قد يحيرنا السؤال؛ لماذا لا يقدم الاحتلال الإسعافات الأولية للمصابين الفلسطينيين الذين يقدمون على عمليات الطعن وغيرها؟! وإن كان خلف هذه السياسة أهداف معينة؟! فقد كان الاحتلال يقدم في اغلب الحالات سابقا الإسعافات الأولية للجرحى الفلسطينيين، لكنه امتنع عن ذلك تماما في الأشهر الأخيرة، وتحديدا في الشهر الجاري (أي بعد اندلاع الانتفاضة الشعبية).
إحدى الحقائق التي يتوجب علينا أن لا ننساها في حديثنا حول هذا الجانب، أن الاحتلال لم يهتم يوما لإنقاذ مصاب فلسطيني أو الحفاظ على حياة جريح لمجرد الحفاظ على روح إنسان، ولو أراد ذلك لكان من الأولى به أن يقدم العلاج اللازم للأسرى الذين أصيبوا بأمراض قاتلة نتيجة اعتقالهم في ظروف مأساوية.
إذن ما الذي تغير؟! سنجد الإجابة ببساطة لو تابعنا تصريحات المسؤولين الإسرائيليين السياسيين منهم والعسكريين، فهؤلاء جميعا يتفقون بأن العمليات الأخيرة هي عمليات فردية لا يقف خلفها أي تنظيم فلسطيني، فيما كانت العمليات السابقة تخرج من رحم خلايا عسكرية، ما يجعل الاحتلال يهتم بالحفاظ على حياة هذا المصاب لمعرفة التفاصيل الممكنة عن زملائه في الخلية، أما الآن فإن الاحتلال يعتقد أنه لن يجني من الإبقاء على حياة هؤلاء سوى الخسائر المادية في المستشفيات والسجون، فيكون القرار بالتصفية.
ورغم ذلك؛ فإن الاحتلال قدم في حالات نادرة إسعافات لبعض الأشخاص، لكن هذه الحالات كانت معززة ببلبلة يحاول الاحتلال خلقها في صفوف الفلسطينيين، (قُتل..جرح..مصاب..أسير)، وفي هذه الحالات أيضا يريد الاحتلال تحسين صورته أمام العالم، ومن ذلك أنه أراد استغلال الظروف وتجييرها لصالحه، كما حدث في حالة الطفل أحمد مناصرة مؤخرا.
ولا بد من الإشارة هنا إلى أن جميع حالات الإعدام التي تمت مؤخرا، زعم الاحتلال خلالها بأن القتل كان على خلفية الطعن، وفي بعض الحالات ألقى سكينا إلى جوار الشهيد، ليس بحثا منه عن مبررات للقتل، فهو على أي حال احتلال ولا يحتاج لمبررات، لكن الهدف هنا يتمثل في جانبين؛ أولهما تجنب ردة فعل غاضبة من الرأي العام العالمي، وثانيهما، إرسال رسالة للشباب الفلسطيني مفادها، "إننا لكم بالمرصاد، ولن تنجح أي محاولة لتنفيذ أي عملية في أي وقت وأي مكان، جنودنا متيقظون وكاميراتنا ترصدكم، لذا فإن أغلب محاولات الطعن باءت بالفشل".
ولربما هذا ما دفع بعض الأصوات لأن تنادي بما أسمتها "عبثية عمليات الطعن"، بيد أني أرى من الأولى بالنسبة لهم النداء بعبثية الحجر الذي في أحسن حالاته سيجش رأس جندي ويعيده للعمل بعد يومين بالكثير! إلا أننا ورغم ذلك كله مازلنا متمسكين بهذا الحجر الذي صار مثل "ماركة مسجلة" لمقاومتنا كفلسطينيين في العالم بأسره.
عمليات الطعن بنظري ناجعة تماما إن أُحسن تنفيذها، والاحتلال يحسب لها ألف حساب أيضا، فهي عمليات فردية ليست بحاجة لقرار مُنظّرٍ عسكري أو غيره، وهذا أكثر ما يرعب المحتل في العمليات الفردية، فالتوقيت والهدف والمنفذ مجهولون تماما بالنسبة له.
ثم إن عمليات الطعن أعادتنا للانتفاضة الأولى وبدايات انطلاقها، حين لم يجد الفلسطيني البسيط وسائل أمامه غير سكاكين مطبخ أمه، ولاحقا قلنا أن وسائل المقاومة تطورت من الحجر حتى وصلنا للصاروخ، لكن ما الذي يجعلنا نعود للوراء مربعات كثيرة؟؟
الجواب باختصار هو أن الظروف الأمنية المحيطة في الضفة الغربية – وهذه لا تخفى على أحد - لعبت دورا كبيرا في ذلك، وهنا لا أود التفصيل أكثر فاللبيب بالإشارة يفهم، وإلا لشاهدنا حينا سقُف حافلات تطير وأخرى لمطاعم وملاهي تهوي، لذا تقدم الفلسطيني الأعزل غير المسسيّس إلى حلبة الصراع بأدواته البسيطة، وأنا على ثقة أنه عند عودة العمليات العسكرية الفلسطينية النوعية، ستنحسر عمليات الطعن أمام عظمة الأسلوب المتجدد.