لتأمين الحدود.

فجر (18 / أيلول) ابتلعت المياه أراضي منطقة رفح جنوب قطاع غزة، فهرع السكان محاولين الهروب من بيوتهم خوفاً من غرقهم فيها أو انهيارها على رؤوسهم، وكأن مقولة رئيس الوزراء الإسرائيلي إسحق رابين: “أتمنى لو أستيقظ يومًا وأرى غزة وقد ابتلعها البحر” تتحقق بعد عقودٍ من الزمن.

أزمة بيئية

ووفقا لرئيس بلدية رفح صبحي أبو رضوان،  فإن منطقة الإغراق تمتد من شاطئ البحر غربا وحتى طريق صلاح الدين، وقد شهدت في الفترة الأخيرة انهيارات أرضية  تظهر على شكل أخاديد، مبينا، أن الأخاديد هي أنفاق انهارت.

وتشمل المنطقة عدة أحياء سكنية منها "العزبة، تل السلطان، حي السلام، مخيم يبنا، الحي البرازيلي، حي السلام، وعدة تجمعات سكنية عائلية كحي آل قشطة، والشاعر، وزعرب"، وإثر حدوث الانهيارات الأرضية باتت آلاف المنازل السكنية  مهددة بالانهيار الأمر الذي يهدد حياة المدنين  .

وأفاد أبو رضوان لـ قُدس الإخبارية، أن آثار المشروع طالت البيئة بشكلٍ عام، حيث يهدد الضرر الأكبر المياه الجوفية، مشيرا لوجود 6 آبار مياه حكومية تقع على الشريط الحدودي تصل فيها نسبة "الكلورايد" 90%.

وأضاف، أن استمرار تدفق المياه من الجانب المصري سيزيد التلوث وسينعكس على الظروف الصحية للسكان، بزيادة ملوحة مياه الشرب ما يهدد بإحداث مرض الفشل الكلوي، وهو ما أكدته أيضا هيئة جودة البيئة التي حذرت من أن هذا المشروع سيزيد نسبة ملوحة المياه 40 ضعفا، ما يعني تدمير الخزان الجوفي.

كما تلحق هذه النشاطات خسائر فادحة بالزراعة حسب أبو رضوان، حيث يواجه نحو 5 آلاف دونم زراعي خطر التصحر، نتيجة زيادة نسبة الأملاح المعدنية في التربة.

وأشار أبو رضوان أيضا إلى الخطر الذي يهدد شبكات المياه والصرف الصحي، بالإضافة لغرف تجميع مياه الأمطار ومحطة تكرير المياه المبتذلة، وجميعها قد تنهار مع انهيار التربة، هذا بالإضافة للانهيارات المتوقعة في المباني وتدمير البنى التحتية نتيجة انسيات المياه إلى المناطق السكنية.

وتبلغ مساحة مدينة رفح 3500 دونما ، يعيش فيها 230 ألف نسمة يقيمون بالقرب من الحدود المصرية، وقد عملوا لسنوات على بناء الأنفاق الواصلة بين قطاع غزة ومصر وفي التجارة من خلال هذه الأنفاق، وذلك على خلفية إطباق الجانبين المصري والإسرائيلي حصارهما على قطاع غزة بالكامل وإغلاق المعابر، وقد تسبب هدم الأنفاق بفقدان آلاف الشبان مصادر رزقهم.

ويقول (أبو محمد) وهو صاحب نفق طلب عدم ذكر اسمه، أنه بدأ مع ثلاثة شركاء له قبل خمس سنوات بحفر نفق استمر العمل فيه لثلاثة أشهر على مدار الليل والنهار، وقد كان عمق النفق في الأرض بسيطا ما جعل تكلفته لا تتجاوز 30 ألف دولار.

وأضاف لـ قُدس الإخبارية، أن استهداف الأنفاق خلال السنوات الماضية دفعهم لتعميق النفق ليصل إلى عمق 20 مترا، حفاظا على النفق وأمن وسلامة العاملين فيه.

