شبكة قدس الإخبارية

ماكينات إسرائيلية لشيطنة الإعلام الفلسطيني وضرب مصداقيته

أحمد يوسف

رام الله – خاص قُدس الإخبارية: من ميادين المواجهات إلى مواقع التواصل الاجتماعي، يلاحق الاحتلال الصحافيين الفلسطينيين، مستهدفا إياهم بالرصاص والاعتقال، ثم بالتحريض والشيطنة، ومحاولا الضغط بكافة الوسائل لتقييد حجم تأثير الإعلام الفلسطيني، في ظل تصاعد الجرائم والانتهاكات على الأرض.

شبكة قُدس الإخبارية رصدت تقريرا في الأسبوع الأول من الشهر الجاري حمل تحريضا من أطراف إسرائيلية عديدة عليها، أدت لاحقا إلى إغلاق فيسبوك لصفحة شارك التفاعلية التابعة لها، وأمام هذا التحريض فقد أصدرت الشبكة اليوم الاربعاء بيانا صحافيا للرد على هذا التحريض، وتوضيحها موقفها منه ومن الأحداث الجارية.

التحريض يأخذ بعدا عالميا

لكن "قُدس" لم تكن وحدها في مرمى التحريض الإسرائيلي، فرئيس وزراء الاحتلال بنيامين نتنياهو أعلن صراحة أن الحرب على ما أسماه "الإرهاب" ستبدأ من الإعلام ومواقع التواصل الاجتماعي.

ويبدو هذا التحريض أشد وضوحا في الدعوى القضائية التي رفعتها منظمة "هناك قانون" الإسرائيلية في محكمة أمريكية بولاية نيويورك ضد إدارة موقع فيسبوك للتواصل الاجتماعي، زاعمة أنه يروج لمنشورات "تحرض على العنف وقتل الإسرائيليين".

ووفقا لصحيفة "هآرتس" الإسرائيلية، فقد جمعت المنظمة على مدى الأيام الماضية تواقيع 20 ألف إسرائيلي لمطالبة المحكمة بوقف ما وصفوه بالتحريض عبر فيسبوك، مؤكدة أن نجاحها في جمع هذا العدد من التواقيع يشير إلى حجم المخاوف الإسرائيلية من تأثير فيسبوك على تنفيذ عمليات فلسطينية مسلحة ضدهم.

وتأمل رئيسة المنظمة المحامية نيتسانا لايتنر في أن تصدر المحكمة قرارا ضد فيسبوك يلزمه بإغلاق أي صفحة تشجع -حسب قولها- على قتل اليهود وتبث منشورات عدائية ضدهم، مبينة، أن الدعوى تشمل المئات من المنشورات التي تحث على قتل اليهود، وتقدم تعليمات للفلسطينيين حول كيفية تنفيذ عمليات ضد إسرائيليين.

وتضيف لايتنر، أن من المنشورات التي تم الإشارة إليها منشورات كتبها بعض منفذي العمليات الأخيرة في "إسرائيل" قبل ساعات أو أيام فقط على تنفيذ العملية، حيث تزعم أن جزءا كبيرا من منفذي العمليات الأخيرة ضد الإسرائيليين تأثروا بما يكتب وينشر عبر فيسبوك، لأنهم "يتابعون على مدار الساعة ما يكتبه القادة الفلسطينيون والنشطاء السياسيون".

وكان موقع "تايمز أوف إسرائيل" قد زعم في تقرير له الأسبوع الماضي أن صفحات على فيسبوك تملأ شاشات الكمبيوتر الفلسطيينة بصور ومشاهد صعبة لفلسطينيين قتلى ورسوم كاريكاتير تشجع على مزيد من الهجمات، مرفقة عادة بهاشتاغ "إطعن" أو تحذير "الأقصى في خطر".

وردا على محاولات الشيطنة والتشويه المستمرة، وفي محاولة منهم لإنصاف الإعلام الفلسطيني وحشد الدعم والتأييد له، أطلق نشطاء فلسطينيون حملة #ادعم_إعلام_فلسطين على مواقع التواصل الاجتماعي، وسط دعوات للحشد والتغريد على هذا الهاشتاغ للتصدي دعما للرواية الفلسطينية في وجه مزاعم الاحتلال وهجمته.

شركاء في الجرائم

وتؤكد نقابة الصحافيين الفلسطينيين في بيان لها، أن الإعلام الإسرائيلي متورط في التحريض على رفع وتيرة الاستهداف للفلسطينيين، من خلال "مغامرات تحريضية عنصرية" يقوم بها صحافيون إسرائيليون بهدف المس بكل ما هو فلسطيني.

ويقول رئيس لجنة الحريات في النقابة محمد اللحام، إن الإعلام الإسرائيلي يعتبر جزءا أصيلاً من المؤسسة العسكرية الإسرائيلية، ويقف على يمينها في التشجيع على القتل وتزوير الحقائق، وإخفاء جرائم الاحتلال.

ويشير إلى اللحام إلى أن صحافيين إسرائيليين وفي إطار تحقيقهم عن السقطات "الأمنية" لشرطة الاحتلال، تنكروا بزي عربي، وحملوا أدوات حادة، وتجولوا في تجمعات إسرائيلية بهدف إثارة الشبهات حولهم، واستفزاز الجنود لإطلاق النار عليهم، مؤكدا، أن هذه الأعمال ساهمت في خلق رأي عام ضاغط على قوات الاحتلال، لترفع من وتيرة استهداف الفلسطينيين.

