شبكة قدس الإخبارية

كيري  ينقذ نتنياهو ويهديه الأقصى بتعهدات ملغومة

ديالا الريماوي

القدس المحتلة – خاص قُدس الإخبارية: بغموض شديد، تحاط تصريحات وزير الخارجية الأمريكي جون كيري عن "تعهدات" رئيس حكومة الاحتلال بنيامين نتنياهو، بخصوص الأوضاع في المسجد الأقصى، لكن ما ظهر من هذه التعهدات كان كافيا ليثير قلق الفلسطينيين مما يدبر للأقصى ولهم، بعد أن وجدوا في هذه التعهدات إحكاما لسيطرة الاحتلال على الأقصى بشكل رسمي وقانوني.

وزار كيري الأردن أواخر الأسبوع الماضي، والتقى هناك بالعاهل الأردني عبدالله الثاني والرئيس محمود عباس، قبل أن يتحدث في مؤتمر صحافي عن "تعهدات" قدمها نتنياهو بعدم السماح لغير المسلمين بالصلاة في الأقصى، على أن يسمح لهم "بزيارته"، بالإضافة لنصب كاميرات مراقبة في المسجد لمراقبة جميع ما يجري فيه.

وبعد وقت قصير من هذه التعهدات، قال نتنياهو خلال جلسة حكومية إن تركيب الكاميرات داخل الأقصى يصب في مصلحة "إسرائيل"، لأنه سيكشف "زيف الادعاءات" الفلسطينية عن محاولات "إسرائيل" تغيير الواقع في المسجد، وفق تعبيره.

"زيارة هدفها وأد الانتفاضة وإخراج نتنياهو من مأزقه"، هكذا وصفت فصائل فلسطينية ومراقبون زيارة كيري، لكن عضو اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير واصل أبو يوسف، قال إن هذه "التعهدات" لا يمكن أن تنهي الحديث عن "الهبة الشعبية"، وتهدئة الأوضاع كما قال، لأن هذه "الهبة" جاءت كرد فعل طبيعي لما يقوم به الاحتلال من تهويد واعتداءات وجرائم بحقنا.

وأوضح أبو يوسف لـ قُدس الإخبارية، أن الحديث عن إجراءات جديدة في الأقصى من وضع كاميرات والسماح للمسلمين بالصلاة لا تحل المشكلة، لأن الاحتلال هو المشكلة الرئيسية، مبينا، أن نتنياهو ومن خلال لقائه مع كيري حاول أن يفك العزلة عن "إسرائيل" وينقذها، ويخمد هذه الهبة "الشعبية".

وأضاف، أن نتنياهو حاول ذر الرماد في عيون المجتمع الدولي بإظهار أنه يسمح للمسلمين بالصلاة في الأقصى، في الوقت الذي يمنع فيه الفلسطينون في الضفة وغزة من الوصول إلى القدس والصلاة في الأقصى، وهذا يعني أن الاقتحامات والاستباحات ستستمر.

وأكد أبو يوسف، أنه لم يتم التوصل إلى حل جديد يحافظ على الأقصى من خلال الأوقاف التي هي المسؤولة عن تنظيم كل ما يتعلق بأوضاع المسجد الأقصى، إذ أن نتنياهو لا يحق له التدخل في الأمر.

وتحدث كيري عن "تفاهمات" بين الأردن و"إسرائيل" حول الأقصى تضمنت البندين المذكورين، وقد رحبت المملكة الأردنية رسميا بمزاعم نتنياهو واعتبرتها "خطوة في الاتجاه الصحيح"، لكنها لم تتحدث عن أي اتفاق فعلي بين الجانبين، فيما يتمسك الفلسطينيون بتحفظاتهم على هذه "التفاهمات"، لعلمهم المسبق بما ستؤدي إليه في نهاية المطاف.

وامتنع مدير الأوقاف في القدس المحتلة عزام الخطيب، عن التعليق على تصريحات نتنياهو، مكتفيا بالإشارة لتصريحات الملك عبدالله، ومبينا، أن الأردن لم يوافق على ما تم طرحه، بل رحب بالخطوة على أساس البت بتنفيذ ترتيبات الوضع التاريخي الذي كان قائما على الحرم الشريف قبل عام 1967 وبعده، بحيث تكون دائرة الأوقاف هي المسؤولة مباشرة عن إدارة الأقصى وترميمه.

