القدس المحتلة – خاص قُدس الإخبارية: تتحدث الصحافية راما يوسف إلى صديقتها مي أبو عصب باللغة العربية في شارع الشهداء بالخليل، فتكون النتيجة صرخات مستوطن بوجود عرب في المنطقة، ثم اجتماع مستوطنين عليهما بهدف قتلهما، ومحاولة مستوطنة إيذاء مي فعلا، وسط تحذيرات من شرطة الاحتلال للصحفيتين من المساس بأي منهم، حتى لا يتم إطلاق النار.
هذه الواقعة حدثت أمام جمع من الصحفيين القادمين من النمسا وأستراليا وألمانيا، بهدف الاطلاع على الاوضاع في فلسطين عن كثب، وربما كان هذا المانع الوحيد لشرطة الاحتلال من إطلاق النار فورًا على راما ومي، كما فعلت في حالات أخرى مثل الفتاة راما بكير أو الشاب فادي علون قبل ذلك.
الشرطة رهينة التحريض
وتمثل حالة راما التي نجت مع صديقتها من موت محقق في شارع الشهداء القريب من مستوطنة "كريات أربع" في الخليل، واحدة من حالات عديدة وقعت في الأيام الماضية، لكنها انتهت بشكل أكثر دموية وعنفا فكانت النتيجة جريمة قتل أو إصابة بالغة ثم اعتقال، بعد تثبيت مزاعم المستوطنين بأن ضحية محاولة الإعدام كان في وضعية هجوم.
تقول راما لـ قُدس الإخبارية، إن المستوطن لم يكتف بالصراخ مشيرًا لوجود عرب، بل إنه بدأ يوقف المركبات المارة من الطريق ويبلغهم بوجود عرب، فتنهال عليهما الشتائم البذيئة والألفاظ العنصرية، قبل أن تفاجئهما مستوطنة كانت بانتظارهما في منتصف طريق العودة بمهاجمة مي أبو عصب مستخدمة آلة حادة، لتصرخ الصديقتان طالبتان حماية الشرطة.
إثر ذلك تجمع مجموعة من المستوطنين حولهما وأخذوا يتداعون لقتلهما ومنع خروجهما على قيد الحياة، قبل أن تلتجئان إلى منزل سيدة فلسطينية قريب من المنطقة، ثم يتدخل مجموعة من سكان المنطقة لإخراجهما منها عن طريق تطويقهما بسلسلة بشرية، وسط تحذيرات من شرطة الاحتلال من المساس بأي من المستوطنين، حتى لا تطلق النار باعتبار أن ذلك محاولة قتل.
قبل ذلك بأيام كانت مرح بكير الطالبة في مدرسة فلسطينية بحي الشيخ جراح في القدس، تغادر مدرستها مع صديقاتها إلى منازلهن بعد انتهاء دوام مدرسي، وعند وقوفهن لانتظار الحافلة فاجأ الجميع مستوطن بالصراخ "إرهابيات" وفورًا أطلقت الشرطة نحو 10 رصاصات متسببة بإصابة مرح في يدها وقدمها.
نجت راما وأصيبت مرح ولا يعرف وضعها الصحي كما أنها بقيت قيد الاعتقال، لكن آخرين ارتقوا شهداء بعد أن أدى إطلاق النار لمفارقتهم الحياة فورًا، وربما كانت حالة الشهيد فادي علون من العيساوية أول هذه الحالات، بعد أن طوقه مستوطنون ولاحقوه ثم أطلق الشرطة النار عليه، لكن من الواضح أن الشهيدين أحمد أبو شعبان وباسل سدر لن يكونا الأخيرين في هذا المسلسل.
رعب
جرائم الإعدام الميداني المجانية هذه، تتزامن مع موجة عمليات طعن ودهس في القدس بشكل أساسي وفي الضفة أراضي 48 أيضا، رافقتها دعوات رسمية من المستويين السياسي والعسكري في دولة الاحتلال للمستوطنين إلى حمل السلاح في كل مكان، وللجنود لحمل أسلحتهم حتى في أوقات أجازاتهم الرسمية.
وتدل هذه الجرائم والقرارات وفقا للكاتب والخبير في الشأن الإسرائيلي علاء الريماوي على حالتين تسودان الشارع الإسرائيلي، أولهما رعب حقيقي وهوس أمني، يبدوان واضحين في خلو شوارع القدس اليوم تماما من المستوطنين، وفي وصول الأمر إلى حد إطلاق جندي النار داخل قطار في تل أبيب بشكل مفاجئ لمجرد الشك بوجود "إرهابي" في القطار اليوم.