"المعركة ليست جديدة"، يقول الخبير في الشبكات الاجتماعية مأمون مطر، مؤكدا، أن الاحتلال يخوض كل معاركه مستخدما كافة الأدوات الممكنة، وعلى رأسها الإعلام بكافة وسائله، مضيفا، أن الاحتلال يحاول بشكل مستمر تقديم نفسه على أنه الضحية وأن عدوه هو المعتدي.

ويتفق الصحافي فادي العاروري مع مطر في رؤيته، لكنه يؤكد أن الأحداث الحالية شهدت مزيدا من التصعيد من قبل الاحتلال، وقد بدا هذا واضحا في هجوم نتنياهو على الإعلام الرسمي في أول خطاب رسمي له، مبينا، أن "إسرائيل" تدرك مدى خطورة الإعلام الفلسطيني وتأثير مواقع التواصل على الناس بشكل عام، خاصة مع وجود فرصة لأن تظهر الناس حقدها على الاحتلال وممارساته وكراهيتها له.

وسعى الاحتلال في معركته إلى ضرب مصداقية الإعلام الفلسطيني على الصعيد الداخلي، وهذا ما ظهر بحسب متابعين في نشر أسماء وهمية لأشخاص بعد عمليات طعن أو عمليات إعدام ميدانية، على أنهم هم الشهداء في هذه العمليات، قبل أن يتبين بعد نقلها من قبل الإعلام الفلسطيني بأن هذه الأسماء غير صحيحة.

ويرى العاروري، أن الاحتلال يسعى بالفعل لضرب الإعلام الفلسطيني وإظهاره كحلقة غير موثوقة وغير موضوعية ولا مهنية، وذلك من خلال صياغة الخبر بالطريقة التي يراها مناسبة، ومحاولة تسويقها ليتلقاها الإعلام الفلسطيني "بلا مسؤولية"، وهو ما يتحمل مسؤوليته الإعلام الفلسطيني.

ويؤكد مطر هذه الرؤية؛ مضيفا، أن نشر هذه الأسماء يهدف أيضا لخلق حالة من البلبلة والإرباك في المجتمع الفلسطيني، وفجوة بين الجمهور الفلسطيني والإعلام، بالإضافة للتحريض على الأشخاص الذين يتم نشر أسمائهم لانتقام الجيش والشرطة منهم، حتى لو لم يفعلوا شيئا.

نقاط ضعف فلسطينية

ويبدي مطر استغرابه من تلقي المعلومات والأخبار من مصدر واحد فقط وهو "العدو"، دون تكلف عناء الاتصال بالمصادر الرسمية أو الأشخاص أصحاب العلاقة، مبينا، أن هذا التقصير كلف العديد من الأشخاص ثمنا غاليا، كما حدث في حالة الشاب سام الأعرج من مخيم شعفاط، الذي اتهم بتنفيذه عملية بئر السبع، وهو معتقل منذ ذلك الحين.

وخلال مقابلات أجرتها وسائل إعلام عالمية مع زملاء في شبكة قدس الإخبارية مؤخرا، ظهر جليا تأثر هذا الإعلام بالمزاعم الإسرائيلية بأن الصور والفيديوهات المنشورة عن جرائم المستوطنين والجيش تحرض الفلسطينيين على القيام بأعمال انتقامية، متجاهلين حقيقة أن المسؤولية تقع على عاتق مرتكبي الجرائم وليس من يغطيها.

وعمد إسرائيليون بتحريض مباشر من جهات رسمية ومنظمات إلى تقديم بلاغات لدى إدارة موقع فيسبوك ضد صفحات فلسطينية بهدف إغلاقها، وكان نتيجة ذلك إغلاق بعض الصفحات بالفعل، أو إخفاء منشورات عن الصفحات الرئيسية أو حذفها تماما، استجابة لهذه الضغوط.

ويعتقد مطر، بأن التعامل مع وسائل التواصل الاجتماعي يجب أن يتسم بالحذر والحرفية، لتجنب العقوبات التي قد تستخدمها إدارة الموقع بحق النشطاء عليه، كون هؤلاء قد وقعوا عند فتحهم صفحات عامة أو حسابات شخصية على مجموعة من الشروط، ما يستدعي "إتقان اللعبة" بشكل جيد لتجنب العقوبات مثل الحذف والحظر.

ويؤكد مطر، ضرورة طرح القضية الفلسطينية ومعاناة الفلسطينيين كماهي، دون "تبهير" أو تزييف للحقائق، لأن عدالة هذه القضية كافية لأنصاف أصحابها وانتزاع التعاطف معهم، منوها إلى غياب استراتيجية حقيقية للإعلام الفلسطيني في التعامل مع الأحداث الحالية، وهذا ما يجعل الإعلام الإسرائيلي الذي يعمل وفق استراتيجية واضحة متفوقا حتى الآن.

أما العاروري، فيرى أن أداء الصحافي الفلسطيني ميدانيا أمر يشهد له ولا تشوبه شائبة، إلا أن "الجهات العليا" في الإعلام الفلسطيني ومنها الإعلام الرسمي مازالت عاجزة عن تنظيم نفسها وتكثيف جهودها لدعم القضية، محذرا بشدة من الجري خلف السبق الصحفي بما قد يوقع الصحافيين ومؤسساتهم في "جرائم مهنية"، تضرب مصداقيتهم وتضعف موقفهم أمام الإعلام الإسرائيلي.

يشار إلى أن صفحات إسرائيلية على مواقع التواصل الاجتماعي نشرت سابقا صورا لفلسطينيين مع تحديد هوياتهم، زاعمة أنهم ينوون تنفيذ عمليات ضد أهداف إسرائيلية، وقد أدى ذلك لاعتقال بعضهم والتحريض على آخرين، وهذا ما رصدته شبكة قدس الإخبارية في تقرير سابق.