غزة – خاص قُدس الإخبارية: بين الأشجار.. على الحدود الشرقية للقطاع يتربص ساعات طويلة بالعدو ليقتنص أحدهم بضربة قاضية، فقد عرف بين رفاقه بأنه "القناص الأول على مستوى فلسطين"، متبنيا قاعدة أن كل اعتداء على الدم الفلسطيني يجب أن يقابله ضربة مؤلمة للاحتلال الإسرائيلي .
إنه الشهيد أحمد السرحي (29 عاما)، أب لطفلة لم تتجاوز العامين (بتول)، تؤمن الآن بأن والدها يسكن في الجنة البيت الجميل الذي تمناه، وتقول على نحو غير متوقع وببراءة شديدة، "الله يرحمك يا بابا أنت في الجنة و أنا بحبك".
بتاريخ (20/تشرين أول) قضى الشهيد السرحي ساعاته الأخير متنقلا بين دير البلح ومدينة خان يونس، أدى دوره الأبوي واطمأن على أسرته الصغيرة، قبيل توجهه الأخير إلى شرق مدينة البريج لينفذ مهامه الجهادية، وهناك ارتقى شهيدا برصاص الاحتلال إثر محاولة اغتيال هي الرابعة بحقه، وقد اعتبرها الاحتلال من أعماله الناجحة مؤخرا، كما قال الناطق بلسان الجيش افخاي ادرعي في تعقيبه على العملية.
خبر استشهاد السرحي دوى صداه في التقارير الإخبارية على الإعلام الإسرائيلي، ونقلت تفاصيل الاغتيال بأدق المعلومات، "سبع رصاصات بعد متابعته لفترة زمنية عبر طائرة الاستطلاع"، معلنين قتله بشكلٍ مُخطط بعد اتهامه بعمليات قنص عديدة استهدفت آخرها سيارة ضابط إسرائيلي شرق مدينة البريج .
اللحظات الأخيرة
محمود موسى (23 عاما)، الأخ الروحي الأصغر لأحمد، تلقى منه عقيدته النضالية ولازمه في دربه حتى لحظة استشهاده، يقول لـ قُدس الإخبارية، "آخر حديث كان لي مع أحمد أوصاني فيه بالمحافظة على أمانته النضالية، وبأن لا نسمح لأي اعتداء إسرائيلي أن يمر دون أن يكو له رد رادع، وأوصاني برعاية ابنته بتول".
ويوضح موسى، أنهما توجها ضمن فريق في "مهمة جهادية"، وأن السرحي لاحظ صوت طائرة الاستطلاع في الأجواء التي يتواجد فيها، فغادر سيارته واستقل دراجة نارية وتوجه مع مجموعة من الشبان لشرق البريج على ثلاث دراجات نارية .
وحسب موسى، فإن المجموعة لم تقض في الموقع سوى ثوان معدودة، قبل استهدافها بأعيرة نارية كثيفة من الدبابات المحاذية للسياج الحدودي، فأصيب هو في الجنب الأيسر من جسده "نحو القلب"، وأصيب السرحي بأعيرة نارية في القلب مباشرة أودت بحياته.
تنهد موسى وتابع، "من شدة تعلقي به أخفوا خبر استشهاده عني لأيام، وبقيت على أمل بأن تكون إصابته طفيفة وأن يتحسن سريعا لنعاود دربنا سويا، وصدمت بأنه استشهد، فقد تعلقت به منذ الصغر، ولازالت كلاماته الأخيرة تدوي في دماغي بمواصلة الجهاد".
صبر وفخر
بصوت ملئه الصبر والفخر، تحدث شريف السرحي (65 عاما) لـ قُدس الإخبارية، "أنا كنت متوقع استشهاد ابني فالاحتلال حاول اغتياله أكثر من مرة، والله أراد له في هذه المرة أن يكرمه بالشهادة التي تمناها، وبإذن الله ابني شهيد فملامح وجهه الذي أشع نقاءً وهدوء النائمين، ودمه الذي بقي يسيل لليوم التالي من استشهاده، تدل على كرامة الشهداء ".
ويؤكد الأب الفخور بالنهاية المشرفة لفلذة كبده، أن أحمد كان مرصودا من قبل طائرات الاستطلاع منذ يومين وقد انبته لملاحقتها له في كل مكان، موضحا، أن تلك الطائرات أنارت الطريق الذي يسكنه بشكل مخيف، الأمر الذي زاد شكنا بأنها ترصد أحمد، وهو ما جعل عملية اغتياله أمرا متوقعا.
ويضيف "أبو الشهيد"، أن أول محاولة اغتيال لابنه كانن خلال عدوان عام 2008 بصاروخ تتبع الهاتف النقال الذي يحمله، لكن ابنه الذي تمتع بحس أمني عال استدرك الأمر وألقى بالهاتف بعيدا، وركض في الاتجاه المخالف للهاتف، فسقط الصاروخ بعيدا عنه ونجا من موت محقق.
وكان هذا العدوان قد اندلع برا وجوا بعد أسر المقاومة للجندي جلعاد شاليط، وكانت حصيلته استشهاد نحو 1350 شهيد.
أما محاولة الاغتيال الثانية فكانت في بلدة بيت لاهيا شمال قطاع غزة عام 2012، وأصيب على إثرها بجروح ثم تمت معالجته ميدانيا حفاظا على أمنه، فيما كانت عملية الاغتيال الثالثة عام 2014، وتم خلالها استهداف منزل العائلة المكون من خمسة طوابق بهدف اغتياله، لكن المحاولة باءت بالفشل هذه المرة أيضا.
وانتقل الشهيد من العمل المقاوم في صفوف حركة الجهاد الإسلامي، إلى سرايا الرسول الأعظم التابعة لحركة الصابرين، وهو أحد التنظيمات حديثة التكوين في قطاع غزة وتتبنى الفكر المقاوم.
أما زوجة أحمد فقد تلقت خبر استشهاده بالزغاريد والتهليل، فتقول تساهيل السرحي (21 عاما)، "زوجي تمنى الشهادة والله منحه إياها وهذا هو سبب صبري على فراقه".
وتستذكر تساهيل أحمد بأنه الرجل الذي يحنو عليها وعلى ابنتها، وقد كان متعلقا بهما بشدة، إلا أن تعلقه بالشهادة أقوى، متمنية بأن يكون في "الفردوس الأعلى".
وتضيف لـ قُدس الإخبارية، "ابنتي كانت تحب والدها بشدة، إلا أنني تفاجأت حين أخبرتني بأن والدها في الجنة وأنها تحبه، وصاغت لي كلمات استغربت كيف لها أن تقولها وهي بعمرها هذا، وفي خالص الأمر ابنتي هذه ستكبر محبة لوالدها الشهيد الذي دافع عن أرضه ودينه".
يشار إلى أن عملية اغتيال الشهيد أحمد السرحي هي الأولى والوحيدة خلال الانتفاضة الشعبية الحالية، وقد جاءت بعد أيام فقط من بدء المواجهات قرب السياج الفاصل في عدة مناطق بقطاع غزة.