وبين أبو محمد، أن الدخل اليومي للنفق كان يصل إلى 10 آلاف دولار يوميا، وكان يشغل 20 عاملا فيه مقسمين على فترتي عمل صباحية ومسائية، قبل أن يتوقف الجميع عن العمل بعد التشديد الأمني والحملات على منطقة سيناء.

وأفاد أنه خسر بضائع تقدر بآلاف الدولارات سابقا، لكن ذلك لم يمثل ضربة قاضية لعمله، حتى تولي عبد الفتاح السيسي الحكم في مصر وبدأ بتدمير الأنفاق نهائياً من خلالها إغراقها بمياه البحر، مؤكدا أن هذه الخطوة أضرت أيضا بالاقتصاد المصري الذي كان يجني أرباحا كبيرة من خلال تجارة الأنفاق.

"إسرائيل" تحتفل

هذا المشروع جاء مثل "مطر رحمة" لدولة الاحتلال، التي لم تخف سعادتها به كونه نفذ ما عجزت عن تحقيقه طوال سنوات، فقد أشادت جهات إسرائيلية إعلامية ورسمية في مناسبات عديدة بالمشروع، ولم تتردد في الإعلان عن أنه يخدم المصالح الإسرائيلية.

وقال موقع "واللا" الإخباري الإسرائيلي، إن الخطوة المصرية أسوأ من القصف الإسرائيلي بالنسبة لسكان القطاع، الذين يستيقظون على أصوات المياه التي تخرج من بطان الأرض وتتدفق لمنازلهم، والسبب ضخها من قبل السلطات المصرية في الأنفاق.

أما موقع "جويش برس" الإسرائيلي، فقال إن ما تقوم به مصر من ضخ كميات من مياه البحر المتوسط باتجاه قطاع غزة بهدف تدمير الأنفاق، ألهم إسرائيل بـ"حل سحري للتخلص من سكان غزة".

وأضاف، "إسرائيل هي الأخرى ستعتمد على البحر المتوسط للتخلص من سكان غزة، عبر إغراء كل منهم بـ 5000 دولار وجواز سفر سوري مزور، ومقعد على متن سفينة تُبحر إلى البحر المتوسط".

وعلق الكاتب والمحلل السياسي طلال عوكل، بأن "إسرائيل" هي المستفيد الأول من أي خلاف عربي فلسطيني، بما في ذالك الخلاف القائم بين حركة حماس ومصر، مضيفا، "الحل الوحيد لهذا الخلاف هو المصالحة لتعود العلاقات من خلال التفاهم مع السلطة الفلسطينية".

وأشار عوكل إلى الادعاءات المصرية بأن هذه الانفاق تضر بالأمن القومي المصري، ما يجعل هدمها بأي طريقة حق لها، رغم تأكيد حماس على رفض هذه الاتهامات وأن الأنفاق لا تستخدم إلا لأغراض تجارية بسبب الحصار، معتبرا، أن هذه القضية زادت من عمق الخلاف بين حماس ومصر.

وأضاف لـ قُدس الإخبارية، أنه من الصعب الاحتكام للقانون الدولي في خلاف بين مصر وقطاع غزة، فبين الدول العربية لا يوجد قرارا وقوانين دولية يمكن اللجوء إليها  وتتعاظم المشكلة عندما يتعلق الأمر بقطاع غزة كونه منطقة تحت الاحتلال، وباعتبار أن مصر – كما تدعي – تتخذ هذا الإجراء لضمان أمنها.

وأكد عوكل أن الأمر ينعكس سلباً فقط على قطاع غزة، ويهدد التربة والمياه الجوفية، والمحاصيل الزراعية، ويضرب بعمق نحو حياة المواطنين الآمنة، بالإضافة لكونه يحرم سكان القطاع من تجارة الأنفاق التي وفرت لهم كافة  مستلزمات الحياة وقلصت نسب البطالة.

وكانت مصر وجهت مرات عديدة اتهامات لحركة حماس بتنفيذ عمليات داخل مصر، وهو ما نفته الحركة بشدة عدة مرات، وأظهرت عدم دقته ورود أسماء شهداء وأسرى وأطفال في قوائم المتهمين المزعومين وفقا للجهات الرسمية المصرية.