وبدأت الأوقاف الأردنية اليوم بنصب كاميرات تابعة لها في الاقصى، إلا أن قوات الاحتلال أوقفت العمال عن العمل وأزالت الكاميرات التي تم نصبها عند باب المغاربة، وهو ما اعتبره الخطيب تدخلا في عمل الأوقاف ودليلا على أن الاحتلال يريد لكاميرات المراقبة أن تخدم مصالحه فقط، ولا تكشف حقيقة ما يجري في المسجد.

أما الشيخ عكرمة صبري مفتي فلسطين السابق، فقد اعتبر أن كيري وبإعلانه لهذه الخطوات كأنه يفرض نفسه وصيا على الأقصى، "فهو يريد أن يسمح للمسلمين بالصلاة وكأننا نأخذ إذن منه بالصلاة في الأقصى وهذا ما نرفضه لأننا نصلي بإذن من الله".

وفيما يتعلق بنصب كاميرات في الأقصى، بين صبري لـ قُدس الإخبارية، أن ذلك يعني أن الجانب الإسرائيلي والأردني سيراقبان ما يجري في الأقصى، وبالتالي فإن "إسرائيل" أصبحت شريكة في إدارة الأقصى، وهذا مكسب جديد يحققه كيري لها، حسب قوله.

وأضاف، أن كيري يحقق لـ"إسرائيل" مكسبا آخر بشرعنة "زيارة غير المسلمين للأقصى"، وهو ما يعني فرض مصطلح "زيارة" كبديل عن "الاقتحامات"، منوها إلى أن كيري كان يستخدم مصطلح "جبل الهيكل" إلى جانب الحرم الشريف في محاولة منه للإقرار بأن الأقصى للمسلمين واليهود.

وأوضح صبري، أن هذه التصريحات تصب الزيت على النار، لأن أسباب التوتر لا تزال قائمةً، مشيرا إلى أن الذين ينادون بالتهدئة يجب أن يعالجوا أسباب التوتر المتمثلة بحرمان 60 امرأة من دخول الأقصى، والسيطرة على أبواب المسجد الخارجية، وتحديد الأعمار، والتحكم بموضوع إدخال مواد لإعادة الترميم.

جانب مما أخفته مؤامرة كيري - نتنياهو، كان واضحا في حديث الباحث والمختص في شؤون القدس جمال عمرو، الذي قال إن هذه "التفاهمات" لو تمت فإنها ستعني أن التصدي لاقتحامات المستوطنين ولو بالتكبير والتهليل كما جرت العادة، سيعد خرقا للاتفاق الرسمي بين البلدين، ومخالفة قانونية تستدعي الاعتقال دون اعتراض من أي جهة.

وتشكل الكاميرات التي سيتم نصبها جانبا آخر من المؤامرة الأمريكية الإسرائيلية لإحكام القبضة على الأقصى، وفقا لعمرو، الذي أكد لـ قُدس الإخبارية، أن هذه الكاميرات ستشاهد فقط تكبيرات المصلين من الرجال والنساء، لكنها لن تشاهد استفزازات المستوطنين وصلواتهم التي لن يردعهم شيء عن أدائها، حيث سيبقى التحكم فيها بأمر شرطة الاحتلال.

وأضاف عمرو، "لم يمر على تاريخ الشعب الفلسطيني مشروعا من حيث الخطورة شبيها بوعد بلفور أكثر من الاتفاق الذي يسعى كيري لبلورته الآن، فهذا الوزير الأمريكي سينقل السيادة على المسجد الأقصى إلى الاحتلال على طبق من ذهب بعد أن أفشل الصمود الفلسطيني كل المحاولات في هذه الإطار سابقا".

تجدر الإشارة إلى أن السلطة الفلسطينية اكتفت في تعقيبها على هذا الملف بالتأكيد على أنها لا تثق بنتنياهو وتعهداته، محملة إياه المسؤولية عن ماوصلت إليه الأمور حتى الان، ومطالبة بضمانات دولية لالتزام نتنياهو بعدم خرق هذه "التعهدات"، دون أن يصدر منها أي تعليق على تبعات ما يسعى كيري ونتنياهو لتحقيقه.