ويوضح الريماوي لـ قُدس الإخبارية، أن الاحتلال وصل إلى أعلى حد تكون فيه رؤية الفلسطيني مرعبة في القدس والضفة، منوها إلى أن هذا يذكر ما مر به المستوطنون خلال عام 2002 بعد سلسلة العمليات الاستشهادية التي هزت عمق دولة الاحتلال، وكذلك في مرحلة التسعينات بعد أن ابتدعت المقاومة الفلسطينية أسلوب تفخيخ الاستشهاديين في المقاومة.
ويشير إلى أن دعوات الاحتلال للمستوطنين بحمل السلاح ليست جديدة، فقد فعلها اسحق رابين رئيس وزراء الاحتلال عام 1987، وكررها ايهود باراك عام 2002، ثم ارئيل شارون بعد ذلك، مضيفا، أن المستوطنات تحتوي على معسكرات تدريب على السلاح، وفي حالات كثيرة كانت هذه المعسكرات تشهد تدريبات على إطلاق النار على مجسمات لشخصيات فلسطينية.
إرهاب
الحالة الثانية التي تكشفها جرائم الاعدامات الميدانية؛ هي التشوق الإسرائيلي لسفك الدماء وقتل الفلسطينيين، وقد وجد المستوطنون وعدد كبير من عناصر الشرطة أيضا الفرصة الحالية سانحة لقتل أكبر عدد ممكن من الفلسطينيين، مادامت الذريعة جاهزة وهي طعن الفلسطيني مستوطن.
وتشير إحصائيات أجراها مركز القدس لدراسات الشأن الإسرائيلي، إلى ارتكاب الاحتلال أكثر من 216 اعتداءً خلال الأيام العشر الأخيرة، بالإضافة لتوثيق ارتكاب المستوطنين 189 اعتداءً بحضور الجيش، انتهت بتحميل مسؤولياتها لعصابات إرهابية لم يعتقل منهم أحد.
ويربط الريماوي بين هذه الجرائم ومشروع الاحتلال الكبير المعروف بـ"2020"، والهادف لتفريغ القدس المحتلة من الأغلبية الفلسطينية عام 2020، مبينا، أن الهدف هو ترهيب الفلسطينيين ودفعهم لمغادرة المدينة المقدسة، لكن هذا سيفجر المزيد من العنف خاصة في حال تكرار جريمتي إحراق عائلة دوابشة أو محمد أبوخضير في هذه الفترة تحديدًا، كما يعتقد.
وتغص الصحفات العامة والحسابات الشخصية على مواقع التواصل الاجتماعي بالتحريض المباشر على القتل والذبح من قبل مستوطنين، وقد وصل هذا إلى حد نشر صور أشخاص محددين واتهامهم بالتخطيط لتنفيذ عمليات أو تنفيذها بالفعل، كما حدث في حالة الصحافية بيان الجعبة والشاب عبيدة عطون وغيرهما،
أبعاد قانونية
بالأمس؛ تحدث الرئيس محمود عباس في خطاب مقتضب حول الأحداث الحالية، وأكد في معرض خطابه بأن السلطة سترفع ملف الإعدامات الميدانية إلى محكمة الجنايات الدولية، وهو ما يحتاج وفقا للخبير في القانون الدولي محمد شلالدة إلى عمل دقيق وإثبات علمي وطبي للوصول إلى النتائج المرجوة.
ويرى شلالدة، أن أول الخطوات يجب أن تبدأ بتوثيق كافة الجرائم من خلال شهود العيان، وكاميرات المراقبة قدر الإمكان، بالإضافة للتقارير الطبية الموثقة من معاهد طبية مثل المعهد الطبي في جامعة القدس أو جامعة النجاح، مبينا، أن هذين المعهدين يملكان اعترافا دوليا بالنتائج الصادرة عنها، أما تقارير المستشفيات فهي غير كافية.
ويضيف لـ قُدس الإخبارية، أن خطوة تقديم الملفات إلى محكمة الجنايات يجب أن تكون مسبوقة بالتوجه للقضاء الإسرائيلي وهو ما يسميه القانون الدولي "قضاءً محليا"، وفي حال امتناع محاكم الاحتلال عن تحصيل حقوق الضحايا، المقسمة إلى حق جنائي بملاحقة المجرم، ومدني بتعويض الضحية، (وهذا ما يحدث غالبا) فإنه يمكن التوجه للجنائية الدولية بقوة أكبر.
ويشير شلالدة إلى ضرورة التعاون مع مؤسسات حقوق الإنسان الشهيرة والمعترف بها دوليا في توثيق هذه الجرائم، بهدف الاستفادة من شهاداتها أمام المحكمة الجنائية، منوها إلى أن هذه المحكمة تتعامل مع القضايا الأشد خطورة، وأن قضايا عديدة مازالت في أروقتها تنتظر منذ 10 سنوات أن يبت فيها ولم يحدث ذلك، ما يستدعي التعامل بحذر شديد ومهنية عالية مع جرائم الاحتلال، وتحديدًا من حيث التوثيق.